الأيام الختامية لأذار درج المقهى الثقافي العراقي في لندن ان يحتفي باليوم العالمي للمسرح فيقتطع وقتا من أمسيته الشهرية الاعتيادية ..ولما كان التاسع والعشرين من آذار موعد الأمسية المعتاد وكانت للدكتور الفنان المسرحي فاضل السوداني وعنوانها "الغضب والفوضى – قيامة شكسبيرية معاصرة " ادارها الشاعر عواد ناصر الذي بدأ حديثه منوها انه قبل يومين أي في السابع والعشرين من آذار مرّ يوم المسرح العالمي وذكر ان الهيئة الدولية للمسرح التابعة لليونسكو قد كلفت الكاتب المسرحي النرويجي جون فوس كتابة رسالة المسرح لـلعام الحالي ٢٠٢٤.

.. ودعا الفنانة المسرحية العراقية بديعة إبراهيم لقراءة نص تلك الرسالة.. وقد هنأت الفنانة إبراهيم مسرحيي بلادنا في الوطن والشتات.. قبل شروعها بقراءة الرسالة والتي جاء فيها:" لكن بينما نحن جميعاً مختلفون عن بعضنا البعض، فنحن متشابهون أيضاً. البشر من كل جزء من هذا العالم متشابهون بشكل أساسي، بغض النظر عن اللغة التي يتحدثون بها، وألوان بشراتهم، أو حتى لون شعر رؤوسهم

قد يكون هذا شيئاً من المفارقة: أننا متشابهون تماماً ومختلفون تماماً في نفس الوقت. ربما يكون الشخص متناقضاً في جوهره، في الجسر بين الجسد والروح – نحن كبشر نحتوي الوجود الملموس، الأرضي، ونحتوي ما يتجاوز كل هذه المواد الملموسة، ويتجاوز الحدود الأرضية.

الفن، والفن الجليل بالتحديد، يتمكن بطريقته الرائعة من الجمع بين الفريد والخاص في جانب والعالمي في جانب آخر." واختتم فوس رسالته بالقول :"

لقد اخترت أن أتحدّث عن الفن بعمومه، وليس عن فن المسرح والكتابة المسرحية بشكل خاص، ولكن هذا لأنه، كما قلت، كل الفن الجليل، في أعماقي، يدور حول نفس الشيء: حول الحصول على ما هو فريد تماماً، المحدد تماماً، ليصبح عالميًا. فهو يجمع بين الفريد والعالمي في التعبير عنه فنيا، وليس القضاء على خصوصيته، بل التأكيد على هذه الخصوصية، وترك ما هو غريب وغير مألوف يتألق بوضوح. الحرب والفن متضادان، تماماً كما أن الحرب والسلام متضادان - الأمر بهذه البساطة. الفن هو السلام".

بعد ان تركت الفنانة بديعة المنصة اطفأت انوار القاعة وعرض على الشاشة الكبيرة مشهد مسرحي عراقي اليكم فيما يلي حواره:

حسين  : تدرين شلون دا اتبهذ ل من وراج؟! تدرين شلون دا أتعذب ؟

لاعبا الدومينو: هب بياض ..يك ..هذا شيش..شش بالبنج

(يدخل الشقي ابن الحولة الى المقهى .. وفي نفس الوقت صبي المقهى يوزع الماء على الزبائن لكن الشقي يأخذ الكأس ويعيده بعد ان يشرب وهو متوتر يظهر صبي المقهى ردة فعله ، لكنه يذهب ليأتيه بقدح الشاي  )

ابن الحولة    : اشو جايك بارد .؟

صبي المقهى : بابا مو هسة ديرته من القوري اللي ع النار .

ابن الحولة    :   ( يرمي قدح الشاي ارضا وبعصبية) امشي جيب جاي لاخ .يله.

لاعبا الدومين : احسب ايدك يا ولد ... (يضحكان) ..

ابن الحولة    :( يسحب احد اللاعبين من ملابسه) مو وراك اوادم ؟ روح ليغاد ( يتحركان مبتعدان ) بعد ليغاد .لك مو دا أحجي وياك

احد اللاعبين  : أبو شكرية الله يخليك خلي نلعب فد داس .

ابن الحولة     : ( يمد يده على بعض قطع الدومينو ، يأخذها) لا أشو ما تلعبون .(ينهض ويتجه الى حيث يجلس حسين فيوجه الحديث اليه ) ها ...اشو دتعاين .قابل هستوك جاي للدنيا .

حسين      : راح يصير عمري عشرين سنة .

ابن الحولة : محصن بالله (يعود ليجلس ويواصل ) اكول هاي شبيها مرة ابوك

حسين      : كلشي ما بيها

ابن الحولة : مكعدة رجال بالبيت ..ويكولون معاشرته

حسين      : محمود ..محمود ليش اتشيل غيبت....

ابن الحولة : انجب زفر ..اكو واحد بالطرف ما ظل يعرف ؟!  اكول أبو عليو..بالله متكلي هذا شيشتغل نِزل مرة ابوك؟ (يرمي شايا على حسين ) متحجي ..لك طايح الحظ ، قابل هاي هم ما تعرفها؟

حسين       : يشتغل بسوك الجوة

ابن الحولة : موت اللي كرفك .. موت .. لك هذا قجقجي عند الإنكليز .. يومية تشوفه بخانات الصالحية ..تريد تعلمني بي ..سوك الجوة ! جججججج ..لك انت غير أثول ..حتى على أبو ك هم ما طالع..(يبصق عليه) (يعيد قطع الدومينو للاعبين الذين سرعان ما يستأنفون لعبهم فرحين ( ينهض ابن الحولة ويقترب من حسين ) ها سوك الجوة؟ الله يطيح حظك ( ويصفعه بكفه على وجهه)

ينتهي المشهد المسرحي ليقدم الشاعر عواد ناصر شرحا للحضور عن ماهية ماشاهدوه قائلا :

 " الاخوات والاخوة ما شاهدتموه قبل قليل هو فناننا الذي نحتفي به، كما احتفى بنا عبر مسيرة فنية حافلة، إنه ابن الحولة في مسرحية "النخلة والجيران" وهو أول عرض مسرحي رأيته في حياتي حيا على خشبة المسرح ولم يبارح ذاكرتي حتى اليوم.. لكنني أعترف امامكم بأن مهمتي هذا المساء، ليست سهلة.. انا بصدد تقديم فنان صاحب سيرة ذاتية غنية، من الإجحاف ان نختصرها، لكن للزمن أحكام وللوقت شروط.

"تعرض على الشاشة لقطات لورشات عمل للضيف، يدرب فيها ممثلوه"

الأستاذ الدكتور فاضل السوداني أستاذ جامعي ومخرج مسرحي وأكاديمي في الفن.. دكتوراه في الإخراج والعلوم المسرحية، نال درجة الدكتوراه من أكاديمية الفنون والعلوم المسرحية – جامعة صوفيا – بلغاريا ١٩٨٣ لكن مسيرته لم تتوقف مرورا بالدنمارك بعد ان عمل أستاذا في جامعات بلغاريا.. أستاذ للمواد التالية: المشاهدة والتحليل لبصريات الفنون.. الإخراج المسرحي.. باحث حر في الطقوس الدرامية في الفن الشرقي بدعم من معهد البحوث المسرحية في جامعة كوبنهاغن.. عمل ممثلا ومخرجا لسنوات طويلة في العديد من المسرحيات العالمية في مختلف البلدان لمؤلفين مختلفين وحضر مهرجانات متنوعة عبر العالم الإسكندنافي او الشرقي او العربي.. ولا أظن إن هناك حاجة لأعّرف لكم من هو شكسبير يكفي انه طرح السؤال الخالد على الوجود البشري والذي أصبح بل ذهب مثلا

To be or not to be?!

ذلكم هو السؤال: أن تكون او لا تكون.. لا اريد ان أطيل فهذه مقدمة بسيطة ولا تليق أصلا او تكفي بفنان وأكاديمي يمتلك تلك السيرة التي وصفتها في بداية حديثي، سيرة مفعمة بنوع من الكدح الإبداعي، مقيما في وطنه ام منفيا خارج وطنه.. كلكم تعرفون ان هناك اعمالا فنية او نوع من الاعمال الفنية تتطلب جهدا جماعيا ومكانا ..علاوة على فنيين وتقنيين ..عدا ممثلي الدرجة الأولى او المخرجين فمن دق مسمارا في حائط للديكور او من أشعل ضوءا في بقعة على الخشبة او حتى من يفتح الستارة ..انهم يختلفون عنا من حيث الصعوبات فنحن الكتاب تكفينا ورقة وقلم وزاوية هادئة وفنجان قهوة اما هم فيحتاجون الى فريق عمل وهذا لا يتوفر لأغلبهم للأسف خصوصا في منافيهم وهجراتهم ..أكتفي بهذا القدر البسيط وانا أصغر من ان أتحدث عن المسرح وشكسبير وما قدم في تاريخ هذا الفن الخالد  حسب تعبير شكسبير نفسه :" ما الحياة الا مسرح  كبير "..اكتفي بهذا القدر وشاكرا لكم حضوركم واستماعكم وأتمنى لكم متابعة ممتعة .. هناك فيديو قصير للدكتور خالد أمين.. استاذ الادب الإنكليزي في جامعة تطوان.. رئيس المركز الدولي لدراسات الفرجة.. وممكن اعتباره جزءا من التقديم وشكرا لكم.

هنا تختفي الإضاءة في الصالة ليطالعنا على الشاشة فيديو ارسله من المغرب أكاديمي مسرحي تحدث فيه باختصار عن شهادته عن طروحات ضيف الأمسية:

" د. خالد أمين:

 يعد كتاب (العنف والفوضى المنظمة في مسرح شكسبير) للصديق العزيز الباحث والشاعر والمسرحي المتمكن الدكتور فاضل السوداني من أبرز الكتابات المعاصرة حول شكسبير اذ حاول ان يرصد مضامين الحالات من المواقف والمشاهد في مختلف نصوص شكسبير ويحللها بطريقة فنية وفلسفية أيضا تمكننا من التوغل في متاهات النصوص والشخوص أيضا.. ولعل اهم ما لفتني في الكتاب هو تصور د.فاضل السوداني للسقطة التراجيدية ..

بالنسبة لفاضل السوداني السقطة (الأبوريا) ولاحظوا معي استعمال (السقطة) باعتبار انها المرادف لـ (الأبوريا) وهي مفهوم معرف في التفكيكية بطبيعة الحال عند شارك بيريدا فالسقطة هي المفارقة الملتبسة والغامضة التي تفاجئ وتغري البطل وتشوش عقله بطبيعة الحال وتحوله الى كائن مهووس لتحقيق السقطة حتى نهايتها ..يعني هذه السقطة ليست سقوطا بالمفهوم الأخلاقي المتعارف عليه وإنما هي سقطة تحقق وتكشف الجوهر الحقيقي للداء فتتجلى على حقيقتها ..إنها باختصار (السقطة التراجيدية).وبكل تأكيد وبتعريف دقيق للسقطة وانزياحها عن كل ما هو أخلاقي وبطبيعة الحال ارتقائها للسقطة التراجيدية هذا يكمن في صميم البحث الذي تناوله الدكتور فاضل السوداني خاصة حينما درس مسرحية (مكبث) ".

ثم جاء دور ضيف الأمسية فاستهل حديثه عن المسرح العراقي وتجربته فيه وخاصة فرقة المسرح الفن الحديث التي وصفها بانها كانت مدرسة عرضت نتاجاتها المرتبطة بحياة الشعب والتي اشاعت الثقافة المسرحية بين جمهورها العريض المتسع الذي كان يأتي الى عروضها في رحلات جماعية من المحافظات وأشار الى زيارته الأخيرة الى مسرحها (مسرح بغداد) الذي تحول الى مكب للنفايات وعرض صورا فوتوغرافية توثق هذه الحالة المأساوية.

ثم انتقل الى الموضوع الرئيسي لأمسية اليوم:" الغضب والفوضى – قيامة شكسبيرية معاصرة”. وسنأتي فيما يلي على اهم محاورها :

فأجاب بدءا على سؤال: لماذا يعاصرنا شكسبير فأجاب:

 "أن عقل وفكر وخيال شكسبير وبصرياته وقدرته على الرؤية والملاحظة جعلته ان يكون هو الأكثر معاصرة لنا لدرجة وكأنه يعرف اسرارنا المعاصرة واسباب قلقنا" وعن سقطة البطل التراجيدي أكد على اننا:"عندما ندين البطل الشرير ونقذفه الى الهاوية يعني سقوطه وإلغاء دوره اجتماعيا اي نهاية دوره في التأثير على تغير الأحداث او الشخصيات المحيطة به، وبالتالي يجب أن يعاقب من خلال قانوننا نحن (شخصية ياغو مثلا) وننسى بأن قانون هذا البطل الشرير مثلاً يعتبر فعله بطولة من أجل تحقيق ذاته وتأكيدها. كيف يمكن معالجة هذه الإشكالية؟

إذن السقطة هي: الفعل او الموقف الذي يقوم به البطل التراجيدي بوعي تام يؤدي به الى خراب ذاتي أو موت أو جنون أو وخراب ما يحيطه، وبالعكس قد تؤدي هذه السقطة الى سعادة البطل (اي تنتصر له العدالة) كما هو الحال في الكوميديا. والشيء الجوهري والمهم أن البطل من خلال هذا الفعل يبني ذاته من جديد حتى وإن أدى هذا الى مخالفة بيئته وأخلاقيات مجتمعه".

وقد أورد السوداني امثلة ونماذج طرحها بتحليل معمق.. ثم انتقل الى موضوعة الفوضى فقال:

"يمنح شكسبير صفة الخلود والاستمرارية عبر الأجيال من خلال التأثير ليس في عصره وإنما في زماننا أيضاً ولهذا ما زلنا نفكر في الكثير منهم حتى هذه اللحظة ـ فلو تمعنا في شخصية هاملت مثلا لاستطعنا أن نتوصل بأن هاملت كان خالدا في تردده الفلسفي سواء في اتخاذه القرار او في لغته الفلسفية التي ميزها شكسبير عندما منحه تلك الصور الشعرية، ولكن في ذات الوقت فإن تردد هاملت هو سقطته الذاتية البنائية ".

وجاء الدكتور السوداني على أمثلة عديدة من نصوص شكسبير العديدة واستخلص على ان: 

"مسرحيات شكسبير تجاوزت عصرها عندما تمكن هو من حيوية التفكير والقدرة على شمولية الفكرة والمشكلة التي يعالجها، وأيضاُ عندما تمكن من أسلوبه الكتابي بحيث أصبح بناء ً شعريا وفكرياً وتكنيكياً معمارياً".

وبالتأكيد فإن اللون الأحمر يتكرر دائما بسبب كثرة الجرائم والقتل لدرجة أن هذا اللون هو الطاغي على الكثير من تراجيديات شكسبير فهو لون القيامة الشكسبيرية وهو جحيمه الذي يعاقب فيه إبطاله، وهذا كله جعل من مكبث الملك القائد يجفل من أي صراخ يسمعه.

ولكنه سيرتعب كثيراً قبل المقتلة من شيئين يشكلان هول الجحيم الما كبثي و القيامة الشكسبيرية وهما: زحف غابة بيرنام وولادة مكدف غير الطبيعية.

إذ تتحول الأشجار من خضرتها وجمالها كجزء من جمال الطبيعة إلى رماح قاتلة ضد مكبث فلا يصدق.

وما تبقى ليس مهما لنهاية المأساة، أعني قتل مكبث، فهذا يعتبر خلاصاً له من جحيمه ومن القيامة الشكسبيرية التي جعلت من المتناقضات في داخل البطل هي جحيمه ويتمثل هذا في متناقضات مثل الظلام والنور، والنشاز والتناغم، والمظهر والواقع، والزيف والحقيقة، والذات النقية والمرآة المرائية.

إن التكرار اللغوي أو تكرار حركة او فعل ما أو تكرار حدث ما يشكل جزءا من القيامة والجحيم الذي فرضها شكسبير فهنالك الكثير من الكلمات تتكرر في حوارات مختلفة في مكبث، وريتشارد الثالث والابطال الآخرين فهي ليست فقط لتأكيد المعنى او التلاعب بالكلمات وإنما هي بالدرجة الأولى لتعميق هذا الجحيم.

ويتكرر التكرار في تكرار الإيقاع فتتحول الأصوات المختلفة المتكررة إلى إيقاع جحيمي وكأنها طبول الموت.

فيتكرر الدق والضرب على الأبواب أو التصويت بالأبواق المتكررة، وتكرر قرع ناقوس الكنيسة سواء في الليل أو النهار، ونعيق البوم يكرر كأنه النحيب وغيره.

 وبالتأكيد فإن كل هذا هي أحلام وكوابيس يراها الأبطال الشكسبيريين في جحيمهم الخاص أثناء سقطتهم وكأنهم يرددون:

)وحيثما الجحيم، هناك علينا أن نكون)

ويقرأ علينا د. السوداني المونولوغ التالي: 

  "غدا، وغدا ، وغدا

وكل غد يزحف بهذه الخطى الحقيرة يوماً إثر يوم،

حتى المقطعِ الأخيرِ من الزمنِ المكتوبْ،

وإذا كلُ أماسينا قد أنارتْ للحمقى المساكين

طريقَ الموتِ والتراب، إلا انطفئي يا شمعةً وجيزةً

ما الحياةُ إلا ظلٌ يمشي، ممثلٌ مسكينٌ

يتبخترُ ويستشيطُ ساعتَهُ على المسرحِ،

ثم لا يسمعُهُ أحدٌ: أنها حكايةٌ

يحكيها معتوهٌ ، ملِؤُها الصخبُ والعنفُ لمكبث في قبو العنف والفوضى الذي عاش فيه وهو أيضا وصية شكسبير لأنه من خلاله يتأمل ويؤول الولادة والحياة والموت وبالذات الزمن الذي هو العدو الأول للإنسان لهذا فإنه يكرر:

غدا، وغدا، وغدا.

يسترسل د. فاضل في سرده لنصوص ويسبر غور أعماق شخوص شكسبير المركبة في تسلسل تلقائي يشد حضور الأمسية الذي رأيناه في اهتمامهم بمتابعة ما يطرحه د. السوداني وبشغف رغم جنوح الطرح الى الأكاديمية والتحليل العلمي والذي ينطوي في ذات الوقت على جهد لتحليل فلسفي.. حيث يقول:

 

"أذن بالرغم من أن الحياة ثمينة لكنها مملة وعبثية ولا بد أن تطفأ كشمعة وجيزة، وحتى الموت أصبح عبثياً كالحياة بالنسبة الى ماكبث، ولم يبق شيء يخشاه، وكل فعل أو اختيار ما هو إلا عبث (ما الحياة إلا ظلٌ يمشي) 

وكالممثل المسكين الذي يصرخ ويستشيط ساعة في مسرح ولكن لا يسمعه أحد. كلنا ممثلون في مسرح اللعب في هذه الحياة المؤدية للاشئ هو هنا (ممثل معتوه) لأن دوره قصير وسيتلاشى بعد إنجاز دوره في حياة ستمر كشمعة وجيزة مادام الإنسان ظل.

ولكن عندما يلعب الممثل دوره، لا يسمعه أحد، وهذا يعني العبث في الحياة التي تتحول إلى فوضى منظمة. 

ومكبث هنا يخدع نفسه، لكن في نفس الوقت فإن موته وانتحاره سيشعره بانتصار على أعدائه، إذ أن موته يخلصه من كآبته العدمية وعنفه وفوضاه وسقطته الذاتية.

ولهذا فإن الحياة (حكاية يحكيها معتوه

                      ملؤها الصخب والعنف

                       ولا تعني أي شيء)    

وعلى هذه الجملة الأخيرة (الحياة) بني وأُنتج ادب اللامعقول كله.  

وفي الختام يمكن القول بأن معاصرة شكسبير لنا تكمن في أنه تنبأ بأن العنف والفوضى المنظمة هي التي تتحكم بمستقبلنا من خلال القيامة لا جحيمية التي خلقها لأبطاله والتي اختزل من خلالها متناقضات حياة الانسان في مختلف الأزمنة، واسمحوا لي أن أكرر ما ذكره شكسبير في العاصفة

إنما نحن مادة كالتي تصنع الأحلام منها،

وحياتنا الضئيلة تحدها

نومة من طرفيها ".

وفي نهاية الأمسية دعا الشاعر عواد ناصر الحضور لتقديم أسئلتهم او مداخلاتهم ونأتي هنا على أبرز المتداخلين ونوجز طروحاتهم.

-ناظم الجبوري (فنان تشكيلي – نحات) كان قد توقع ان الاحتفال بيوم المسرح العالمي سيكون مدخلا لوضع المسرح العراقي في تجربته القديمة او الحالية وما مستقبله.. ووضح د. السوداني ان عنوان أمسية اليوم هي عن شكسبير.. اما عن المسرح العراقي فمن الممكن تكريس أمسية خاصة بهذا الموضوع المهم جدا.

-عدنان حسين أحمد (ناقد ادبي وفني) يرى ان النتاج الشكسبيري هو مسرح أفكار ومفاهيم وأعرب عن استغرابه لعودة المحاضر الى ٥٠٠ سنة الى الوراء في حين هناك كتاب معاصرين طرحوا مسرح العبث واللا جدوى الذين هم أقرب من شكسبير الى مشاكل الإنسان المعاصر واسئلتهم الوجودية بموازاة التناول الشكسبيري للوجود الإنساني.. اختصر د. فاضل اجابته بإعادة ما اقتبسه من مكبث:" الحياة حكاية يجنيها معتوه ملؤها الصخب والعنف ولا تعني أي شيء" واكد ان هذه المقولة الشكسبيرية هي التي بنيّ عليها مسرح اللامعقول والعبث برمته.

- د. سلمى السداوي (أكاديمية) تساءلت ما تفسير ثقافة شكسبير وصلت الى أعماق اهوار العراق فهناك حكاية شيخ اسمه على له ثلاث بنات تشبه احداثها الى حد كبير (الملك لير) وتساءلت أيضا عن علاقة شكسبير بالمرأة فهو قد شبه الليدي مكبث بزهرة تحتها أفعى؟  أجاب د. فاضل ان شكسبير يقدم شخصياته بعد دراستها ويرى ان لكل انسان عدة ذوات فالليدي مثلا عندها روح الشر مثلما لديها عاطفة الأمومة في نفس الآن.

-د. عادل خصباك (فنان وأكاديمي) جاء على ذكر شخصية فولستاف في مسرحية (هنري الرابع) كان نموذجا للعبث والعنف.. مؤكدا على المفهوم الذي أكده د. السوداني.

-نضال إبراهيم (صحفية) سألت عن سبب غياب المسرح الجاد.. وغياب حتى الجمهور الجاد حيث من تجربتها وجدت أحدهم في الصف الخلفي يشخر.

علق د. السوداني ان العالم الآن يمر في خراب حقيقي ومن ضمنها الثقافة.. حيث كان المسرح يوفر المعرفة والمتعة اما الان يحولوه الى (بزنس).

- رزكار كريم (مدرس الدراما في المدارس البريطانية) أشار الى انهم يدرسون النصوص الشكسبيرية في المدارس ومحتوى الحوار فيها تحت عنوان (إهانات شكسبيرية) وأشار أيضا انه في عهد شكسبير كان الجمهور لا يحترم الممثلين ويقذفونهم بالطماطم.

- د. صفاء جبارة كانت لديه مداخلة مفادها ان ابطال شكسبير هملت، مكبث، عطيل.. الخ هم ورثة حقيقيون للتراجيديا الإغريقية.. وان شخصية فولستاف هي تعبير عن الحياة التي لا تعني شيئا.

واختتم الشاعر عواد ناصر الأمسية بشكر الحضور وتمنى لهم لقاءات ممتعة قادمة وتقدم بالامتنان للدكتور فاضل السوداني على جهده في الاعداد لهذه المحاضرة الممتعة والمثيرة والمثمرة.

 
عرض مقالات: