أقر البرلمان الأوروبي في التصويت الأول بأغلبية كبيرة لائحة التحول إلى "اقتصاد الحرب" التي طرحها مفوض السوق الداخلية تييري بريتون. وللترويج لمشروعه قال بريتون: "يجب أن نتحرك الآن، لأن الحرب في أوكرانيا، التي كانت في البداية حرب معسكرات، ستصبح حربًا صناعية حقيقية".

ولتعزيز قدرات إنتاج الذخيرة في الاتحاد الأوروبي، قدمت بروكسل 500 مليون يورو. وزار بريتون عددًا من البلدان وحدد 15 صناعة سيتم تمويل الاستثمار فيها بنسبة 40 – 60 في المائة من قبل الاتحاد الأوروبي، للوصول إلى طاقة إنتاجية تبلغ مليار اطلاقة سنويا، خاصة، ذخيرة مدافع عيار 155 ملم.

في الأول من حزيران، وافق البرلمان الأوروبي بأغلبية 446 صوتًا، وامتناع 112 عن التصويت، و67 ضد التفويض الذي اقترحه تييري بريتون والمفوضية الأوروبية للتفاوض مع الدول الأعضاء حول كيفية إنتاج الذخيرة "في أقرب وقت ممكن" والتي سيتم تسليمها إلى أوكرانيا اليوم. ومن يدري لمن ستسلم غدا. وينص مشروع القانون دعم إنتاج الذخيرة في أسرع وقت ممكن على أن "الأموال المخصصة للدول الأعضاء والخاضعة للإدارة المشتركة يمكن مناقلتها بناءً على طلب الدولة العضو المعنية".

بعبارة اخرى، أن الأموال المخصصة لإنتاج الأسلحة لا تنحصر في موازنة الدفاع الأوروبي، ولكن أيضًا من موازنة "التعافي والقدرة على المقاومة"، المخصصة لاحتواء اضرار وباء كورونا، وكذلك من خلال الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر والرقمي (الجيل القادم من الاتحاد الأوروبي). ويمكن لصناعة الأسلحة أيضًا الوصول إلى الأموال المخصصة لسياسات التماسك الاجتماعي أو الأموال المخصصة لدعم تأسيس الشركات والأنشطة الإنتاجية والبحوث، السياسة الاجتماعية وسياسة تنشيط سوق العمل، وضمان الحق في الدراسة، دعم التحول البيئي والصفقة الخضراء الجديدة (صندوق الانتقال العادل) ومصايد الأسماك، والحق في اللجوء والهجرة والاندماج، والأمن الداخلي ووسائل حماية الحدود وسياسة دعم تأشيرات الدخول.

لم يكن التصويت بنعم أو لا للأسلحة، بل كان التصويت بنعم أو لا لأنظمة لتمويل انتاج الأسلحة بالمال المخصص لتحسين نوعية حياة الناس. وهذا في اتحاد أوروبي ينقسم بشكل متزايد بين أغنياء قلائل، والكثيرين الذين يلتحقون بقائمة الفقراء.

الرسالة واضحة: الأولوية اليوم لكسب الحرب المستمرة في أوكرانيا - والاستعداد للصراعات المستقبلية. ولهذا الحاجة إلى ذخيرة.

لتسبيب امتناعه عن التصويت قال ماسيميليانو سميريجليو، عضو المجموعة الديمقراطية الاجتماعية الإيطالية: "إن التحول المفاجئ إلى نموذج تطوير قائم على الذخائر والصواريخ وأبحاث الحرب ليس مشكلة تتعلق بالسياسة الصناعية فقط، بل يغير أيضًا النموذج الأوروبي للعلاقات الاجتماعية والثقافية. ويؤثر التصويت أيضًا على فكرة اوربا المشتركة. إذا تم تبني القرار، فسيكون هناك المزيد من الأسلحة في قارتنا وسيكون القوميون أقوى. وهذه ليست الطريقة الصحيحة تمامًا لبدء الحديث عن المفاوضات والسلام مرة أخرى".

يعني الانتقال إلى اقتصاد الحرب خطوة على طريق تصعيد الحرب التي يشارك الاتحاد الأوروبي الآن فيها بالكامل. وتعمل دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي على زيادة ميزانياتها الدفاعية بحيث أصبح "السقف السابق „ تخصيص 2 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي للقطاع العسكري هو الحد الأدنى الذي يجب تجاوزه الآن. وافقت ألمانيا على ميزانية إضافية لإعادة التسلح تبلغ 100 مليار يورو وتخطط فرنسا لتخصيص أكثر من 400 مليار يورو للأنفاق العسكري في السنوات المقبلة، بمعدل 70 مليارًا يورو سنويًا. وتمتلك بولندا الآن أكبر جيش في أوروبا. وهذا التطور ليس أوروبيًا فقط، بل عالميًا. وهذا ما يؤكده تصاعد الإنفاق العالمي حتى عام 2022: وصل الإنفاق العسكري العالمي إلى مستوى قياسي بلغ 2,2 تريليون دولار، تتصدره الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا.

يؤشر قرار البرلمان الأوروبي إلى تحول مدوي نحو اليمين، مدفوعًا باليمين المتطرف والقوميين، والمحافظين، ويقف ورائهم قطاع صناعة الأسلحة، الذي يمثله المفوض تييري بريتون في بروكسل أحسن تمثيل.

وحتى التهديد بحدوث كارثة نووية لا يثير المخاوف والشكوك والنقاشات في حكومات الدول الأعضاء وفي البرلمان الأوروبي.

لم يتناول أي من القادة الأوروبيين كيفية وقف كارثة الحرب أوكرانيا. الطريقة الوحيدة المعتمدة هي ارسال الأسلحة الى أوكرانيا وضمها إلى الناتو. كأن هذا ا لسيناريو المستمر لن يدفع الأزمة الأوكرانية أكثر الى الهاوية: الغزو الروسي يتم الرد عليه بحرب أطلسية. لا أحد يشير الى أن الحل لا يكمن في المزيد من السلاح ولا في المزيد من الحرب، و لاال مزيد من الموت والدمار.

لقد تم رفض المبادرات المختلفة الداعية الى التفاوض، باعتبارها مستحيلة وعديمة الجدوى، بما في ذلك مبادرات البرازيل والفاتيكان. ولم يجد الاقتراح الأخير الذي قدمه وزير الدفاع الإندونيسي برابوو سوبيانتو في الاجتماع الدفاعي لحوار شانغريلا في سنغافورة أي صدى في المراكز الإمبريالية: لقد اقترح خطة بعدة نقاط تشمل وقف إطلاق النار "وفق التمركز الحالي لقوات طرفي النزاع " وإقامة منطقة منزوعة السلاح. وقال سوبيانتو إن المنطقة المنزوعة السلاح تتم مراقبتها من قبل قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، وأضاف، ينبغي إجراء استفتاء من قبل الأمم المتحدة، "لتحديد رغبات غالبية السكان بشكل موضوعي في مختلف المناطق المتنازع عليها".

إن الخلاف حول اقتصاد الحرب في الاتحاد الأوروبي لم ينته بعد. ليس ذلك لأن التصويت النهائي على القانون من المقرر إجراؤه في تموز المقبل، بل لان معارضة مشروع القانون لا تنحصر بكتلة اليسار في البرلمان الأوربي، بل امتدت الى نواب في كتلة الخضر وكذلك الى الديمقراطيين الاجتماعيين.

حتى الآن، لم يرتقي تفاعل الأوساط التقدمية في المجتمعات الأوربية الى مستوى المسؤولية في مواجهة أجندة الحرب، وتؤكد استطلاعات الراي، ضرورة رفع الأصوات ضد الحرب حتى تتوقف مجزرة الضحايا المدنيين من الجانبين، ويتوقف إرسال الجنود إلى المسلخ. وحتى لا تأتي إعادة تسليح 27 جيشا أوروبيا على حساب الأجيال المقبلة.

في 10 و11 حزيران ستلتقي شبكات السلام الأوروبية والعالمية في فيينا لمناقشة وبناء التحالفات والتعبئة من أجل وقف إطلاق النار والمفاوضات بمشاركة الشعوب المتضررة من الحرب. وسيعقد المؤتمر الذي يشارك فيه أكثر من 800 مشارك، على الرغم من أن اتحاد النقابات النمساوية ألغى دعمه بتوفير إسكان الضيوف قبل وقت قصير، استجابة لضغط السفارة الأوكرانية في النمسا

*- نشرت في جريدة المدى في 18 حزيران 2023   

عرض مقالات: