لا ادري ان كان الجيش السوداني يحتاج الى اصلاح في النظم والادارات المختلفة وفي التسليح ومواكبة التقانة العسكرية ام لا، فالمعلومات المتعلقة بهذه المؤسسة ليست مبذولة للعامة امثالنا. كما لم اطلع على مايمكن الركون اليه في هذا الصدد منذ ان ترددت تلك العبارة عقب الثورة او ربما من قبلها بقليل.
وكان القصد ولايزال، على الاقل بالنسبة لي هو ابعاد الاسلاميين من هيئة القيادة. وهو حديث يبدو مفهوماً ، لو لا انه اخذ بعداً اخر يستهدف اعادة هيكلة الجيش، فازداد غموضاً حتى كاد يستعصي علي الفهم والموافقة.
ظللنا نسمع بان الاسلاميون مسيطرون على قيادة الجيش العلياء والوسيطة، وهذا امر غير مستبعد، بدليل انهم استولوا على السلطة في 30 يوينو 1989، بانقلاب عسكري. مع ان الانقلاب لايخضع لمنطق الاقلية والاغلبية. ومن المتوقع ان يكونون قد عملوا ومنذ استيلائهم على السلطة على تمكين انفسهم داخل الجيش كما في كل القطاعات الاخرى. لكن هذا يظل اعتقاد ويختلف عن مايجزم به البعض، من ان الدفعات التي التحقت بالكلية الحربية منذ مجي الانقاذ كلها منهم.
مثل هذه الاحكام القطعية لانستطيع ان ننفيها او نثبتها. لاننا لانملك احصائيات وبيانات عن الانتماءات السياسية او اي انتماءات اخرى للطلاب الحربيين خلال الفترة المذكورة. لكن لو سلمنا بانهم اغلبية واردنا التخلص منهم، واضعين في الاعتبار صعوبة، بل استحالة فصل ضابط او ضباط جاوا للخدمة عبر بوابة الكلية الحربية بعد ان اجتازوا كل الاختبارات حتى وان حظوا بتفضيل على اقرانهم وهو شئء يصعب اثباته ، الا انه لايصلح دليل على ان الجيش يحتاج الى اصلاح. اذا كنا نقصد مراجعة النظم والقوانين واللوائح وتغييرها في حالة كونها مجافية لاسس العدالة في الالتحاق بمرفق من مرافق الدولة. فلا اعتقد ان قانون القوات المسلحة او لائحة الكلية الحربية تحصر الدخول اليها على الاسلاميين .
مع ان هناك شواهد ذات دلالة مهمة تفيد العكس، مثل ان المؤسسة العسكرية قد خاضت حروب كثيرة حتمت عليها الاحتفاظ باهل الكفاءة حتى وان كانوا لاينتمون لحزب السلطة طالما انهم غير معادون . كما ان الاسلاميين اقلية في المجتمع وبالتالي هم اقلية في كل المجالات.
وخلاصة القول ان مثل هذه العبارات تطلق هكذا دون تثبت، سوف يكتشف اصحابها انها غير محددة ويستحيل تنفيذها. اما من يتمسكون بها لتحقيق مكاسب سياسية ربما يتنازلون عنها على مائدة التفاوض حال الاستجابة لماهو جوهري من مطالبهم اومصالحهم.
وقبل التطرق لإعادة هيكلة القوات المسلحة كواحدة من المفردات الغامضة، فان ما نلاحظه عن واقعها حتى بشكلها الحالي،ان بها تمثيل لواقع السودان المتعدد والمتنوع، في المستويات القاعدية والقيادية. كما انها تقوم على التراتبية والتخصص. وربما يكون مفهوماً الحديث عن خلق توازن في داخلها ان كان هناك خلل واضح في تمثيل قومية بعينها وان تسعى لذلك بطريقة لاتخل بالنظم والقوانين ودون خلق نوع من الاستقطاب او المحاصصة القبلية والجهوية.
و مايرد في بيانات واحاديث بعض الجهات التي ترفع هذا المطلب هو جعل الجيش ممثلاً لكل جهات السودان مع انه هو بالفعل كذلك. ولم ينتقد احد قانون القوات المسلحة من هذه الزاوية. ويبدو ان المعنى المقصود هو دمج حركات الكفاح المسلح ، رغم انها لاتدعي تمثيل اقاليم بعينها وتطرح نفسها كحركات سودانية بمسميات تتسع للجميع مثل تحرير السودان والعدل والمساواة. وانها قد اضطرت لحمل السلاح في وجه الدولة، وان القضية محل الخلاف قد تم حسمها في اتفاق جوبا على علاته. وتبقى فقط تحديد مصير الجنود والضباط الذين يعملون بها، والذي يخضع لمفهوم (النزع والتسريح واعادة الدمج).
لكن الغريب في الامر ان اكثر الجهات التي تتحمس للفكرة هي قوات الدعم السريع، في حين ان التعريف المشار اليه كمعيار دولي، لاينطبق عليها.
فهي مليشيات استنفرتها الدولة لانجاز مهمة قتالية وقد انتهت. واضفت عليها المسمى الذي تحمله الان لوضعها ضمن الهيكل الرسمي للقوات النظامية وبقانون خاص، لحمايتها من الملاحقة الجنائية الدولية وقتها. وبالتالي يجب معالجة وضعها وفق تدابير اخرى. لكن تلك القوات لاتكتفي بالمطالبة بما هو ليس من حقها، بل تقدم مفهوم يخصها هي للدمج، يبداء بالمستويات العلياء ثم ينحدر الى اسفل في هرم المؤسسة. حتى تضمن دخول قياداتها وضباطها الى هيئة الاركان. التي تتكون من قطاعات عسكرية متخصصة. والموافقة على هذه الرؤية والتي سبق للقوات المسلحة ان رفضتها، يتطلب اجراء تعديلات في هيئة الاركان باضافة سلاح جديد اليها اسمه الدعم السريع دون دواعي فنية، بل استجابة لضغط عسكري و سياسي. و يعني نهاية قومية القوات المسلحة وحيادها كاخر ممسكات الوحدة الوطنية ويفضي تلقائياً الي نهاية الدولة والعودة الي ماقبل 1821.

عرض مقالات: