فيلسوف وشاعروكاتب من مواليد ( 1813 ـ 1855 ) وهو أب الفلسفة الوجودية قبل سارتر . من أشهر الشخصيات التي رسمت للدنمارك طريق العلمانية والعدالة وفصل الدين عن الدولة منذ ذلك الوقت حتى الآن . تربى على مسيحية صارمة من قبل والده ( مايكل ) والتي كانت كلها خوف من الخطيئة والإثم والجنة والنار والسوداوية . ذلك الوالد رهين الوهم كان فقيراً معدما لايجد رغيفَ خبزٍ في منزله مما جعل منه أن يصعد الى أعالي التل ويشتم الرب بأقذع الشتائم بسبب جوعه . لكنه بليلة وضحاها أصبح ثرياً فشكر ربه على هذه النعمة وأصبح مؤمنا صارماً. تزوج ومضى بزواجه لكنه زنى بخادمته وحبلت منه ولما سمعت زوجته بذلك ماتت قهرا وكمداّ وبعدها تزوج الخادمة وخلّف منها سبعة أولاد أصغرهم هو الفيلسوف ( سورين كيركغارد) . لكن الوالد ظل يعيش على أوهامه من أن الرب سوف ينتقم منه ذات يوم بسبب كفره أيام زمان مضى وبسبب الزنا مع خادمته وسوف تحل لعنة الرب عليه ذات يوم حتما فالرب يمهل ولا يهمل. وبقي الآب على أوهامه دون أن يرى لعنة السماء عليه وفي كل مرة يقول لنفسه هل عفا عني رب السماء ولكن ربما في قادمات الأيام ستحل عليّ لعنته وهكذا دون أن يحصل له شي يذكر ومات بعمر رذيل وهو في الثانية والثمانين دون عقاب الرب لكنه إبتلى بموت أولاده السبعة وهم لم يكملوا الخمسة أعوام وبقي سوى سورين وأخيه الأكبر منه سنا والذي أصبح كاهناً فيما بعد ومن ثم يموت ويبقى سورين لوحده. هكذا تربى (سورين كيركغارد) وسط عائلة كلها أوهام ومسيحية شديدة وتعاليم قاسية فيها الخوف من الرب على مدار الساعة. سورين كان مريضا على الدوام وكان نحيفا يعاني من صداع وقصر ساق أي أنه كان أعرجا إضافة الى هشاشة العظام وتقوس الظهر وكان يعرف من أنه سيموت صغيرا، لذلك كان دائم التفكير بالموت وحياته كلها عبارة عن عذابات وخصوصا حين تحول أبوه بالنسبة له مصدرا للخوف والشر والإثم وحتى قال (إنني المعذب الوحيد بالأرض الذي يعيش الحاضر بأسرار الماضي، أشعر بالموت في كل لحظة، أشعر بالأغلال في أقدامي ويديّ وكلما أغفوا أشعر بأصفاد الموت وأصحو، وأن الموت لا يمر بعيون النائمين وانا كنت لا أنام أبدا). أدخله أبوه لمدارس الكنيسة لكنه كرهها وإتجه للشعر وأحب فتاة وخطبها (فرجينيا) بعمر (15) عشرعام وتركها بعد ذلك وقال لها من أنك جعلت مني شاعرا، ولطالما أحببت شاعرا هذا يعني حكمت على نفسك بالموت، فحب الشاعر سيكون عليك لعنة فأنا أحبك وعليه يتوجب عليّ تركك كي تمضين في سعادتك، كما أن الشخصية السوداوية التي ورثها من أبيه جعلت منه معقداً في الانفتاح عليها ولذلك تركها. تزوجت حبيبته وظلّت على حبها لسورين حتى مماته وكانت تردد أشعار سورين وكل مايقوله من فلسفة أمام زوجها. كان سورين يدرس في مدرسة الفيلسوف الألماني (هيغل) وتأثر به وأيضا قدم دراسته لكي ينال شهادته عن الفيلسوف (سقراط) الذي قال ذات يوم (كل واحد عليه أن يعرف نفسه) وأخذ سورين كيركغارد هذه المقولة وعرف نفسه فكان مختلفا عن مجايليه وعن بيئته المسيحية البسيطة ومختلفا عن أبيه وأخيه الكاهن الذي يكبره سنا. وبعد ذلك بدأ يستسلم أو يتمرد على الحياة وإتخذ طريق اللهو والمقاهي والشرب والنساء وترك بيت أبيه حتى قطع عنه أبوه مصروفه وكثرت عليه الديون رغم عمله كأستاذ في اللغة اللاتينية. يموت أخوه الأكبر ويبقى هو الوحيد لأبيه فيبعث له كي يعود فيسدد له كل ديونه بعدما سمع بخبر إفلاسه. من الأقوال الشهيرة لسورين يقول فيها: من أن المسيحية إيمان لا معرفة لأنه يرى الناس في الكنيسة في أشد بساطتهم وعدم فهمهم وعلمهم ولذلك هو أول من أطلق عبارة (أنا لا أؤمن بإيمان العجائز) وهنا يعني مثلما أمهاتنا أو آبائنا الذين لايقرؤن ولايكتبون لكنهم في أشد إيمانهم وهؤلاء هم من يستغلّهم رجال الساسة في السيطرة على زمام الحكم مثلما يحصل في شعوبنا اليوم. هناك وجودية مؤمنة وهناك وجودية ملحدة وهو من المؤمنة. يموت أبوه فيعود للبيت ليعيش العزلة التامة فحياة اللهو لم تحقق له السعادة بل كان يراها فاشلة. ورث المال من أبيه بعد موته وهذا مما ساعده في أن لا يعمل أبدا وانما فقط كرس نفسه للكتابة فأصبح شاعرا وأديبا وفيلسوفا. ففي عام 1909 طبعت كتبه وكانت عشرين مجلدا فهي كثيرة جدا قياسا بعمره القصير . ومن أشهر كتبه (أمّا أو) وتعني أما أؤمن أو لا أؤمن. ومن الأقوال الشهيره له في عدائه للكنيسة كان يقول لأصدقائه (إذا ما رأيتم كاهنا عليكم أن تصرخوا بأعلى أصواتكم حرامي، حرامي، حرامي) مما ألّب عليه الكنيسة وأصبح مطلوباً كمجدّفٍ كافرٍ لابد من الخلاص منه وهذا مما سبب إحراجا لأخيه الكاهن. ويقول إن حياة الكهنة المترفة تختلف عن المسغبة المسيحية ويقول ايضا لايوجد ثلاثة شعراء في جيل واحد بينما يوجد آلاف الوعاظ وحتى يفوق عددهم مسألة سوق العمل وهم لايعملون شيئا ووصفهم من أنهم أكلة لحوم البشر ووقفت معه معظم الطبقة البروليتارية ومعدمي العالم البائس أنذاك. كان لا يهمه سوى ظاهرة الخطر الديني ولم تهمه الثورات الفرنسية ولا الدستور ولا الحروب. طيلة حياته كان عنده شعور انه يموت صغيرا وبالفعل مات في عمر الحادية والأربعين وقبل أن يموت أوصى أن يكتب على قبره وهويحتضر في لحظاته الأخيرة (حياتي عذاب لا يطاق، وبعد لحظات.. أنتصر وينتهي كل العذاب وسوف أكون مع الوديان والسحر والجمال ومع المسيح). ولازالت هذه العبارة الصارخة موجودة على شاخص قبره في الدنمارك ويزوره كل عام آلاف من المعجبين بفلسفته وشاعريته وإيمانه المختلف فهو مؤمن بالذات الإلهية لكنه لايؤمن بالكنيسة ولابرجال الكنيسة ولا بأي كاردينال أو كاهن أو بطران فكلهم بنظره كاذبون مدلّسون.

عرض مقالات: