تشابه سياسة دول الناتو، المفترسات من الحيوانات حينما تحاصر في زوايا الخطر، تمزق مكياج وجهها المبتسم بملامح تمدين الشعوب المستعمرة عبر قرون مضت وهي التي ظلت تسلب شعوب الجنوب مصادر ثرواتها بأسماء الانتداب او الوصاية او التمدين خلال عمل عصبة الأمم - بعد الحرب العالمية الاولى - فلا تظهر صرخاتها عن حقوق البشر في اللوائح والمدونات التي فرضتها نهضة الشعوب بعد انتصار الاتحاد السوفيتي السابق على النازية. تعمل دول الشمال الغربي على فرض قواعد النظام العالمي الجديد بأجهزتها الاقتصادية وبنوك المال الدولية اضافة إلى الضغوط السياسية والدبلوماسية ... وغيرها والآن القنابل العنقودية.

المدنيون والمنشآت المدنية

إن الحروب وما ابتدع الانسان من الاسلحة لها لا يمكن نعتها الا بأنها تدمير للبيئة فضلا عما بناه الانسان لجيله والاجيال القادمة بل هي تدمير للطاقات الانسانية المبدعة، فإذا كانت الحروب سابقا لا تستثني الاهداف المدنية بكل مسمياتها، المدنيون الافراد، منشآت الماء، الكهرباء، المستشفيات، المدارس.. الجنود الاسرى ، الجرحى ... الخ ؛ لكنه قد بدا الاهتمام بتجنيب المدنيين او المنشآت المدنية من ان تكون اهدافا عسكرية ( لإخضاع العدو ) منذ أواخر القرن التاسع عشر مثلا اعلان سان بطرس بورك سنة 1868حيث اقر الاعلان (( الغرض الشرعي الوحيد الذي تستهدفه الدول اثناء الحرب هو اضعاف قوات العدو العسكرية )) وتوالت الاتفاقيات التي تحدد بشكل اوضح ((القانون الدولي الانساني )) ، ومثال ذلك اتفاقيات جنيف الاربع والبرتوكولات الاضافية لها مثل الاتفاقية الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان او البرتوكول الخاص بحماية ضحايا القوات المسلحة  سنة 1949 لذلك توقف المتفاوضون بعد الحروب على مباديء جرى تثبيتها مثل مسألة تجنيب المدنيين في نصوص ضمن المعاهدات باعتبارهم اهداف غير حربية – اي مبدا التمييز بين المقاتلين العسكريين او المدنيين وهؤلاء المدنيون يكونون في (حماية ) خلال العمليات العسكرية -   فأصبحت الاهداف المدنية غير مسموح جعلها مواقع حربية بل قد يكون قصفها او تدميرها ( جرائم حرب ) ففي بعض المعاهدات تم النص أن هذه المسألة حددت المواقع العسكرية والجنود المقاتلون والاسلحة فقط  كأهداف خاصة للقتال وهذا قد اصبح ما يعرف ( القانون الدولي الانساني ) ، كذلك فإن بعض الاسلحة التي لا تستهدف المقاتلين فقط تتحول إلى دائرة التحريم .

القنابل العنقودية وتحريمها دوليا

لم يدر في خلد مزارعي الكروم ابيضه الذهبي مع شعاع الشمس او احمره القاني أن تسمى اسلحة فتاكة باسم العناقيد التي يتغنى هو بجمالها متدلية في مزارعه او لذتها بالنسبة لشارب نبيذها  فهي اسلحة على شكل عناقيد ينفلق بعضها في الهواء او قبل وصولها الارض فتنتشر على مساحة واسعة كقنابل صغيرة بهدف تدمير اكثر عدد من ( قوات الاعداء ) إلا ان ما يصل الارض لا ينفجر جميعه بل قد تصل نسبة ما لا تنفجر منها 10% إلى 40%  وفقا للصليب الاحمر الدولي ، لذلك يكون المدنيون ضحايا هذه القنابل الصغيرة التي لا تنفجر عند سقوطها بل تختبئ بين التراب كالعقارب البرية ليكون المزارعون والاطفال هم من يتعثر بها فتنفجر بهم ويكونون ضحاياها الاشد ضررا وعوقا ، علما ان هذه القنابل قد تدوم سنوات إن لم يكن لعقود من الزمن بسبب انتشارها مخبوءة داخل الارض مزرعة كانت او ملعبا او حيا سكنيا او تكون ارض محرمة لا يطأها احد ، حيث ان القنبلة الصغيرة يكون انفجارها بمحيط 10 امتار مربعة أما العلبة الواحدة فيمكن ان تغطي 30 الف متر مربع ، وقد استخدمت في الحقبة المنصرمة القريبة او الحديثة من قبل الولايات المتحدة في كمبوديا وفيتنام كذلك في العراق .

 لذلك فقد وصفها نائب رئيس الصليب الاحمر الدولي جيل كاربونير (تظل القنابل العنقودية واحدة من أكثر الاسلحة غدرا في العالم، لأنها تقتل وتشوه بشكل عشوائي ...)  إن الامم المتحدة تعتبر الذخائر العنقودية اسلحة غير مقبولة لسببين: -

  • انها قنابل صغيرة وتنتشر في الارض فلا تميز بين المقاتلين او المدنيين.
  • أن استخدام القنابل العنقودية لا يقف تأثيرها بانتهاء الحرب بل يستمر إلى عقود ويخلف انفجارها بعد زمن قتلى وتشويها للمدنيين والاطفال خصوصا، كذلك يعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بل ان عواقبها وخيمة قد تستمر لسنوات وعقود زمنية كما أشرنا سابقا.

 هل هي محرمة دوليا فعلا؟

لقد درست بعض الدول بعد اجتماع ممثليها في اوسلو عاصمة بلجيكا سنة 2007 وتمخضت عن اتفاقية بشأن الذخائر العنقودية هذه (تحظر استعمال الذخائر- المعرفة -عنقودية وانتاجها وتخزينها ونقلها)، كما اعتمدت هذه الاتفاقية في دبلن بتاريخ 30 أيار 2008 ووقعت في اوسلو يومي 3و4 أيار 2008 واصبحت نافذة في 1 آب 2010، كما بلغت الاطراف الموقعة 106 دولة آب 2019.

 غير ان بعض الدول لم توقع على هذه الاتفاقية مثل الولايات المتحدة واسرائيل وروسيا والهند وباكستان والصين وكوريا الجنوبية، اوكرانيا ....

ولا بد من معرفة ان عدد الدول الموقعة قد أصبح 123 دولة، غير ان حجم ما تملكه مجتمعة من مخزونات القنابل العنقودية لا يزيد كثيرا عن 10 % من المخزون العالمي الحربي.

لذلك ومن اجل حق الحياة الذي يعتبر اسمى الحقوق للإنسان لا بد ان تعمل الامم المتحدة والمنظمات الحقوقية على منع بعض الدول من وضع المبررات لتقليل خطورتها وبالتالي عدم التوقيع او المصادقة لصالح الاتفاقية التي ثبت كون القنابل العنقودية بكل انواعها واوزانها خطر كبير يؤثر على طبيعة الحياة العامة المدنية لكونها عشوائية الانفجار اولا وان عدم انفجار الكثير منها قد لا يقل عن نسبة ثلث ما يرمى منها على الارض لا ينفلق ثانيا ؛ فتكون سببا للموت او التعويق للفلاحين او الاطفال والمدنيين عموما بعد سكوت طبول الحرب وما تخلفه من بشاعات  .

 

ناشط في حقوق الانسان*            

عرض مقالات: