لا يغالي المراقب وهو يمعن النظر في تفاصيل الحركة السياسية في العراق منذ تأسيس دولته عام 1921 حين يقول لم تكن لهذه الحركة من حيثيات او تفاصيل او نهج الا وكان للحزب الشيوعي العراقي سهما فعالا ومنجزا فيه، خاصة بعد ولادته عام 1934، نعم سبقته احزاب سياسية شكلها العسكر المتخرج من المدارس العسكرية في الاستانة، الا انها عدا القليل منها كانت سائرة في درب الاحتلال البريطاني، فقد كان هذا التنظيم بمثابة البوصلة التي توجه الحركة الوطنية في ظل ذلك الاستعمار المباشر للعراق نحو تحقيق الاستقلال وفك التبعية الاقتصادية لمنطقة الإسترليني، او مناهضة الاحلاف العسكرية التي كادت أن تطوق الوطن العربي لصالح الغرب الكولونيالي، وكان يقف في مقدمة الاحزاب للتعبير عن مصالح الطبقات المعدمة، خاصة الفلاحين في ظل الاقطاع المقيت، وأخذ بيد الطبقة العاملة التي بدأت تتشكل بنمو الحركة الصناعية وتطورها خاصة بعد اكتشاف النفط، وما تبعه من عمليات نهب اخذت تقوم بها شركات النفط البريطانية وبعض الشركات المتعاونة معها ، وقد أخذ منذ الثلاثينيات يفضح التقسيم اللاعادل للموارد النفطية وفضح استحواذ الشركات المنتجة على القسم الأكبر من هذه الموارد، وقد ساهم في تشكيل النقابات العمالية ، خاصة للعاملين في الشركات النفطية ، وطالب بحقوق هذه الطبقة ، وقاد الإضرابات في الموانئ والسكك والشركات النفطية العابثة بالاقتصاد آن ذاك . وقد كانت الحكومات المتعاقبة تتشكل وتعمل بإرادة بريطانية، وقد ناصبها العداء كونها كانت تعبر عن مصالح الغرب وتدين بالتبعية له، وكانت هذه الحكومات تسقط وتتشكل وهي تحسب لهذا الحزب الف حساب وحساب، وكثيرا ما كان سببا في سقوط هذه الحكومة او ذلك العميل، وقد كانت هذه الحكومات تعد عدتها باستمرار لملاحقة هذا الحزب لمواقفه تجاه سياساتها، وقد وقف ضد المعاهدات الاستعمارية وكان يقف موقف المعلم ليشرح للناس وطأة هذه المعاهدة او تلك الاتفاقية، وقد قاد الكثير من المظاهرات التي اسقطت العديد من المعاهدات منها معاهدة جبر- بيغن، وله الفضل في قيادة وثبة كانون الشهيرة وغيرها من الاحتجاجات التي كانت تعمل على تصحيح مسار التاريخ ولقد كان لبعض الاحزاب الوطنية البرجوازية دورا ولكنه برأينا كان دور يسير عقب دور هذا الحزب مما حدا بالحكومات المتعاقبة إلى مطاردته، وقد تم إعدام قائده وكوكبة من مناضليه.
ان المتخصص بدراسة الأحزاب السياسية العراقية، يجد انه كان مدرسة، يعلم الوطنية، ويعلم أصول القيادة والتوجيه، وتنظيم الشارع، ويعد الكوادر التي يمكن ان تتصدى للعمل الحكومي، رغم انه كان يعمل بالسرية التامة، وانه لم يكن ليرى الشمس، فقد كانت اوكاره مثار خشية وخوف للسلطات، وله تنظيم يقوم على الاقناع وانه يعمل على الكسب المستمر للجماهير، وهو الحزب الوحيد الذي له تأييد خفي للكثير من الناس بسبب حركته الوطنية وقدرته على اكتشاف آفاق المستقبل، وهذا التأييد نابع من كونه محرارا ومجسا لهموم الناس، وخاصة الفقراء والمعدمين، وقد كان الشعب معينه، بعد كل الضربات التي تلقاها من اعداء العراق والتقدم، فقد كان في طليعة من قاد الطلبة والمعلمين والمحامين وغيرهم من اصحاب المهن، وكان سببا في تشكيل اتحاد للطلبة وقيام النقابات المهنية، وهو اول من نظر الى المرأة ودورها الاجتماعي الاهم وهو من تبنى إنشاء تنظيم يمثلها تحت اسم رابطة المرأة العراقية، والباحث المنصف لا ينكر دور الاحزاب الوطنية الاخرى، مثل حزب الاستقلال ومن قبله جمعية الاهالي او الحزب الوطني الديمقراطي، لكنها كانت احزابا آنية، ولم تكن احزاب جماهير، اما حزب الشعب او حزب الاحرار وغيره من الاحزاب الماركسية فقد كانت تنبثق عنه وتعود اليه.
ان الحزب الشيوعي العراقي كان قد هيأ الأرضية لانبثاق ثورة 14تموز عام 1958، وكان له دور مهم في البناء الاقتصادي الذي جاءت به هذه الثورة ووضعت العراق رغم كل الظروف على خط التنمية الذي كانت تطمح إليه القوى الوطنية، وكان له دوره الفاعل في المفاوضات التي جرت مع الشركات النفطية من اجل حقوق الشعب في موارده. وقد اعاد الحزب تقييم حركته والاخفاقات التي مر بها والتي مهدت لانقلاب شباط عام 1963، وما تلاه من ضرب موجع للحزب ومناصريه، وكان التقييم مبنيا على اسس نظريته العلمية القائمة على ايجاد النقيض للإخفاق والعودة الى المسار التاريخي المطلوب للحزب، كي يكون قدوة لمن يريد سلوك المناضل المحارب في كل العهود ولم تكن تلك الحروب الا وسائل دفع لان يكون عند حسن ظن الناس وعند مستوى المسؤولية التاريخية.
ان التأريخ لا يسير وعلى وجهه قناع انما هو حصيلة صراع بين المتناقضات وله وجه مكشوف يراه كل الناظرين بامعان، ووجه الحزب ظل مكشوفا أمام جماهيره وظل خافيا ومخيفا لأعداء التحرر والتقدم، واليوم يقف الى جانب الحركات السياسية الفاعلة يؤدي دوره الوطني منيرا الدرب لما هو مفيد وصحيح، مشيرا لما هو قريب من هموم الناس رافعا راية العدل الاجتماعي ومناديا بوطن ينعم بالحرية الحقيقية وبالسعادة لكل الرعية. فليكن يوم ميلاده عنوانا لأساليب التضحية في سبيل العراق وان نرفع معه شعار بالعلم والعمل نبنيك يا عراق.