من ردود أفعال مسؤولينا وساستنا المتبارين والمستقتلين، لنيل مراكز قيادية وحقائب وزارية كل أربع سنوات- وأحيانا أقل- أن الوجوه الأولى تبقى بطلة الموقف، سواء ظاهرة أم خلف الستار! وعادة ما تكون (الركعة) بنفس مساحتها الصغيرة، غير أن (الشك) آخذ بالاتساع، وكما قال شاعر الدارمي:

لاجرح لاجرحين لا طر واشلّه

                      مامش درب للخيط عله على عله

  ومعلوم أن الانتماء والولاء يكونان للوطن والمواطنين المنتخِبين، فهل هما كذلك؟ للأسف هما ليسا للبلاد، وليسا للذين ضمخوا أصابعهم بالحبر البنفسجي، بعد تحديهم كثيرا من التهديدات والمخاطر لسواد عيون مرشحيهم، فالولاء شطّ بعيدا عن الأخيرين، والانتماء يلوِّح بجرأة تصل حد الصلافة، معلنا ان آخر المستفيدين من التغيير المزمع هم العراقيون. فقد تعود رؤساء الأحزاب والكتل على دفع مرشحيهم للتشكيلات الوزارية، وفق مقاييس لاتخدم الوزارات ولا المؤسسات ولا الهيئات ولا حتى استعلامات الدوائر الحكومية، فالمهنية تغط في نوم عميق أثناء انتقاء الأحزاب مرشحيهم، كذلك الكفاءة شدت رحالها بعيدا عن موازين الكتل، إذ تُدفع أسماء المرشحين وفق نظرية الـ (گوتره). كما أن لفقرات الدستور غيابا دائما أثناء فترات الانتخاب، لاسيما فيما يخص المزورين والمتهمين بمواد سبق أن أقر الدستور انها لاتجيز للمدانين بها تسنم مواقع قيادية، فضلا عن المتهمين بجرائم وجنح، وأخرى تندرج تحت طائلة الفساد بأنواعه وأشكاله وأصنافه.

   لقد كان صدام يأتي بالشخص غير المناسب، الذي لايفقه شيئا غير التلفظ بعبارة (نعم سيدي) وقد يكون حاصلا على الشهادة الاعدادية على أبعد احتمال، ويريه من المغريات المادية مالم يكن يحلم بنيلها بتاتا، ليوزره وزارة حساسة تتطلب ممن يستوزرها مواصفات تكنوقراط ومؤهلات علمية بحتة، ويتمتع بشخصية قيادية، فضلا عن سيرته وسلوكه وتاريخه المهني وحتى الشخصي والعائلي، وبذا يضمن الملعون أن الوزارة أخذت طريقها الى الحضيض، فيتدنى العمل بمؤسساتها وهيئاتها إداريا وانتاجا، وتبقى إسما على غير مسمى، وهذا ماكان يرسم اليه ويخطط له ويعمل كل شيء من أجل تحقيقه. وبسيناريو ساذج يقال هذا الوزير بعد حين بسبب أو من دون سبب، ويأتي بغيره بالمواصفات المتدنية ذاتها، فيكمل مشوار سابقه في صنع الخراب ونشر الفوضى والتخلف في وزارته. ومن المؤكد أن الحال في التسلسل الهرمي للوزارة، يصبح بفعل وزراء كهؤلاء تسلسلا ليس له اول ولا آخر، فتنتقل عدوى سوء الإدارة الى المديرين العامين فالمعاونين فالمديرين فالموظفين، وهكذا سار الحال الى أن استحال حال البلاد الى رقعة جغرافية على سطح الكرة الأرضية، بعيدة عن مسيرة باقي الأمم في الرقي والبناء والعمران، ومحاصرة داخل إطار معزول عن العالم، وكأنها في كوكب آخر، وهذا ما رسم له صدام وحققه.

  هي تجربة يعيها جيدا كل ساستنا في العراق ويذكرونها بالتفصيل الممل، سواء الذين ركبوا موجة السلطة وأبحروا في تيار الجاه والسلطان، أم الذين يتطلعون الى نيل مركز مرموق في سدة الحكم، ويسعون الى الوصول اليه بشكل او بآخر!. وباستقراء بسيط لما كان وما سيكون، تتضح مآلات الأمور، ويسهل التخمين في مكانة البلد ووزاراته، وبأي درك ستقبع فيه بعد حين، مادام النهج المتبع في الاستيزار نهجا نفعيا، ومادام المتسلطون فيه نفعيين، وليس لمصلحة العباد والبلاد حساب ضمن حساباتهم، فماذا تكون النتيجة غير التدني والتدهور في إدارة الوزارات وعملها! وسيأتي يوم تعاد فيه كل سيناريوهات العقود الأربعة الماضية، لكن، بشخوص محدثة، وأسماء مجددة، وسيكون عراقا جديدا أيضا، ببعث جديد، وستكون حتما سقوطات جديدة.

أقول هذا وأتمنى أن أكون مخطئا في تخميني وحدسي.

عرض مقالات: