عقد حزب اليسار الأوروبي مؤتمره السابع في فيينا خلال الفترة 9 – 11 كانون الأول، 2022 تحت شعار "السلام، الخبز، ورود" (Peace,Bread, Roses)، بمشاركة أحزاب وتنظيمات يسارية وشيوعية من معظم البلدان الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وخارجه، إضافة إلى ممثلي أحزاب شيوعية ويسارية وتقدمية من أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا ومن الشرق الأوسط.

وقد تأسس حزب اليسار الأوروبي عام 2004 كإطار يجمع أحزابا ديمقراطية اشتراكية، وشيوعية ويسارية أوروبية، بهدف خوض انتخابات الاتحاد الأوروبي التي أقيمت في ذلك العام. وضم المؤتمر التأسيسي الذي انعقد في إيطاليا خمسة عشر حزبا، من بينهم الحزب الشيوعي الفرنسي والحزب الشيوعي الإسباني والحزب الشيوعي النمساوي، وحزب الديمقراطية والاشتراكية الألماني، الذي اندمج لاحقا في (حزب اليسار الألماني)، وائتلاف اليسار والتقدم اليوناني الذي أصبح لاحقا (سيريزا)، وحاليا يبلغ عدد أعضائه (26) حزبا من 25 بلدا أوروبيا، و(21) حزبا آخر بصفة مراقب، أبرزها حزب (اكيل) القبرصي، وحركة (فرنسا الأبية) بزعامة جان لوك ميلينشون. ولأحزاب اليسار الأوروبي مجتمعة (28) نائبا في البرلمان الأوروبي، وما مجموعه (344) نائبا في البرلمانات الوطنية للدول التي ينتمون اليها.

وينعقد هذا المؤتمر بعد ثلاث سنوات حددت معالمها جائحة كورونا التي طالت آثارها جميع المنظمات في أوروبا، بما في ذلك حزب اليسار الذي انحسرت نشاطاته وتفاعل الأحزاب المكونة له ومشاركتها في عمله، لكن من دون أن تتوقف فعالياته السياسية وتطوير علاقاته مع القوى الأخرى، بحيث تمكن من توسيع صفوفه، لكن الحزب يقر في وثائقه بضعف هويته ودوره في تقديم إجابات على التحديات المتزايدة التي تواجه شعوب أوروبا.

لقد امتدت أعمال المؤتمر على مدى ثلاثة أيام تم خلالها مناقشة وإقرار تعديلات النظام الداخلي، والوثيقة الإنجازية والتنظيمية، والوثيقة النسوية التي أعدتها المجموعة النسوية في الحزب.

كما طرحت للمناقشة تقارير اللجنة الدولية المعنية بالعلاقات الدولية للحزب، وتقرير عن مساعي توسيع الحزب وضم أحزاب جديدة، والوثيقة السياسية، إضافة إلى التصويت على أكثر من عشرين قرارا، شملت طيفا واسعا من القضايا؛ منها ما يتعلق بحقوق الانسان والتضامن مع الشعوب، وبتعزيز حركة مقاومة اليمين المتطرف وأخرى تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والارتقاء بالخدمات العامة والاجتماعية ومشاكل السكن. كما طرحت قرارات بشأن قضايا البيئة ومواجهة آثار التغير المناخي.

ونظرا للعدد الكبير من الأحزاب الأعضاء وتنوعها وخصوصية كل بلد من بلدان أوروبا، ليس من اليسير التوصل إلى مواقف مشتركة وموحدة إزاء جميع القضايا والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفكرية التي تواجهها أوروبا والعالم، وتم تأشير هذه الصعوبة في خطاب رئيس الحزب وكذلك في الوثائق التنظيمية، إذ يتطلب ذلك مناقشات طويلة وعمل لجان واستعدادا من جميع الأطراف للتوصل إلى توافقات. ولذلك لا يتبنى الحزب إلا السياسات والمواقف التي يتحقق حولها إجماع أو توافق تام.    

تقدم الوثيقة السياسية تحليلا شاملا للوضع في الاتحاد الأوروبي، وفي أوروبا تتناول فيه الأزمة العميقة القائمة فيها، منذ سنوات على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والديمقراطية والسياسية، سببها مبادئ النيوليبرالية وقواعدها ومعاهداتها وسياساتها الهادفة إلى استدامة النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم على تعظيم الأرباح الخاصة، لا الإنتاج من أجل إشباع حاجات الشعب وكوكبنا. وجاءت جائحة كورونا أولا، ومن ثم الحرب، لمفاقمة الأزمات المتعددة القائمة. ومن اهم معالم الأزمة السياسية في أوروبا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ونسبة العزوف المرتفعة في الانتخابات في عموم الدول الأوروبية، ومن إشاراتها المنذرة بالخطر تقدم قوى اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة في عدة بلدان أوروبية. ومن جانب آخر، يعاني الاتحاد الأوروبي من عجز ديمقراطي يتمثل في ممارسة السلطة فيه من قبل بنى ومؤسسات تكنوقراطية غير منتخبة، ولا تتمتع بتفويض ديمقراطي. وتؤكد الوثيقة السياسية أن الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية غير قادرة على مواجهة أزمة المناخ والتحدي البيئي بصورة مناسبة، وتعتبر الإجراءات المتخذة غير كافية ولا ترتقي إلى حجم التحدي وآثاره الخطيرة.

وتخلص الوثيقة السياسية إلى أن شعوب أوروبا أمام تحديات وجودية تثير أسئلة هامة بخصوص كيفية الخروج من الرأسمالية الليبرالية التي تعمق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والكوارث البيئية وتزيد من التوترات الدولية التي تؤدي إلى اندلاع حروب. وعلى اليسار الأوروبي تقديم مقترحات صالحة وبدائل قابلة للتحقيق، نحو أوروبا ديمقراطية، اجتماعية، وايكولوجية يعم فيها السلام.

وأشار رئيس الحزب في كلمته، الى أن الموقف من الحرب في أوكرانيا كان من أعقد وأصعب القضايا التي واجهت فريق إعداد الورقة السياسية بسبب التباينات في مواقف أحزاب اليسار الأوروبي، واستغرقت وقتا طويلا من النقاشات والمداولات وعقد اجتماعات عديدة من أجل التوصل إلى موقف موحد. وعبّر عن سروره بالنجاح في التوافق على موقف موحد لحزب اليسار الأوروبي من الحرب، وتجنب تحول التباينات في المواقف إلى انقسام.

وجاء في الوثيقة السياسية أن هناك تهديدا نوويا ومخاطر توسع النزاع، وأن هذه الحرب يجب أن تتوقف فورا، وأن الخطوات اللاحقة التالية لتوقف الحرب، يجب أن تتخذ بصورة متزامنة:

-             وقف فوري لإطلاق النار

-             انسحاب فوري لجميع القوات الروسية من أوكرانيا

-             العودة إلى طاولة المفاوضات.

ويعبّر حزب اليسار الأوروبي، كما ورد في الوثيقة، عن معارضته لضم روسيا للأقاليم الأوكرانية الأربعة، ويعتبر عملية الضم تصعيدا للحرب وانتهاكا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ويزيد من صعوبة قيام مفاوضات بين اوكرانيا وروسيا.

وفي الوقت نفسه يدين اليسار الأوروبي انتهاك حلف الناتو التزاماته بشأن التوسع نحو الشرق والذي يجعل من القارة الأوروبية ساحة قتال ببن القوى الكبرى، كما يعبّر عن رفضه مزيدا من التوسع لحلف الأطلسي.

ولأجل إيجاد الحلول والمعالجات للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من جهة، وأزمة المناخ من جهة أخرى، يرى اليسار الأوروبي ضرورة التفكير بعلاقات جديدة ما بين البشر والطبيعة، كما ينبغي مراجعة وتغيير طرق الإنتاج ونمط الاستهلاك والحاجة إلى عمليات تحول واسعة النطاق من أجل بلوغ مستوى الإنتاج القابل للاستدامة بالنسبة لكوكبنا والمناسب لحاجاتنا. كما تطرح الوثيقة السياسية ضرورة تغيير نموذج الطاقة الحالي للاتحاد الأوروبي واعتماد سياسة طاقة جديدة، تتطلب من أجل تحقيق أهدافها وضع جميع منتجي وموردي الطاقة تحت الرقابة العامة ونزع ملكية وتأميم مجموعات الطاقة الكبيرة. (BIG ENERGY GROUPS)، وبصورة أعم، لا بد من التخلي عن السياسات التقشفية النيوليبرالية، والحاجة إلى تحول أساسي في النظام ينقل السيطرة على قوى الإنتاج في المجتمع إلى ملكية عامة ديمقراطية.

وعلى الصعيد الدولي، يؤكد اليسار الأوروبي بأنه حزب معاد للإمبريالية ونظامها، ويخوض النضال ضدها وفي كل مكان في أوروبا لأن التضامن الأممي يشكل عنصرا أساسيا في استراتيجيته، ويعبر عن تضامنه مع نضالات الشعوب، وبشكل خاص مع الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومن أجل تقرير مصيره في إطار دولة وطنية ضمن حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية، ومع الشعب الكردي في سوريا وتحرير الصحراء الغربية من الاستعمار.

وفي اليوم الأخير تم التصويت على الوثائق الأساسية وانتخاب المجلس التنفيذي الجديد للحزب ورئيسا جديدا، حيث انتقلت الرئاسة (هانز بيربوم) من حزب اليسار الألماني إلى (والتر باير) الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي النمساوي.

وحضر المؤتمر الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ممثلا عن الحزب. وأجرى الرفيق فهمي عدة لقاءات مع بعض الأحزاب المشاركة في المؤتمر، ومع زعيم حزب العمال البريطاني السابق (جيريمي كوربن).