متابعة - طريق الشعب

نفذ عشرات آلاف  العمال في كوريا الجنوبية  إضرابًا جماهيريًا عن العمل، الأسبوع الفائت، ضد “إصلاحات سوق العمل” التي دفعت بها حكومة الرئيس مون جاي-إن. وشارك قرابة 160 ألف عامل في إضرابٍ عن العمل لمدة يومٍ واحد، دعا إليه الاتحاد الكونفدرالي لنقابات العمال. وانضم عشرات الآلاف إلى المظاهرات التي انطلقت في 14 موقعًا مختلفًا في عموم البلاد، بما في ذلك الساحة المقابلة لمقر الجمعية الوطنية (البرلمان).

وشكَّل عمال المعادن، المُهدَّدين بشدة بإعادة هيكلة الشركات، قوة اساسية في الاضراب. وأُصيبَ عمال القطاع العام المؤقتين، والذين لم يحصلوا على عقود عمل دائمة، بخيبة أمل شديدة أيضًا، وشاركوا بأعدادٍ كبيرة. وأعرب المضربون عن غضبهم من حكومة مون جاي بسبب فشلها في الوفاء بوعودها بالإصلاح، وبدلًا من ذلك اتبعت سياساتٍ مُعاديةٍ للعمال.

وأصبح مون جاي رئيسًا بعد الاحتجاجات التي بدأت في تشرين الأول 2016، وأطاحت بالرئيسة السابقة، بارك غيون هي،  على خلفية تورطها ومقربين منها بفضائح فساد،  في آذار من العام الفائت. وكانت إضرابات عمال القطاع العام، التي قاومت “إصلاحات” حكومة بارك، هي التي أشعلت الشرارة لـ”احتجاجات الشموع”، التي طالبت بمحاسبة الفاسدين، فيما روَّج مون جاي لحكومته باعتبارها “حكومة احتجاجات الشموع”. وكان مضطراً حينئذٍ بأن يعد بإجراء إصلاحات جدية  واحترام حقوق العمال.

وفي البداية حاولت حكومة مون اتخاذ موقف وسطي  بين العمال وأرباب العمل، ثم ردت  على قادة النقابات العمالية الذين طالبوا بالاسراع في  إجراء الإصلاحات، بمطالبتهم بالانتظار لمدة عام اضافي. وفي البداية كانت لدى قادة النقابات العمالية  آمالٌ في التوصل الى برنامج جديد للحوار الاجتماعي الذي ستنفذه الحكومة المنتخبة حديثًا.

واعتقدوا أن حكومة مون ستفيدهم وتنفذ بعض الإصلاحات، لكنها خيبت آمالهم. ولعبت  الأزمة الاقتصادية العميقة  دورا رئيسا  في اتساع الفجوة بين الطرفين. وخلال العام الجاري، شهدت مبيعات  شركات التصنيع -وهي المُحرِّك الرئيسي للنمو الاقتصادي في كوريا الجنوبية- تراجعًا حادًا.

وقال المضربون إن وعود الرئيس “تحوَّلَت كلها إلى أكاذيب”، إذ تدهورت المؤشرات الاقتصادية العامة مثل الاستثمار والنمو والعمالة. وآلت أزمة قطاع التصنيع إلى ضغوطٍ من أجل خفض الأجور. وكانت قوى اليمين تمارس ضغطًا على الحكومة من أجل التخلي عن الإصلاحات، فسارَعَ مون جاي إلى تخفيف القوانين وخصخصة الخدمات الطبية، في الوقت نفسه بدأ في مهاجمة الأجور وظروف العمل.

وتعرَّض عددٌ كبيرٌ من عمال  الصناعات الرئيسة، مثل بناء السفن، للتسريح، وفي العام الفائت رفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور بهامشٍ كبير، لكنها في هذا الربيع عوَّضَت ذلك بمراجعةٍ قانونية في الجمعية الوطنية. وكان العمال غاضبين من لعبة تقديم المكتسبات ثم سحبها مجددا. وفي الأشهر الأخيرة، حاولت الحكومة أيضًا جعل ساعات العمل أكثر مرونة، وسمح ذلك لأرباب العمل بالإفراط في العمل حسب الحاجة دون أن يدفعوا  أجور العمل الإضافي. وينفذ الرئيس هذه الهجمة بالتعاون مع حزب المعارضة الرئيسي، الذي اعتاد أن يكون الحزب الحاكم تحت قيادة بارك. ونتيجة لذلك، يعيد اليمين تأكيد وجوده في الساحة.

وفي المقابل، انخفض مُعدَّل تأييد الحكومة إلى حوالي 50 في المائة، بعدما كان الحزب الحاكم، خلال ربيع هذا العام يحظى بتأييد 80 في المائة من السكان، بسبب تبنيه سياسة المصالحة بين الكوريَّتَين، وهذا ما جعله يكتسح الانتخابات المحلية.

وقبل عشرة أيام من الإضراب، نظَّمَ الاتحاد الكونفدرالي لنقابات العمال تظاهرة على الصعيد الوطني ضد الحكومة شارَكَ فيها 60 ألف شخص. حتى اتحاد النقابات الكورية -وهو اتحادٌ كونفدرالي يتبنى سياسة وسطية، سَبَقَ له أن أيَّدَ الحزب الحاكم رسميًا- اضطر إلى تنظيم مسيراتٍ واسعة..

ولا يزال غالبية قادة هذا الاتحاد يريدون الحوار مع الحكومة. ويتردَّدون في توظيف غضب العمال في تصعيد النضال وتوسيعه لأنهم يخشون من أن الضغط على حكومة  مون جاي قد يفيد  اليمين المحافظ. لكن السبيل الوحيد لمنع اليمين من الاستفادة من تآكل شعبية مون جاي هو تضيق شقة الخلاف بين  العمال والحكومة الليبرالية، وبالتالي فالكرة في ملعبها.