بعد ان خُلِقَتْ من نشوة الموسيقا الباذخةِ

نُحِتَتْ برِهافةٍ وُعُمقٍ

سُخِّرتْ الكواكبُ و الارضُ لِحراستها

وراحت ملائكةً لِفَرْطِ ما بَهَرَتْها أشعَّتُها

هتفت ( يا ترى من تكونَ هَذهِ ) ؟

قَذَفَتْ بِها آلهتها الغامضُة وَسْطَ البَحرِ

مَنحَتَها نظامَ زنَبقةٍ مُصاغَةٍ

من قطراتِ حليبِ ( هيرا ) النقيّةِ

رَتّبَتْ أجراسها لإحياءِ تَراتِيلِها

صُحْبَةِ  النجومِ القصيّةِ

واصلت الخصْبَ في إنعكاسات العوالمِ النائيةِ

لِتَقولَ :

للامواجِ المتلالئةِ , أنا نظيرتكِ في الألقِ الموجعِ

وَللشَاطِئِ , ها أنا أمشي على الماء

وَكُلُّ شيٍ فيَّ يهفو للطيران

وَلِليلِ الشاسِعِ الثِقَلِ المَهولِ

أنا النبيذُ الذي ليس يُفْنَى

بِضَوئي السحريّ , تَتَضوّعُ نِدَاميَ ( آلهة الغناءِ )

وَكؤوسها تصدحُ

و للاشجارِ , رياحٌ غزيرةٌ خِلَالَكِ

وأنا رياحٌ أخرى

ثم إجتذبتْ جمالَها بسكينةٍ إلى أقاصي روحِها

إكْتَضّتْ في جوهَرِ أحاسيسِها العذبةِ

إنْبجسَ دَفْقَ لَمَعَانٍ من كيانِها

أفْرَطتِ البعْدَ في الكُلّي

حتى أبصَرها الإلهُ , محضَ ألَقٍ فوقَ مَفاتنِ الماء

وْحَدهُ النَسيمُ في البعيدِ يحمُلُها  .

قبلَ أنْ تَخْلُدَ إلى النومِ

وَتأخُذَ الأشياءَ إلى جَنانِ رُقادِها

بِبَاعِثٍ من وهجِ الحُبِّ في جُرْحِها

حَلَّقَتْ في رِحْلةٍ خُرافيةٍ

قَطَفتْ باقاتٍ من ضوءِ الشَمسِ

إحْتَشَدتْ في الأشياءِ , صارتْ مَسَّاميةً

أضاءتْ أرضاً لَمْ يَطَأها أحدٌ

وَجَدَتْ صَوْتاً لِفَمِها المتوهّجِ

إنسَكَبت بِلَهْفةٍ بينَ الزهورِ و الرخامِ

ونالت هُدُوءَها .

و أورفيوس , الذّي أقامَ لها هيكلاً

في قلبهِ المُختَلِجِ بِتَجَاعيدِ البَحرِ

يَّمَمَ شَطْرَها , أزهرَ كالوردةِ من أجلها

أبصرَ مصيرَهُ في منعطفاتِ جَسَدِهاِ .

ما إن إرْتَقَتْ بهِ الزنابقُ شَقيقاتُ أيدى الموج

وتناهى اليهِ من مَدَارٍ لَايُضَاهى .

صوتُ دَمِها المُخَلخِلِ

و إلتبسَ عِنْدَهُ الإلهُ في صُوَرٍ مُتَناظرةٍ

بِاسّماءِ أريجِها الانيقةِ

وإتّسَعتْ كينونتهُ في الحياةِ وَ الموتِ

وإمتَزَجَ وجُودُهُ بِالكَونيّ

أطَلَّتْ السماءُ عليهِ , تُرْسِلُ من حَدَقَتِيها أحزاناً

يَصْعُبُ حَصْرَ فَيْضِها

سَكَبَتْ مَراثيها فوقهُ

وَإبْتَّزَتْهُ قِيثارتُهُ وَسْطَ العَتْماتِ

تَقَطّرَتْ ألماً غائماً رمادياً

ناحتْ ’ ذرفتْ أنغاماً في أقاصي أليَأسِ

على شظايا مْوتِها

وراحتْ تَهرُقُ لِلقمَرِ الذي يغمُرُهاُ بضوئه

دموعاً أشبهُ بِبَتَلاتِ الورودِ السحريةِ

كَشَفتْ الحَزازةَ بين حياةٍ  تبكي في أحداقِ الليلِ

وَ صَنيعِ روحِها

والسِّرُ الذي تَعّجُ به الارضُ وأشياؤها .

فيما يَمْلَأهُ قَلقٌ مهذارٌ

يَلْفِي نَفسَهُ تَتَكّبَدُ عذاباً من نَفْسِهِ

إنسابتْ مِنْ فَمِهِ مناحَةٌ معطرةٌ  بالجرحِ

أشْبَهً بِنَفحَاتٍ نَبَوئيةٍ

وَلَجَتَ فضاءَ مديحٍ غيرَ متناهٍ

لَملَمتْ غَصَّاتِها من جديد

عاوَدتْ الإنهيالَ عَليهِ 

مُحاوِلةً الإستنجادَ بالايقاعِ

أحاطَتها صَرخاتٌ لا تَلجُمها كلماتٌ

أطلَقَتْ دَوّياً رهيباً

لَعَلّها تَعودُ وَلَوْ هُنَيْهةً من حفاوةِ الابديةِ

دَعَتْ المخلوقاتِ التي جَفَتْ أرواحُها , خَنَقَتْها العَبَراتُ

أنْ تقفَ صَامِتةً في عديدِ الأقاصي

لِتَسْمَعَ نَبَضاتِ يوريدوس المُوجِعَةِ

تَشّمُ رائِحَتِها الحليبية

وترى كيف تَنبَثِقُ من البَطْحاءِ بِكاملِ وَهْجِها

في خُيِلاءِ جُدّةِ الفَجرِ

وَكيفَ يأخذُ جَسَدِها شَكلَ كائنٍ سماويٍّ

يَصّبُ بَياضَهُ في أحدِ الكواكبِ البعيدةِ

يَرْتَطِمُ كَالبِلّورِ بالإشياءِ

يَتَهَشّمُ في الصوتِ , الذي كانَ منذُ الأزل أنيناً

 يُحدثُ أزيزاً عند الإسحارِ

يضاعفُ الفضاءاتِ في هَيكَلِ الأجراس

يتركُ أثراً لا زَوالَ لهُ

يَستَحِيلُ نَغَمْاً ليسَ يَنْقُصُهُ

الصُراخُ أمامَ الريحِ

عرض مقالات: