"الثورات هي قاطرات التاريخ" كارل ماركس

يعني مفهوم الثورة في الادب السياسي عملية التغيرات في البنى المؤسسية للمجتمع وهي تعمل على احداث التغييرات الجوهرية في المجتمع وفي نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ويتوافق ذلك مع رؤية الثورة واهدافها. وكما يقول الفيلسوف هوبز باوم " الثورة هي تحول كبير في بنية المجتمع".

وبهذا المعنى فان ثورة 14 تموز 1958 هي ثورة حقيقية بكل المعايير الاجتماعية والمقاييس التاريخية كونها غيرت معظم اشكال ومضامين الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية واستطاعت تغيير مجرى العلاقات السياسية على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، لا سيما اثرها الواضح على بريطانيا وامريكا، وقد انعكست آثارها ونتائجها في الاشهر الاولى من قيامها على حياة العراقيين السياسية والاجتماعية، وظهر ذلك جلياً في قوة النسيج المجتمعي وانحياز الجماهير الشعبية العريضة ووقوفها الى جانب الثورة وقيادتها.

بحق كما قال ماركس: "الثورات قاطرات التاريخ". فان ثورة 14 تموز كانت احدى قاطرات القرن العشرين لما نجم عنها من تطورات تاريخية هائلة شملت مختلف جوانب الحياة الانسانية وانعكس وبقوة على شكل ومضمون العلاقات المجتمعية والثقافية والاقتصادية ومثلت انعطافة حاسمة وكبرى في تاريخ الشعب العراقي لا سيما في ضمير ووجدان الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة.

لقد اهتمت ثورة 14 تموز منذ البدء بتأسيس وتشكيل مجتمع عراقي متماسك وموحد يكون فيه الثابت والاساس مبدأ المواطنة، والعراق اولا مع المحافظة على الانتماءات والهويات الفرعية والثانوية والعمل على بناء مشروع حقيقي لدولة حديثة ذات مؤسسات دستورية بعد ان كانت الحالة مختلفة وبحسب المؤرخ حنا بطاطو، لم يكن العراقيون شعبا واحدا او جماعة سياسية واحدة".

لقد وضعت ثورة تموز المجتمع العراقي على سكة الحداثة والتحديث لما شهده البلد من تطورات سريعة، فتحت آفاقاً رحبة في مختلف الميادين، وانعكس ذلك على بقية العلاقات في محاولة لخلق نوع من التوازن بين الدولة والمجتمع من خلال تبني عقد اجتماعي بينهما مؤسس على قواعد العيش المشترك ويعكس واقع التركيب الفسيفسائي للمجتمع العراقي كما اوضح ذلك الدكتور عقيل الناصري الباحث في شؤون ثورة 14 تموز.

ان ثورة 14 تموز كانت حلاً راديكالياً لطائفة من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي كانت تعصف بالحياة العراقية،  واحدثت ارباكاً في الوضع الدولي وغيّرت ميزان القوى و معادلات الصراع الدولي المحتدم آنذاك، وعرضت مصالح الدول الرأسمالية وبخاصة بريطانيا وامريكا الى صدمة كبيرة باعتبار ان ما حدث في العراق قد يؤدي الى ازالة النفوذ الاستعماري في منطقة الشرق الاوسط.

ان ما احدثته ثورة 14 تموز من متغيرات سياسية كبرى وغير متوقعة في المنطقة واصرارها على اتباع سياسات وطنية محضة وغير خاضعة لأي طرف اقليمي او دولي، دفع بالقوى الامبريالية الى البحث عن طريق للخلاص من الثورة وتقويضها والقضاء على قادتها والقوى التقدمية اليسارية معاً. وقد وجدت ضالتها في القوى القومية والبعثية وبعض الاطراف الدينية والكردية وبرعاية الامبريالية العالمية لإسقاط ثورة 14 تموز والتخلص من نتائجها ومتغيراتها، لقد تماثلت اهداف القوى الاستعمارية وحزب البعث في القضاء والتخلص من الزعيم عبد الكريم قاسم وابادة الحزب الشيوعي العراقي. وتشير الاحصائيات الى ان عدد الذين استشهدوا من الحزب الشيوعي قارب الـ خمسة آلاف شهيد شيوعي بحسب ويليام زيمان في كتابه "التدخل السري للولايات المتحدة في العراق خلال الفترة 1958- 1963".

عرض مقالات: