مشكلة الحياة السياسية في العراق أن أيا من الأحزاب ((السياسية)) المتنفدة، لا يطرح نفسه ممثلا لعموم الشعب العراقي، بل يطرح كل منها نفسه كممثل لمكون طائفي أو إثني محدد، ويوهم المنتمين إليه أنه يجاهد لضمان حقوقهم، عبر التنازع مع ممثلي المكونات الطائفية أو الأثنية الأخرى، وأن أقصى ما يمكن أن يقدمه من حلول للأزمات هو التنازع مع الأحزاب التي ((تمثل)) تلك المكونات، أو التوافق معها على توزيع الغنائم.

 إن التعامل مع الوطن وثرواته باعتبارهما غنيمة أو غنائم محل تنازع وصراع، يشوه وعي الفرد العراقي ويقتل فيه روح الجد والإبداع لتنمية طاقاته في العمل وأضافة ثروات جديدة ناجمة عن عمله إلى الثروات الطبيعية التي تتوفر عليها البلاد. وواضح أن هذا الفهم المشوه للحياة السياسية الذي يقوم على نفي وحدة المصالح، وتشظية مكونات المجتمع وتأجيج التنازع فيما بينها على المغانم، يجد تجاوبا من الناخب البسيط المشحون من هذه الأحزاب بكل ما يبعده عن مواطنيه من مكونات المجتمع الأخرى، دون أن ينتبه إلى أن التنازع الحزبي على الغنائم، المتستر بالمكوناتية، لا يعود عليه سوى بفتات مادي أو معنوي لا قيمة له، وأن المافيات السياسية، ومليشياتها هي المستفيد الأول والأخير من هذه العلاقات التنافسية بين شركاء الوطن.

 ولن تتعافى الحياة السياسية في العراق، ولن يخرج المجتمع العراقي من أزماته، مهما قدم الواعون من تضحيات في النضال ضد سلطة أحزاب المليشيات، دون إدراك الناخب العراقي لهذه الحقائق، ولطبيعة الأحزاب الطائفية،  وتصويب خياراته بما يتناسب مع. حقيقة أن الأوطان لا تبنى بتنازع مكوناتها، وإنما بتعاونها، وأن من يتصدى للعمل السياسي فردا أو حزبا، يجب أن ينطلق من، ويعمل من أجل، مصالح عموم المجتمع وليس فقط لتطمين مصالح هذا المكون أو ذاك.

 ولأنها تعي هذه الحقائق، فأن الأحزاب المتنفذة تستمر في التلفع باردية دينية ـ طائفية وعشائرية ـ إثنية، وينصب نشاطها على تنظيم فعاليات دينية وفعاليات قومية وسياسية مستغلة المناسبات الدينية والقومية، لتعميق التمايز بين مكونات الشعب العراقي وأيهام من ينتمون إلى تلك المكونات بأن انتماءهم إلى المكون، هو الانتماء الأول والأخير، دافعة بالانتماء الوطني الجامع إلى مؤخرة الانتماءات، من حيث الأهمية.

 وفي هذا الأطار تفتعل نزاعات وهمية وتثار بين حين وآخر على نحو مقصود وممنهج، وربما باتفاق ضمني مع الشركاء المتحاصصين، تثار خلافات ونزاعات حول قضايا هامشية ، لأدامة التوتر والإستقطاب الطائفي وتحريك الغرائز الشوفينية، ومشاعر التعصب القومي. بين الطوائف والإثنيات.

 وفي مثل هذه الأوضاع يصبح من أولى مهام قوى التقدم، إبراز العامل الوطني والأنتماء للوطن،  والتأكيد عليه، وجلو الغبار الذي تنشره القوى الطائفية وقوى التعصب القومي على المصالح المشتركة للعراقيين بغض النظر عن أنتمائاتهم الثانوية الضيقة. وفضح قوى الفساد التي تستفيد من تشظية المجتمع إلى كانتونات منعزلة ومتناحرة فيما بيينها.