في سنوات قليلة خلت ،  اعلن الكثير من  دوائر الدولة ووزاراتها وهيئاتها الرسمية وشبه الرسمية  وفي مختلف القطاعات عن وظائف شاغرة وذلك لسد الحاجة الفعلية بين ملاكها الدائم خصوصا بعد  تطبيق قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 والذي كان سببا رئيسيا  في توفير فرص عمل كثيرة قاربت المائتين الف  درجة وظيفية في مختلف التخصصات العلمية و الانسانية وانتشال طبقة واسعة من الخريجين ممن طال انتظارهم حتى قاربوا سن الثلاثين بلا  جدوى ،  حيث وفر هذا القانون - كما لمسنا واقعا -  فرصاً جديدة لإثبات القدرات ومنح الشباب أملاً في الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي الذي كان ومازال حلما صعب المنال .

 وما بين رحلة تقديم الاوراق والمستمسكات الرسمية ورحلة الاستنساخات التي أكلت جل مدخراتهم ثم رحلة الانتظار والقبول والتثبيت مرت هذه التجربة بعمليات مخاض عسيرة صنفت على انها الأنقى بين سلسلة التعيينات على مدى السبعة عشر عاما، حتى ان بعض الدوائر استغرقت رحلة الاجراءات الخاصة بالتعيين فيها لسنتين منذ اواخر 2018 ولغاية اوائل 2020.

الطريف بالأمر ان معظم الفئات الشابة التي حصلت على فرصة التعيين بفضل تشريع قانون التقاعد وبعد جهد وانتظار لأعوام طويلة حتى تجاوز بعضهم سن الخامسة والثلاثين ورغم مرور أكثر من سنة مازالوا يعانون من وطأة الانتقاص والتهميش بحجة انهم " متعينون جدد” ولا يملكون خبرة وتجربة وحنكة وظيفية الى آخره.

 يعرف القارئ الكريم أن أغلب الشباب اليوم ان لم يكن جلهم قد عملوا في مجال تخصصهم بالقطاع الخاص لسنوات عدة وبعضهم مارس العمل بأجور يومية او عقود وزارية وغيرهم وتحديدا الاختصاصات التربوية حيث عملوا كمحاضرين مجانيين بين اروقة المدارس الحكومية بكل مراحلها او المدارس الاهلية التي تخضع مباشرة لقوانين وزارة التربية بلا جدال.

ما يدفعني لان اطرح سؤالا بعد سلسلة من الأحاديث الشخصية والمنشورات الاخيرة على مواقع التواصل بين زملائي الشباب وكمية الضغط النفسي الذي يمارس ضدهم..  هل يحق للسابقين التنمر والانتقاص من زملائهم الشباب بحجة انهم لا يملكون الخبرة والتجربة الوظيفية؟

هل وُلـِد الاقدمون موظفين من رحم امهاتهم ولم يمروا بمراحل التدرج الوظيفي ومعاناة السنين؟

هل توجد فقرة في قانون الخدمة المدنية تمنح الأقدمين الحق في معاملة زملائهم بغير الحسنى والانتقام منهم لأنهم اخذوا مكان غيرهم بعد تطبيق قانون التقاعد وتذكيرهم دوما بأنهم قطعوا رزق اسلافهم ممن تجاوز الستين عاما ذوي الخبرة وأصحاب المهارات البناءة؟

من منكم خرج من بطن امه وهو شيخا جليلا.. من منكم لم تعركه سنوات العمل حتى كبر واشتد عوده؟ من منكم لم يحصل على فرصة عمل وهو في ريعان شبابه عكسنا نحن الجيل الذي كانت سنوات شبابه سنوات فوضى وارهاب وعدم استقرار أمني واقتصادي ما انعكس سلبا على طريقتنا في الحياة ومصدر معيشتنا ومعيشة عائلاتنا وحتى على صحتنا للأسف؟

 ألم تفكروا ولو للحظة أن من تنتقصونهم درسوا لسنوات طويلة في جامعات ومعاهد وحصلوا على هذه الدرجة الوظيفية التي تتناسب مع تخصصهم الدراسي؟ ألم تسألوا أنفسكم ماذا يفعلون في الجامعة لأربع سنوات أو دراسات عليا بتخصصات لامعة ثم عركتهم الحياة وهم صغار وكسبوا مهارات شتى حتى لا يفقدوا الأمل في فرصة عمل كريم؟

ما دفعني للكتابة عن هذا لموضوع كمية الاحباط والقسوة التي يتعرض لها يوميا بعض الشباب الذين حصلوا على وظيفة حكومية بقرار حكومي صادر من وزارة معنية أو ديوان محافظة.. لا لشيء فقط لأنهم " متعينون جدد " ولا يفهمون القوانين الحكومية والإرشادات الادارية التي لا يبخل فيها الزملاء في المكاتب الاعلامية لأي وزارة بل بالعكس نراهم حريصين على نشر كل صغيرة وكبيرة واطلاعنا على كل ما هو مهم وعاجل.

أعطوا الشباب فرصتهم لإثبات قدراتهم ولا تقيدوا ابداعهم وتقتلوا جذوتهم في تقديم الأفضل شدوا على أيديهم ولا تقفوا عائقا بينهم وبين رغبتهم بخدمة بلدهم واعطاء عملهم حقه.. كنتم” متعينون جدد " يوما ما فإن نالكم سوء قبلاً فلا تكرروا المأساة من باب حب لأخيك ما تحب لنفسك وأكره له ما تكره لها.. وإن لم تتعرضوا للتهميش والانتقاص فلم كل هذا العناء والانشغال بغيركم؟

عرض مقالات: