نفذت هيئة الإعلام والاتصالات، مؤخرا، حملة إغلاق طالت 22 إذاعة، مدعية أنها جاءت بناءً على ديون مالية متراكمة لم تُسدد. الإغلاق تم بحسب تأكيدات كثيرة، وفق مزاج سياسي استثنى المؤسسات التابعة للجهات السياسية المتنفذة وركز على البقية.
مخالفة قانونية واستنكار واسع
حملات الإغلاق التي تنفذها الهيئة لمؤسسات إعلامية بين فترة وأخرى لطالما وصفها مراقبون وصحفيون بأنها مزاجية وتتعامل بصبغة سياسية واضحة تستثني خلالها المؤسسات التابعة للأحزاب المتنفذة. ويؤكدون أن أبرز دليل على ذلك، ما قامت به خلال أحداث الانتفاضة الشعبية بالتضييق على القنوات والإذاعات التي ساندت الاحتجاج السلمي، وعدم محاسبتها مؤسسات إعلامية حرضت على العنف ضد المتظاهرين وأثارت نعرات طائفية وعنصرية هددت السلم الأهلي.
أما الحملة الأخيرة التي أُغلقت الهيئة بموجبها 22 إذاعة بناءً على تأخرها بتسديد الديون التي بذمتها، فقد قوبلت برفض واستهجان كبيرين من قبل مؤسسات صحفية ومنظمات حقوقية اعتبرتها فعلا انتقائيا يخالف القانون وهو ابتزاز سياسي جديد.
ففي بيان صحفي مشترك أكدت النقابة الوطنية للصحفيين ومركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين، وجمعية الدفاع عن حرية الصحافة، ومركز نايا للتدريب الإعلامي، أن "هيئة الإعلام والاتصالات عندما أغلقت عددا من الإذاعات في بغداد والمحافظات بحجة عدم تسديدها مبالغ الطيف الترددي الذي بذمتها، ارتكبت مخالفة دستورية وقانونية صريحة، إذ ليس من حقها إغلاق أية مؤسسة إعلامية دون أوامر قضائية".
البيان نقل أيضا "تأكيدات كوادر الإذاعات التي تلقت تبليغات الإغلاق، بالتعامل ألازدواجي للهيئة مع الملف، حيث تلاحق الإذاعات المستقلة، وتترك إذاعات الأحزاب المتنفذة. كما أن المبالغ التي تداعي بها كضرائب عن الطيف الترددي، تصل إلى أكثر من 100 مليون دينار، وهو أمر لا ينسجم بأي حال، مع مداخيل الاذاعات، وخاصة المستقلة منها"، موضحا أن "الحكومة ومجلس النواب، مطالبان باتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة وإيقاف حملة الهيئة".
انتقاء مزاجي واعتبارات سياسية
الهيئة ورغم شرعية حديثها عن استيفاء الأجور من الإذاعات، إلا أن هذه الشرعية تأتي منقوصة لغياب القانون الذي ينظم الأمر ويحدد مبالغ الأجور والحصول عليها من كافة المؤسسات دون تفضيل.
وبنظر رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، مصطفى ناصر، فأن "هيئة الإعلام لم تبادر إلى تنظيم استيفاء الديون وفق قانون واضح تقام بموجبه مخالصة مالية سنوية بينها وبين المؤسسات الإعلامية. كما أنها تغض نظرها عن ديون عشرات الوسائل الإعلامية التابعة للجهات المتنفذة والتي تعمل بعضها دون ترخيص، وتحاسب المؤسسات الأخرى وتبتزها سياسيا لكبح حرية العمل الصحفي".
ناصر أكد أيضا "مخاطبة الجمعية والمعنيين بالحريات الصحفية رئاسة الوزراء للنظر بهذا الأمر، كي تتجه الهيئة إلى تحديد سعر قابل للدفع يفرض على الجميع دون استثناءات". ودعا الحكومة إلى "مراجعة عمل الهيئة بشكل جاد وإجراء تغييرات شاملة في هيئة الأمناء الذين ينتمون إلى أجندات سياسية معروفة بمواقفها المعادية لحرية الصحافة والتعبير عن الرأي الذي حاربته خلال التظاهرات"، مبينا أن "الأمر صعب لارتباطه بالجهات السياسية المتنفذة، ولكنه ممكن، خصوصا بعد أن وعد رئيس الوزراء بإعادة هيبة الدولة واحترام القانون وحرية التعبير التي أصبحت في أدنى مستوياتها بعد الانتهاكات التي اقترفتها حكومة عبد المهدي السابقة".
وأوضح رئيس الجمعية، أن "المطلوب هو تبديل أعضاء هيئة الأمناء بشخصيات مهنية ونزيهة وإقرار قانون هيئة الإعلام، وتشكيل لجنة تعمل مع الهيئة هذه مكونة من صحفيين ومختصين بحرية العمل الصحفي لمراجعة عقود التمويل المالي التي حصلت عليها الهيئة وبعثرتها بين وسائل أجنبية وحزبية".
تمييز كبير
وفي بغداد، قال مدير أحدى الإذاعات التي تعرضت للإغلاق، إن هيئة الإعلام تطلب مبالغ كبيرة بطريقة تعسفية وتستغل الأمر سياسيا، علما أنها تعمل بلا قانون وتستند إلى الأمر الإداري الذي أصدره الحاكم المدني بول بريمر، رغم إلغاء أوامر تلك المرحلة لمخالفتها القانون والدستور.
مدير الإذاعة الذي لم يكشف عن أسمه، أكد إن "الهيئة تعاني خللا واضحا لأن عددا كبيرا من أعضائها بقوا في سلطتها عشرسنوات. كما أن الهيئة تعاملت بطريقة انتقائية واضحة، فهي تغلق الإذاعات التي تهتم بحقوق المواطنين، وتغض بصرها عن الإذاعات المعروفة ببث السموم الطائفية والأحقاد، علما أنها لا تتابع أيضا إذاعات شبكة الإعلام العراقي التي تمارس الكثير من الأخطاء".
ولفت المدير إلى إن "الهيئة تبرر إغلاقها البرامج والإذاعات وفق ما يسمى بـ(مدونة السلوك المهني) التي تطبقها وفق المزاج السياسي، بعد أن وضعتها بطريقة فردية ولم تشرك بصياغتها ممثلي الإذاعات. ولا بد من الإشارة إلى إن حملة الإغلاق التي تشنها حاليا، هو لرغبة الهيئة منح الترددات إلى إذاعات جديدة تدار بأموال الفساد وسطوة المتنفذين".