لم اعد قادرا على تصور الكيفية التي قذفتني امامهم حين خرجت من مخبأي الصحراوي لا تنفس وجدتهم يحاصرونني، تلفت من حولي فادركت انها مكيدة دبرت لقتلي، كانوا يتقدمون

ويحيطون بي ، حتى سدوا المنفذ الوحيد المؤدي الى المخبأ افتقدت الأمان.. البنادق مشرعة بخط متواز مع مستوى النظر الاصابع على الزناد وانا اتقهقر وادور، اركض هلعا في جهات اربع لا مفر تعبت من التحديق والركض عملوا سورا منيعا كي لا اهرب ، قرأت القتل في عيونهم، تسمرت مكاني، حين حطت قدمي الاولى على طرف الهوة، ان ولجتها مت مع سبق الاصرار والترصد وسيرفقون مع جنازتي تقريرا يشير الى خستي ودناءتي وسيلعنني الاخرون، هم يبغون ذلك ويسعون اليه سوف لا يعلم احد اني دخلت مرغما لان لحظات القتل المباغت على عكس القتل وجها لوجه هذه يرافقها احساس بالخوف والقهر والتوسل، وطالما نجحت المكيدة هناك مبرر واضح للقتل. حين ولجت الهوة كانت مملوءة بالمياه لكنها مياه ثقيلة وصافية، شعرت بذلك وانا انقل قدمي كأنني اقلعهما قلعا او كأنني اخوض في حوض للقار، خلعت نعلي في القعر، حين رأيتهم يتحلقون حولي، كانت عيونهم تتقد شررا انعكس على فوهات بنادقهم المشرعة للقـتل. ........ يتقدمهم رجل يحمل فأسا يستعجلني دخول الهوة خطوت حافيا، تقدمت، كانت خطواتي ثقيلة نسبيا وبعد ان اختفى اخر خيط للنور بيني وبينهم حتى هرب عني خوفي وهدأت ،روحي رحت اتفحص المكان وسط الظلمة ، الهوة سحيقة ، تزداد عمقا كلما تقدمت تحسست بيدي لعلي اجد جدارا احتمي اليه فسقطت من طولي ، سنحت لي فرصة نادرة كي اروي ظمأي انكفأت على وجهي وفتحت فمي كي اشرب وكم كانت دهشتي حين التصق وجهي بذلك السائل العجيب بدا لي لاول وهلة كانه ماء، حاولت التخلص ضغطت رقبتي نحو صدري ثم رفعت جسمي بقوة للاعلى، شعرت بسياط قوية تلطمني وتسلخ فروة رأسي وتقلع اذني والجزء السائب من انفي والتصقت شفتاي وبدأت اتنفس بصعوبة، لابد ان المادة اكتسبت صفة من الشفافية تسمح بمرور الهواء ، كان الهواء ثقيلا لكنه يفي بالغرض، لم اشعر بضيق او اختناق غير اني احسست بسعير ودبيب لدمار حقيقي نتيجة السلخ، ثقل سمعي وغشيت عيوني، حاولت لملمة اطرافي لكن كثافة السائل منعتني وبقي جسدي المدمى مقيدا ماعدا رأسي المسلوخ ظل طليقا.. هناك سوط يلصق فكي الاسفل الى صدري حينها طرأ في خاطري مشهد الفأر الذي وقع في مصيدة فيها مادة لزجة مطاطية، قررت تحرير يدي اليسرى سحبتها برفق فبدأت تنسلخ من كتفي، حين حررتها كانت عارية حتى من الاظافر لكنها مازالت تمنحني القدرة على المناورة وتشجعت لسحب جسدي مضحيا بأي جزء كي يبقى رأسي طليقا مددت يدي وازحت اللاصق من كفي بقوة رميته فظلت يدي ملتصقة الى جانبي، لكني سرعان ما حررتها ، عندها ادركت ان العظام وحدها هي القادرة على الحركة وسط هذه المجزرة، وانهم ما دفعوا بي الى هنا الا كي يسلخ جلدي ولحمي قبل موتي، وكم ندمت على عجزي عن مواجهتهم بل على الاقل شتمهم او ضربهم، كانت رصاصة واحدة تكفي لاسكاتي لكنهم سعوا الى تعذيبي بهذه الطريقة الشنعاء حين بحت باسراري تلك خديعة اطلقها ( (ح) عبر انفاسه وكيف اقنعني ان انفذ فكرة (البوح) التي اثقلته فألقت بي الى التهلكة والقت به في السجن.

هل هي الخمسون عاما التي انطفأت؟ ام هي اسراري التي سلخت عن جلدي ولحمي وافقدتني اشيائي ولم تبق الا العظام ومفاصل وقنوات حسية من فتحات سدت منافذها بالشمع فلا زرقة تقترب مني ولا سماء صافية، تمالكت اعصابي التي لم تتلف بعد، جمعت ما تبقى لي من قوة ونهضت واقفا صدرت مني صيحة مدوية حين شعرت بـ (اليتي) تفارق مقعدي، إنهتك ستري فسارعت الى حمايتها بأسمال وجدتها تلتصق بيدي عندها رأيت بصيصا من نور على مقربة مني حين نظرت بمحاجري رأيته متوثبا على ربوة، لملمت عظامي بسيوفها قطعت الحبال التي كانت تربطني وخطوت نحوه املا في النجاة ، بالرغم من فظاعة منظري وسقمي دنوت منه ياللهول من اين اتى؟ انه الرجل نفسه الذي كان يحمل فأسا ويستعجلني دخول الهوة لعله اخترق كل هذه التجاويف حتى وصل الى هذه الربوة المضيئة قهقه عاليا ثم رفع فأسه بوجهي وقال قبل ان احطم جمجمتك المسلوخة هذه هناك جزء هام يجب ان اقطعه عنك، ثم امسك بعظمي وطرحني ارضا باعد عظام الساقين ثم هوى بفأسه وقطع (...) ثم ادار ظهره عني وصاح عاليا ساتركك تتعذب وتموت ببطء ، هذا جزاؤك حين صممت على فكرة (البوح) حين انتهيت من قراءة الكلمات المهمة من كتاب (انفاس) رفعت رأسي كي اتنفس واذا بـ (ح) ينفجر ضاحكا حتى تكشفت ... ولم يعد يخفي سرا على الاطلاق.

عرض مقالات: