شكل صدور القانون رقم (87) لسنة 2017 ونشره في الجريدة الرسمية الوقائع العراقية العدد (4477) الصادر بتاريخ 15 / 1 / 2018 والمتضمن المصادقة على إنضمام العراق إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية - اتفاقية الحرية النقابية وحماية الحق فى التنظيم النقابي رقم 87 لسنة 1948، خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي مطلوبة من أجل ترسيخ مبادىء الديمقراطية النقابية ومنع التدخل في شؤونها الداخلية من أي طرف كان وخاصة المؤسسات الحكومية بمختلف تسمياتها. وصدور القانون يشكل عملياً انهاء سطوة ونفاذ قانون التنظيم النقابي للعمال رقم (52) لسنة 1987 وقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (150) لسنة 1987 الجائرين ولينهي فترة مظلمة في تأريخ الحركة النقابية العمالية العراقية امتدت لأربعة عقود من تاريخها، وازدادت اوضاع الحركة تعقيدا بعد عام التغيير في 2003 حيث فرضت عليها إجراءات وتدخلات مشوهة لتاريخ الحركة النقابية ومسيأة اليها، وشمولها بعمليات النهب والفساد المالي والإداري لأموال وممتلكات عمال العراق والإساءة لسمعتها بشراء ذمم البعض محلياً وعربياً من أجل مصالح شخصية ونفعية.
لقد مرت الحركة النقابية العمالية العراقية عبر مراحلها التاريخية في العديد من الصعوبات والتحديات التي كانت تعصف بها على صعيد بنيتها، ومدى قدرتها على القيام بواجباتها ودورها لخدمة العمال، والنضال لتحصيل حقوقهم، وتحقيق مصالحهم، وصولاً لبيئة عمل لائقة تحفظ كرامتهم وإنسانيتهم. وأصبحت الحركة النقابية العمالية من أهم المؤسسات الاجتماعية ذات البعد المطلبي التي أسسها العمال للدفاع عن مصالحهم وحمايتها.
وتعتبر حرية تأسيس النقابات والانتماء النقابي من الحقوق الأساسية التي نصت عليها القوانين الدولية، وأكدتها التشريعات والقوانين، كنتاج طبيعي لمراحل النضال، والكفاح، والصراع المرير الذي خاضته الحركات العمالية تاريخياً.
لقد رسخت الأعراف و القوانين الدولية الحق في حرية العمل النقابي، كقيمة إنسانية تسهم في الحفاظ على بقاء الانسان واستمراريته، باعتبار التنظيم النقابي الإطار الموجه، والمنظم للعمل النقابي الذي يهدف إلى تحسين أوضاع العمال المادية والمعنوية وحماية كرامتهم، ويعد أحد الحقوق الأساسية للإنسان، التي تنص على حقه في التجمع والاشتراك مع الآخرين في الدفا عن المصالح المشتركة، سواء بالتعبير أو النشر أو الضغط والمناصرة.
لقد مَثَل الاهتمام بالعمل الركيزة الاساسية التي قامت عليها أحدى أهم المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وهي منظمة العمل الدولية ILO، والتي تمثل الشراكة الحقيقية لأطراف الانتاج على قاعدة التعاون الدولي، باعتبار العمل رابطا يساهم في توحيد الجهد العالمي باعتباره مجردا من كل النزعات العصبية والطائفية والدينية والعرقية، ويتحد فيه الجميع على الرغم من اختلافاتهم.
حيث أصدرت منظمة العمل الدولية اتفاقيات عمل وتوصيات لحماية التنظيم النقابي، ومن أبرزها كانت اتفاقيتا 87 و98 لحرية التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، وتعد الاتفاقية رقم 98 الصادرة سنة 1949 مكملة للاتفاقية رقم 87 لسنة 1948والتي تعالج بشكل أوسع مسائل تتعلق بالعلاقة بين العامل وصاحب العمل، إذ تحمي العاملين من ممارسات التمييز في التوظيف المغايرة للوائح النقابات، وتقضي بشكل خاص بان من حق التنظيمات العمالية التمتع بحماية كافية ضد تدخل أصحاب العمل، كما وتعتبر الاتفاقية رقم 87 لمنظمة العمل الدولية حول حرية التجمع والتنظيم من الاتفاقيات الأساسية التي تكفل هذا الحق للبشر، وأبرز ما تنص عليه اتفاقيتا 87-98 حول حرية التنظيم النقابي الآتي:
ـــ تمتع العمال بحقهم في إنشاء منظمات نقابية يختارونها وفي الانضمام إليها وبالمثل بالنسبة لأرباب العمل.
ـــ ضرورة أن تبذل الأطراف المعنية، بما فيها الحكومة، الجهود لخلق المناخ وتوفير الظروف التي تسمح بتشجيع المفاوضة الجماعية.
ـــ تمتع العمال بحماية ضد أعمال التمييز المناهض للنقابات، ومن ذلك الحماية ضد رفض الاستخدام بسبب العضوية النقابية أو المشاركة في الأنشطة النقابية.
ـــ حماية منظمات العمال من سيطرة أصحاب الأعمال أو منظماتهم وتدخل الحكومة في الشؤون الداخلية لها.
في ظل الاهتمام بحرية التنظيم النقابي دولياً وعربياً ومحلياً، ولكي تتجاوز الحركة النقابية العمالية العراقية الصعوبات والأزمات والتحديات يتوجب إدارك الأخطار التي تحدق بالعمل النقابي في ظل الظروف المختلفة والمتغيرات السريعة والتي بلورت الواقع النقابي الحالي بكل مكوناته وخصوصيته، فالاعتراف بالأزمة وادراك حقيقتها أول خطة نحو التدخل والعلاج الفعال، ويمكن أن يأتي ذلك بالسعي الحثيث من الجميع لإعادة تنظيم العمل النقابي على أسس سليمة تكفل حريته واستقلاليته وبما يضمن استمراريته، عبر مراعاة المعايير الدولية التي تنص على ذلك والاستفادة من التجارب السابقة التي مرت بها النقابات، وذلك بإرادة متجددة وروح نضالية تستمد طاقاتها من الانتماء والايمان بالقوة الذاتية للنقابات والتي تقوم على أساس الممارسة الديمقراطية والاستقلال بالقرار.
إن الحرية النقابية على المستوى الوطني بحاجة لتجسيد حقيقي على أرض الواقع في ظل تكرار أزمات تكاد تعصف بالعمل النقابي، وبمقدرة النقابات على القيام بدورها وواجباتها كممثل حقيقي للعمال يساهم في العملية التنموية وتطوير علاقات العمل واستقرارها، وهذا يدعو إلى ضرورة الإسراع في إصدار تشريع لقانون عصري ومدني وديمقراطي للنقابات العمالية، يقوم على حرية التنظيم النقابي وفق المعايير الدولية وخاصة اتفاقيتي العمل الدولية 87و98، وبما يحد من أي تدخل في عمل النقابات أو محاولة تقويضها او احتوائها، فإعطاء النقابات العمالية الحرية يساهم في توسيع خياراتها النقابية والنضالية ويفسح المجال لاستعمال الوسائل المتاحة والمشروعة بحرية، بهدف تطوير نشاطاتها النقابية وبما يعزز الثقة مع القواعد العمالية ويساهم في مواجهة التحديات ومعوقات العمل.