لم يعد المرشح اليساري بيرني ساندرز مجرد رمز لنهوض اليسار وعودة انتشار أفكار الاشتراكية في الولايات المتحدة الامريكية، بل أصبحت حملته وانتصاراته الانتخابية تشكل خطرا على انصار الليبرالية الجديدة على اختلاف توصيفاتهم، ان كانوا يمينيين متطرفين يرون في عبثية ترامب الصيغة المثلى لحكم البلد الأكثر هيمنة في العالم، او كانوا ليبراليين جدد محافظين او ديمقراطيين. وعلى هذا الأساس جاءت ردود الأفعال على نجاحاته المتلاحقة مختلفة في صياغاتها، ولكنها موحدة في بث الرعب والخوف في "الديمقراطية والعالم الحر إذا ما فاز مرشح يساري ديمقراطي يعتقد الرئيس ترامب انه "شيوعي".
جاء فوز ساندرز في ولاية نيفادا ليعزز حظوظه في الفوز في انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية، ومواجهة الرئيس ترامب في انتخابات الرئاسة الامريكية في تشرين الثاني المقبل. لقد تفوق ساندرز في ثلاث ولايات: نيفادا، نيوهامبشير وآيوا. ويبدو ان قطار انتصاراته يملك القدرة على الاستمرار. لقد اكتسح ساندرز انتخابات نيفادا بحصوله على47.1 في المائة، ولم يحصل جو بايدن الا على 20.9 في المائة، ولم يكن حال المرشحين الآخرين أفضل حالا من الأخير.


جمهور انتخابي جامع


ولم يعد فوز ساندرز محصورا في الولايات ذات الأكثرية البيضاء مثل آيوا ونيوهامبشير، اللتين تبلغ نسبة البيض فيهما 97 في المائة، بل ان الانتصار في نيفادا اثبت ان العامل الأساس في انتصارات ساندرز هو برنامجه الانتخابي الذي يلامس حاجات اغلبية السكان، وخطابه البسيط والمباشر والتضامني، فتركيبة سكان نيفادا تمثل ولايات متحدة مصغرة، ومن هنا فان الحق مع ساندرز عندما يقول: "لقد أصبح لدينا تحالف يضم اعراقا متنوعة". ومن جانب آخر فان تعدد المرشحين المنافسين، وتوزع الناخبين عليهم، انطلاقا من تقاربهم في المنهج والبرنامج يشكل عاملا آخرا لصالح ساندرز. وكشفت النتائج ان ساندرز يحظى بدعم أكبر داخل ناخبي الحزب الديمقراطي يتجاوز نسبة الـ 30 في المائة التي يمنحها إياه خصومه من الديمقراطيين. وفي نيفادا أيضا كانت نسبة الشباب بين مصوتيه أكثر من 50 في المائة.
عكس تعامل ساندرز مع توزيع الجهد الانتخابي ذهنية مميزة، ولذا استغرب بعض المتابعين قضاءه اليومين الأخيرين قبل انتخابات نيفادا في ولايتي كاليفورنيا وتكساس

رعب اليمين

ان ردود فعل اليمين في الحزب الديمقراطي على نجاحات ساندرز كثيرة الاهتمام، لأنها تجاوزت حتى المحافظين المتشددين عليه، فهذا كريس ماثيو، المعلق بشبكة سي أن بي سي، القريبة من الحزب الديمقراطي، يقارن بين تقدم ساندرز والاحتلال النازي لفرنسا ويحذر من كارثة في حالة فوزه.
وقال جو كووبر رئيس حملة أوباما الانتخابية: "لو انتهى المطاف بفوز ساندرز ببطاقة الحزب الديمقراطي، سنخسر الديمقراطية. أنا لا أبالغ، هذا هو الواقع كما هو. داعمو ساندرز من حقهم أن يحلموا كما يشاؤون، لكن الأحلام لن تحقق الانتصار في الانتخابات".
أما مفكر الجمهوريين بيل كريستول، فقد استغرب مما اسماه " استسلام الديمقراطيين لصعود ساندرز" وأضاف" لا مبرر لتسليم الحزب الديمقراطي إلى شخص ديماغوجي ينتمي لأيديولوجية فاشلة".
من جانبه خفف بول كروغمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، من المخاوف المرتبطة بانتصار ساندرز: "على ما يبدو أن ساندرز في طريقه للفوز بترشيح الديمقراطيين، لكن علينا إدراك أن ساندرز ليس النسخة اليسارية من ترامب. وعلى الرغم من الاختلاف مع الكثير من أفكاره، لا يرغب ساندرز في أن يكون حاكما مستبدا".

نسبية مفهوم اليسار

اليسار مفهوم نسبي يرتبط بتوازن القوى الاقتصادية والاجتماعية وبالتجربة التاريخية والبنية الثقافية للبلد المعني، ولذا فان اليسار الجذري في أوربا تتمايز حدوده عن نظيره في أمريكا اللاتينية، والأخير يتباين كذلك عن حدود المفهوم في الولايات المتحدة الامريكية. ساندرز يصف نقسه بالاشتراكي الديمقراطي، أي ان اشتراكية ساندرز مرتبطة بالديمقراطية، ولا تنفصل عن تجربة نشوء المجتمع والدولة الامريكية، ويرى ساندرز الديمقراطية الاجتماعية التقدمية في اوربا الأقرب اليه، أي تجربة البلدان الاسكندنافية في عقود صعودها وتوهجها، خصوص ما يتعلق بالسياسات الاجتماعية ومثلها الأبرز نظام الرعاية الصحية، وبهذا فان توصيف اليسار يصح عليه.
وتشير الكثير من استطلاعات الرأي ان الاشتراكية تكتسب اهتماما متصاعدا في الولايات المتحدة، ولم تعد المفردة تثير مخاوف الأمريكيين، كما كان عليه الحال في سنوات الحرب الباردة، وعقود حملة المكارثية المعادية للشيوعية، فهي اليوم تعني بالنسبة لكثير من الامريكان عدالة توزيع الثروة وتساوي الفرص الاقتصادية.

عرض مقالات: