بعد ان بثت الفضائية العراقية الشهر الماضي لقاءات معي ضمن برنامج "خطى" ، ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي ردود فعل كثيرة وشديدة في معظمها.
وكان اهم تلك الاصداء واكثرها ايلاما بالنسبة لي، تلك المتصلة بما صدر عني في احد اللقاءات المذكورة بخصوص جريمة بشتاشان وما يتعلق بها.
إذ انهالت عليّ العبارات الغاضبة محملة بالعتب حينا، وباللوم الشديد حينا آخر، بل حتى بالاستنكار والادانة. والسبب هو انني كما عبر كاتبوها لم اقل بوضوح انها كانت جريمة، ولم اشجبها واشجب مقترفيها، وقد اكون حسب بعضهم حاولت التخفيف من هول الجريمة، وحتى التستر عليها!
ولا اكتم ان ذلك سبّب لي صدمة حقيقية.
فليس معقولا ان استهين بتلك الجريمة الآثمة الغادرة التي استهدفت في الاساس حزبنا الشيوعي، وذهب ضحيتها العشرات من رفاقي الانصار، وكان يمكن ان اكون انا ايضا او اي من الرفيقات والرفاق الآخرين الذين تسلقت معهم حينها سفوح جبل قنديل، واحدا من ضحاياها.
وليس معقولا ان انسى شهداءها من رفاقي الشيوعيين، الذين عرفت كثيرين منهم معرفة شخصية شدتنا الى بعضنا وثيقا، ونسجت بيننا وشائج انسانية عميقة، فضلا عن اواصر رفقة الدرب المشترك والنضال المشترك.. او ان انسى دماءهم التي سفحت ظلما وعدوانا وبدم بارد.
لكنني حين عدت الى التسجيل المحفوظ للقاء التلفزيوني، وتابعته مرةً وثانيةً، وجدت ان الساخطين والمنددين من رفيقاتي ورفاقي لم يكونوا بعيدين عن الصواب. وانا هنا استبعد بالطبع المتطفلين المتربصين، الذين وجدوا في حديثي فرصة للاساءة الى الحزب الشيوعي وتصفية حسابات عوجاء قديمة معه، الى جانب الطعن في شخصي من منطلق الكراهية ليس الا.
فالصياغات التي تحدثت بها، وانا اجيب على اسئلة محاوري في شأن الهجوم الدموي، لم تكن دائما بالوضوح الكافي، وجاءت احيانا غير قاطعة ويمكن ان توحي بغير ما كنت أعنيه، كما كان يمكن العثور في لحظة معينة منها على ما يشي بأنني حتى اجامل حيث لا تجوز المجاملة.
وجعل هذا وغيره البعض يتصور انني ربما اتستر على مقترفي المجزرة، او حتى ادافع عنهم!
ولقد عدت الى التسجيل الفيديوي وتابعته اكثر من مرة، فوجدت - والحق يقال - ان نبرة حديثي في الموضوع بمجمله لم تكن قاطعة، بل كانت أقرب الى الحيادية.
سوى ان هذا بالضبط هو ما لا يجوز ولا يمكن قبوله مني بأية حال. وذلك ما ألوم نفسي عليه هنا بشدة، وأعتبر من غضبوا بسببه مني، ووجهوا اليّ الانتقاد وما يتجاوزالانتقاد، محقين في موقفهم وغير مبالغين في رد فعلهم.
وليس لي هنا الا ان اعتذر منهم ومن كل رفاقي الآخرين، واؤكد احترامي العميق لمشاعرهم النبيلة، واطلب صفحهم عما سببت لهم من أذى وألم بتعبيراتي غير الموفقة، وان لم تكن مقصودة.
اخيرا ولكي لا يبقى شيء غامضا في شأن رؤيتي الى مجزرة بشتاشان، اقول باختصار ووضوح انني اعتبرتها دائما وأبقى اعتبرها جريمة وحشية غادرة ضد حزبنا الشيوعي وفي حق انصاره البواسل. جريمة يتحمل الاتحاد الوطني الكردستاني مسؤوليتها كاملة، وقد اقترفها باتفاق مع النظام الدكتاتوري في حينه، وبما شكّل خدمة لذلك النظام باعتراف حتى بعض قيادييه.
وكان من واجب الاتحاد الوطني الكردستاني الاعتراف علنا بمسؤوليته هذه، والاعتذار علنا من ضحاياها الشهداء الشيوعيين، ومن عوائلهم ايضا مع تقديم التعويض المستحق اليها.
ولكن وللأسف لم يحدث هذا طيلة الـ 38 سنة الماضية وحتى اللحظة.
وما زال الدين الثقيل يطوّق رقبة الاتحاد الوطني الكردستاني بانتظار السداد.
يعيش العالم، حروباً مشتعلة وصراعات ومواجهات تهدد السلم العالمي، وتنذر باندلاع حروب أشد فتكاً بالبشرية.
فمن جهة، دخلت حرب روسيا وأوكرانيا مرحلة جديدة من التصعيد، تمثلت في استخدام صواريخ الناتو لاستهداف العمق الروسي، وسط استمرار فشل جميع المساعي الرامية إلى التوصل لتسوية سلمية أو وقف الحرب.
ومن جهة أخرى، تحتدم المواجهة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين، في محاولة لتأكيد هيمنتها الاقتصادية والسياسية على النظام العالمي، مما يعكس تصاعد التوترات بين القوى الكبرى واستمرار صراع النفوذ، في مشهد يمثل نسخة جديدة من الحرب الباردة.
وعلى الصعيد الإقليمي، تواصل إسرائيل حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وتصعيد القمع الوحشي والاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية، مع إعلان صريح عن رغبتها في فرض سيطرة عسكرية وسياسية مطلقة على قطاع غزة وإقامة مستوطنات جديدة في شماله. يأتي ذلك بعدما تمكن جيش الاحتلال من تدمير أجزاء كبيرة من جنوب لبنان والسيطرة الكاملة على الشريط الحدودي، في خطوة تعكس استمرار سياسات التوسع والهيمنة الصهيونية في المنطقة.
ولا تتوقف الأطماع الصهيونية عند هذا الحد، إذ تواصل إسرائيل انتهاك القرارات والمواثيق الدولية ذات العلاقة بسوريا، حيث بادرت إلى قضم مساحات واسعة من المناطق المجاورة للجولان المحتل وأراضٍ حدودية أخرى، بعدما شنت ضربات عسكرية استهدفت القضاء على البنية التحتية العسكرية السورية، وتحييد سوريا كطرف فاعل في معادلة الصراع الإقليمي.
يضاف إلى ذلك المواجهات المستمرة مع إيران والحوثيين في اليمن، التي تشهد تصعيداً يزيد من مخاطر توسع مساحة الحرب، في الوقت الذي تغيب فيه الحلول الدبلوماسية الشاملة وتتصاعد التدخلات الخارجية التي تعمق الأزمات بدلاً من حلها.
إن هدف حملة دولة الاحتلال التي تحظى بدعم سافر من الولايات المتحدة وحلف الناتو، هو تحقيق مشروع ما يسمى "الشرق الأوسط الجديد"، الذي لا يتضمن مجرد استئناف مسلسل التطبيع، وإنهاء القضية الفلسطينية وإلغاء حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية وحسب، بل ايضاً تحقيق هيمنة عسكرية وسياسية مطلقة لدولة الاحتلال في المنطقة، من خلال ضرب جميع حركات المقاومة الوطنية وتحطيم مرتكزاتها، ومن خلال إضعاف الدول والكيانات الوطنية، وجعل بلدان المنطقة منزوعة الإرادة والسلاح، وذات أنظمة هشّة وخاضعة لهيمنة الإمبريالية الأمريكية.
وفي غضون ذلك، تستمر الحرب الكارثية في السودان التي تغذيها التدخلات الإقليمية والدولية منذ اندلاعها في نيسان 2023، وتجلب الويلات على الشعب السوداني والمزيد من الجوع والفقر والمرض، مع مخاطر التقسيم وتبديد ما تبقى من موارد البلاد، وتهديد وحدتها وسيادتها.
تكشف هذه الأوضاع المضطربة تعمق أزمة النظام الرأسمالي العالمي واشتداد تناقضاته البنيوية، رغم محاولاته للتكيف مع المتغيرات الناجمة عن تلك التناقضات. وفي الوقت الذي تنظر فيه الدول الإمبريالية إلى الحروب والتنافس الجيوسياسي كمفاتيح لحل أزماتها الاقتصادية من خلال الهيمنة والاستيلاء على ثروات الشعوب، فإن الواقع يشير إلى تفاقم الفوضى، وبالتالي السير نحو عالم اقل عدالة وأوسع فقراً.
ويزداد هذا المشهد تعقيداً مع إفراغ هياكل المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، من قدرتها على ممارسة سيادتها أو فرض قراراتها. يحدث ذلك في ظل تجاوز أقطاب الصراع للقانون الدولي والقرارات الأممية في العديد من القضايا، ما يعكس حالة من العجز المؤسساتي أمام صراعات الهيمنة وموازين القوى المتغيرة.
سوريا الجديدة.. التحديات والآفاق
إن الانهيار السريع لنظام الأسد في سوريا، مؤشر كبير على عمق الأزمة البنيوية التي أنتجتها سياساته وممارساته، والتي التهمته فيما بعد!
لقد كشف تقدم قوى المعارضة والفصائل المسلحة، وسيطرتها على دمشق بعد أيام من انطلاق حملتها العسكرية، عزلة النظام السابق عن شعبه، وحتى عن مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية الأقرب إليه، حيث انسحب الجيش في مواقع عديدة دون مقاومة!
وكان واضحاً، أن التحرك العسكري للفصائل جرى بتخطيط ودعم أطراف خارجية، أبرزها تركيا التي يبدو واضحا أن لها الآن اليد الطولى في تسيير الأوضاع داخل سوريا في الوقت الراهن، ولم تكن الولايات المتحدة وإسرائيل بعيدتين عما جرى ويجري.
وإذا كان من الصعب التكهن في اتجاه سير الأوضاع والأحداث في سوريا، بسبب تشابك تحديات عديدة داخلية وخارجية، أبرزها الانقسام السياسي البارز على أكثر من مستوى، بين ما يسمى الإدارة الجديدة والإدارة الذاتية للمناطق ذات الأغلبية الكردية، وبين القوى الوطنية، وكذلك نشاط الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي يمكن أن توفر لها المتغيرات السريعة أرضية للتحرك، فضلاً عن التدخلات الخارجية، المتمثلة بأهداف تركيا المعلنة في إنهاء وجود منطقة كردية، ووجود قواعد عسكرية أمريكية وروسية.
ومثلت هذه الأوضاع الاستثنائية، فرصة للاحتلال الصهيوني في شن الهجمات العسكرية ضد قواعد الجيش السوري، بهدف تدمير منشآته وبنيته التحتية، وإضعاف سوريا وتحييدها كي لا تشكل تهديدا لمشاريعه الاستعمارية، التي بانت بشكل أوضح من خلال تحركات قواتها لاحتلال مناطق مجاورة للجولان ودرعا وقريبة حتى من دمشق!
أمام هذا المشهد المعقد، ومساعي ما يُعرف بـ«هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة معها، للانفراد في الحكم، فإن المرجو هو أن تبادر القوى الوطنية السورية، اليسارية والتقدمية والمدنية الديمقراطية، إلى لعب دور مؤثر في مسار الأحداث لحفظ وحدة سوريا، وتدشين فترة انتقالية تحقن فيها الدماء من عبث مشاريع التفتيت الطائفية والإثنية، وترسم ملامح النظام الديمقراطي الجديد بالاستناد إلى الإرادة الحرة للشعب وحقه في تقرير مصيره، بعيداً عن العنف والإرهاب والتدخلات الأجنبية، وتستعيد السيادة الوطنية المسلوبة.
وإذ ننظر بقلق إلى الأوضاع في الدولة الجارة، فأننا نؤكد دعمنا وإسنادنا للشعب السوري الشقيق في تحقيق طموحاته وتطلعاته في التحرر والاستقرار والعيش الكريم، ولقواه اليسارية وعموم القوى التقدمية والمدنية الديمقراطية والوطنية، التي تواجه تحديات وعوائق موضوعية وذاتية، ولكن على عاتقها تقع مسؤولية المساهمة الجادة في بناء سوريا الجديدة.
العراق في مواجهة التحديات
تلقي هذه الأحداث المتسارعة، المحملة بمشاريع الهيمنة، ومخاطر اتساع نطاق الحرب في المنطقة، بظلالها الثقيلة على العراق.
وإذا كان الحذر من التهديدات الخارجية ضرورة وطنية، فإن الالتفات إلى الجوانب الهشّة في الأوضاع الداخلية ومراجعتها بجدية، والإسراع في معالجتها جذرياً، يمثل حاجة ملحة لا تحتمل التأجيل والمماطلة. وبات واضحاً أن استمرار الأزمة البنيوية الشاملة في العراق، واستمرار المحاصصة والفساد والسلاح خارج سلطة الدولة، يضعف قدرة البلاد على مواجهة المخاطر المحدقة ويزيد من هشاشة الوضع الداخلي.
ولطالما نبه حزبنا - ولا يزال - إلى أضرار استمرار نهج المحاصصة الطائفية والإثنية، على البنية السياسية والاقتصادية للدولة وللنظام السياسي، وعلى النسيج الاجتماعي والوطني. إنه نهج مدمر، يغرق البلاد في مستنقع الفساد، ويعتاش على الانقسامات الاجتماعية، التي تغذيها الصراعات السياسية على النفوذ والثروات.. نهج منتج للأزمات ويعيق تحقيق الاستقرار والتنمية المنشودة.
كان حصاد العراقيين من هذا النهج المقيت، على مدار أكثر من ٢٠ سنة ماضية، حروباً وصراعات سياسية لم تهدأ، وأزمات اقتصادية خانقة أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، رافقها تراجع حاد في مستوى العديد من الخدمات الأساسية ونقص كبير في البنى التحتية، التي باتت عاجزة عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ما أنتج أوضاعاً اجتماعية متدهورة، ستظل أجيال الحاضر والمستقبل تدفع تكاليفها الباهظة، ورغم المساعي الحكومية الحالية لتحقيق بعض الإنجازات على الصعيد الخدمي خلال العامين الماضيين، إلا إن ذلك ليس كافياً، ولم يلامس أولويات الناس، ولم يخفف من معاناة الغالبية العظمى من الشعب.
إن سمات التدهور، بانت ملامحها في وقت مبكر، مع محاولات أقلية سياسية «اوليغارشية» إحكام سيطرتها على منظومة الحكم، واحتكارها للقرار السياسي والاقتصادي والإداري في البلد، وفرض هيمنتها ومصالحها الطبقية الضيقة على عموم الشعب، حتى بات ملايين العراقيين غير واثقين بمسار العملية السياسية، المبنية على المحاصصة، وفاقدي اليقين بإمكانية إصلاح المنظومة الحاكمة لذاتها، وهو الأمر الذي عكسته بوضوح المشاركة الضعيفة في الانتخابات.
علاوة على ذلك، أصبحت مظاهر الاحتجاجات مشهداً يومياً مألوفاً في مختلف المدن العراقية، في تعبير صريح عن استياء شعبي واسع من سياسات المنظومة الحاكمة، التي صارت تركن لوصفات «الليبرالية الجديدة» في التعامل مع القضايا الاقتصادية والمعيشية الأشد ارتباطا بحياة المواطنين، ومنها الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة والطاقة الكهربائية، التي باتت يجري التعامل معها كسلعة في سياق القطاع الخاص.
الجانب القاتم الآخر في هذه الصورة، ينعكس في الاستحواذ المنظم على أراضي الدولة وعقاراتها، وفي العدد الكبير من «الاستثناءات» التي منحها مجلس الوزراء خلال العامين ٢٠٢٣ و٢٠٢٤ لمشاريع استثمارية، بعيداً عن ضوابط التعاقد المشروعة قانوناً، ما انعكس في ارتفاع تكاليفها وأثار تساؤلات بشأن شفافية هذه التعاقدات، كما هو الحال بالنسبة لمشاريع المجمعات السكنية التي لا تخدم الشرائح الفقيرة وذات الدخل المحدود من السكان!
تلك السياسات – وأمثلتها السيئة لا حصر لها - غير المرتبطة بالاحتياجات الحقيقية لأوسع شرائح شعبنا، وما يرافقها من أوضاع مستجدة في المنطقة، توفر دون شك أرضية خصبة لنمو الجماعات الإرهابية والمتطرفة، التي لا يزال خطرها قائماً ولم ينتهِ تماماً. وتوفر فرصاً مثالية للتدخلات الخارجية، وتنفيذ المشاريع والأجندات المعادية، وتخلق ثغرات واسعة تسهّل مرور كل ما يشكل تهديداً داخلياً أو خارجياً على أمن البلاد واستقرارها.
نحو فضاء وطني واسع
بات من الضروري اتخاذ خطوات عملية وجدية لتجنيب العراق مزيداً من التداعيات، وتعزيز قدراته على مواجهة المخاطر والتحديات المتزايدة ولدرء التدخلات الخارجية وأجنداتها المعادية لمصالح شعبنا. ويتطلب ذلك الخلاص من النهج الذي يعرقل التوصل إلى حلول جذرية للأزمات، ألا وهو نهج المحاصصة.
يتحقق هذا الهدف، من خلال العمل على خلق فضاء وطني واسع؛ بمعنى بيئة سياسية ومجتمعية، مدركة للأهداف الوطنية واجبة التحقق بعيداً عن أي مصالح وأجندات فئوية ضيقة، بما يشكل قطيعة مع النهج السائد حاليا في إدارة نظام الحكم.
ولا بد لـ(الفضاء الوطني) هذا، أن يرتكز على قاعدة سياسية وشعبية متطلعة للتغيير الحقيقي المنشود.
تأسيساً على ذلك، فإن كافة القوى السياسية والشخصيات المدنية الديمقراطية والوطنية والفعاليات المجتمعية المتطلعة للتغيير، مدعوة لإطلاق حوار واسع يستهدف إعادة النظر بالعملية السياسية التي أفضت إلى طريق مسدود جراء تعمق الأزمة البنيوية لمنظومة المحاصصة والفساد، بما يمهد الطريق لقيام الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، أساسها المواطنة والعدالة الاجتماعية، ويسودها القانون والعيش المشترك بين كافة أطياف الشعب العراقي.
حصر السلاح بيد الدولة
إن مشروع تعزيز بناء الدولة، يستلزم التأكيد على أهمية الشروع العاجل في حصر السلاح بيد الدولة، وحظر نشاط أي تشكيل أو فصيل مسلح خارج إطار القانون وذلك وفقا لما تقضي به المادة 9 - أولاً (ب) من الدستور [يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة]. وتطبيق قانون الأحزاب الذي يحظر على الكيانات السياسية إنشاء مجاميع مسلحة او ترتبط بها بشكل مباشر او غير مباشر. لذا، فإن الحكومة مطالبة بأخذ دورها في ذلك، إلى جانب تقوية المؤسسة العسكرية وبنائها على أساس المواطنة والولاء للوطن، والتصدي بحزم لأية ممارسة مثيرة للنعرات الطائفية في صفوفها، وتسليم أجهزة الأمن الداخلية، مهام حماية المدن، بدلا من أي قوات أخرى، لاسيما في المناطق المحررة من تنظيم داعش الإرهابي التي تشهد توترات ما تلبث تظهر بين فترة وأخرى.
وفي هذا السياق، نرى ضرورة تعزيز عملية اندماج قوات متطوعي الحشد الشعبي بالقوات المسلحة، بما يضمن وحدة القيادة والسيطرة تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، بعيدا عن أية مؤثرات سياسية خارجية، وحفاظًا على حقوق وتضحيات المقاتلين.
وفي سياق متصل، يرى حزبنا الشيوعي العراقي، أن «المقاومة» مبدأ وفعل سياسي وإنساني نبيل، ووسيلة للدفاع وصد العدوان وإنهاء الاحتلال. وتأخذ المقاومة أشكالا نضالية عديدة، منها ما يأخذ شكل الكفاح المسلح، ومنها ما هو سياسي ومجتمعي.
ولقد أكدت الوقائع التي شهدناها في الأشهر الأخيرة، حقيقة أن «المقاومة» لا يمكن أن تختزل في طائفة او جماعة، إنما ينبغي العمل لأن تكون ذات طابع وطني أوسع وأشمل.
ويرى الشيوعيون العراقيون، أن مشروع بناء الدولة العراقية المدنية الديمقراطية الاتحادية، المستقلة وكاملة السيادة، يمثل حائط صد منيع أمام المشروع الإسرائيلي التوسعي في المنطقة، وضمانة حقيقية لمواصلة الدفاع عن القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس.
إنّ خط الدفاع الأول ضد المخاطر المحدقة بالعراق، يتمثل في تعزيز قوة الجبهة الداخلية، وترسيخ الوحدة الوطنية والمواطنة الحقيقية. وهذه الخطوات ليست فقط ضمانة للاستقرار الداخلي، بل هي أيضاً ركيزة أساسية لمنع ارتدادات الأوضاع الخطيرة في المنطقة، وحماية المصالح الوطنية في ظل الأزمات الدولية والإقليمية المتلاحقة.
المطلوب إجراءات ملموسة
إنّ كل ذلك يستدعي اتخاذ إجراءات جذرية ملموسة لتمكين بلادنا من عبور نفق الأزمات، ومن تلك الإجراءات:
- ضرورة إعادة النظر بالعملية السياسية، والتخلي عن المحاصصة الطائفية والإثنية كنهج لإدارة الدولة، والشروع في مسار جديد يفتح الطريق إلى التغيير الديمقراطي الحقيقي في منهجية إدارة الحكم وقيامها على أساس المواطنة والكفاءة والنزاهة.
- توسيع المشاركة السياسية في صناعة القرار عبر الحوار الوطني والتشاور السياسي، وعدم احتكارها، والتخلي عن الملفات والقرارات المثيرة للفرقة والانقسام، بما يعزز الفضاء الوطني الجامع، ومثال ذلك مساعي تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة 1959.
- إيقاف هدر المال العام، واتخاذ خطوات عاجلة وحازمة لمحاسبة الفاسدين، بما في ذلك كبارهم، واسترجاع الأموال المنهوبة، ووضع حد للإفلات من العقاب.
- إطلاق مبادرات المصالحة الوطنية المجتمعية، لا الفوقية، ومنح الأقليات الدينية والقومية حقوقا تعزز شعورها بالانتماء الوطني، ومعالجة أوضاعها في مناطقها لاسيما في محافظتي نينوى وكركوك، وبالأخص معالجة أوضاع مدينة سنجار بما يحقق الأمان والاستقرار لسكانها من أبناء شعبنا الإيزيديين.
- إعادة النظر في وضع هيئة المساءلة والعدالة، التي تأسست بوصفها هيئة انتقالية مؤقتة، وتحويل مهامها للسلطة القضائية، ومنع استخدام ملفاتها بانتقائية للأقصاء أو التهميش.
- تشريع قانون منصف وعادل للعفو عن السجناء، يستثنى منه من ثبت ارتكابه جرائم جنائية وإرهابية، والمتهمين بقضايا فساد او سرقة المال العام، ومعالجة قضايا الموقوفين.
- معالجة جدية لأوضاع النازحين والمهجرين وفق جدول زمني لإنهاء معاناتهم، وتأمين حياة كريمة للعائدين منهم إلى مناطقهم، والاهتمام بملف التعويضات بما يحقق العدالة ويمنع الفساد عنها.
- الغاء كافة القوانين والتعليمات التي تحد من التعبير عن الرأي والمعتقد، وتسعى الى تضييق الحياة الديمقراطية، بما يعزز من المشاركة الشعبية في رسم سياسات الدولة.
- إصلاح المنظومة الانتخابية بما يضمن إجراء مفوضية الانتخابات العليا المستقلة لانتخابات حرة ونزيهة ومتكافئة، وفي ظل قانون انتخابي عادل، وإبعاد العملية الانتخابية عن سطوة السلاح والمال السياسي، وعن توظيف مواقع السلطة والنفوذ، وتفعيل قانون الأحزاب السياسية، وخلق بيئة آمنة تؤمن مشاركة واسعة.
- معالجة المشكلات العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بروح المسؤولية، وفقاً للدستور الاتحادي، وتشريع القوانين اللازمة التي تعالج جذور الأزمات.
- اعتماد سياسة خارجية تستند إلى مصالح العراق العليا، بعيداً عن أي تأثيرات إقليمية أو دولية، بما يحفظ وحدة وسلامة الأراضي العراقية، ويصون القرار الوطني المستقل.
- السعي إلى استكمال السيادة العراقية، عبر انهاء كافة اشكال التواجد العسكري الأجنبي في أراضينا.
الشيوعيون والمهام الراهنة
يعمل حزبنا على استنهاض القوى الحية في المجتمع، سواء على المستوى الشعبي أو السياسي، لتحقيق المشروع الوطني الديمقراطي الذي تطورت ملامحه عبر فترات مختلفة، مع التأكيد على تطويره بما يتلاءم مع مستجدات الوضع الراهن.
وفي ظل المرحلة الراهنة الدقيقة والحساسة، يقع على عاتق الشيوعيين مجموعة من المهام الحيوية والملحة، ومنها:
إدراك طبيعة المرحلة الحالية، بما تحمله من تحديات ومخاطر، وكذلك الأفق الذي يمكن البناء عليه لتحقيق التغيير المنشود.
التأكيد على الخطاب الوطني الجامع، ونبذ كل ما يؤجج الطائفية والإثنية والانقسام المجتمعي.
حشد أوسع قوى سياسية وشعبية بهدف الخلاص من نهج المحاصصة وكسر احتكار السلطة وتغيير موازين القوى، وصولا إلى تحقيق التغيير الشامل.
تعزيز دور التيار الديمقراطي، بأبعاده السياسية والاجتماعية واليسارية، وتوسيع قاعدته الجماهيرية ونطاق أنشطته وعلاقاته مع مختلف القوى الاجتماعية والسياسية.
توطيد العلاقة مع القوى والشخصيات الوطنية والديمقراطية المتطلعة والعاملة من اجل التغيير الوطني الديمقراطي الشامل والمدركة لتحديات المرحلة.
العمل على تنمية مختلف أشكال الحراك الشعبي والجماهيري وتعزيز العلاقة مع الجماعات الاحتجاجية المدنية والتنسيقيات المهنية، وفهم مطالبها العادلة والمساهمة في تنظيم التحركات الاحتجاجية السلمية بما يدفع نحو تحقيق هذه المطالب.
الاستمرار في حملة الدفاع عن قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة 1959، التي لاقت اهتماما شعبيا وسياسيا كبيرا، وحققت نجاحات.
الإعداد الجيد للمشاركة الفاعلة في الانتخابات النيابية القادمة، واعتبار الاستعداد لها مهمة أساسية.
التصدي بقوة لمحاولات التضييق على الممارسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورفض تقييد حرية التعبير أو مصادرة حقوق المواطنين الدستورية.
التأكيد على اعتماد سياسة خارجية متوازنة ومستقلة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
مواصلة دعم الشعب الفلسطيني لوقف حرب الإبادة في غزة ومن اجل نيل حقوقه المشروعة بإقامة دولته الوطنية المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس، ومساندة الشعبين اللبناني والسوري ضد العدوان والاحتلال الصهيوني الغاشم ولاستعادة السيادة الوطنية، والتضامن مع الشعب السوداني لوقف الحرب الكارثية وتحقيق السلام وبناء دولته المدنية الديمقراطية. ودعم كل شعوب المنطقة ونضالاتها من اجل وقف الحروب والصراعات، وإقامة أنظمة وطنية ديمقراطية، وتحقيق الرفاهية والتقدم.
هذه المهام الراهنة وغيرها، تضع الشيوعيين العراقيين في مقدمة المدافعين عن المصالح العليا للشعب والوطن، وهي مسؤولية طالما تحملها الحزب، وناضل بثبات من اجل تحقيقها.
بعد نجاح الرواية الموسومة "قطار الليل إلى لشبونة" (2006) والتي بيع منها أكثر من 300 ألف نسخة في هولندا، صدر للفيلسوف السويسري والكاتب باللغة الألمانية بيتر بيري (1944)، والذي ينشر تحت اسمه المستعار باسكال مرسييه، رواية بعنوان "وزن الكلمات" (2019) عن دار المكتبة العالمية والتي ترجمتها إلس سنيك من الألمانية إلى الهولندية. وهي رواية فلسفية رائعة تبحث بعمق في الموضوعات الوجودية. فمن العبارات المعبرة والعديدة في الرواية، يقول: "أن الحياة ليست هي الحياة التي نعيشها، إنها الحياة التي نتخيل أننا نعيشها." كما يواجهنا بالسؤال؛ كيف يمكن لخيالك أن يساهم في حريتك؟ فهذه أيضا أحد الثيمات التي تشغل بيتر بيري، أستاذ الفلسفة في الجامعة الحرة ببرلين، والتي سبق أن عالجها، في كتبه تحت اسمه الحقيقي، على سبيل المثال وليس الحصر، "عمل الحرية" (2001) و"الكرامة، أسلوب حياة" (2015). ويستخلص أن على المرء أن يبني حصنا داخليا لحماية نفسه من أعين الآخرين، فقط عندما ينجح في ذلك، يمكنه أن يترك العنان لخياله ويقترب خطوة من حريته الداخلية.
فبعد ثلاث عشرة سنة، يلقي بيتر بيري، وهو في الخامسة وسبعين ربيعا، الضوء من جديد، في مزيج من الخيال والفلسفة، في روايته "وزن الكلمات"، على إمكانيات الانسان في تشكيل حياته بالطريقة التي تناسبه وتناسب من هو. إنها مرة أخرى نقطة انطلاق قوية جدا لرواية تطرح أسئلة حول الحياة والزمن والترجمة والكتابة.
تبدأ الجملة الاستهلالية بترحيب مراقب الجوزات مطار لندن بسيمون لايلاند، "أهلا بك في بلدك" وتنتهي الرواية أيضا بنفس عبارة الترحيب بمطار هيثرو؛ العودة إلى الوطن - الأم. في المرة الأخيرة التي نظر فيها إلى صورة جواز سفره، في منزله في مدينة تريست بإيطاليا، رأى رجلاً آخر دون مستقبل. الآن سيبدأ حياة ثانية، وجود يمكن إعادة ترتيبه من الصفر. ويتساءل ما الذي فعله بحياته، وماذا سيفعل الآن حتى يتمكن من العيش مرة أخرى في "الآن" و "لاحقًا"؟ وهذ ما يختزله، أيضا، الكاتب الهولندي أوك دو يوه، حرفيا ومجازيا في سيرته الذاتية الفكرية الرائعة "القفز إلى المستقبل" (2004) حول الانتماء وكينونة الانسان. كما أن زملاء مرسييه الهولنديين وهما من نفس جيله تقريبا، مارسيل مورينغ وأوك دو يوه يطرحان نفس الأسئلة الفلسفية والأخلاقية، بطريقة غير مباشرة، في روايتيهما المنشورتين حديثا (2019) والموسومتين بالتتالي، "الحضيرة السوداء" و"آمين": ما الذي صنعته بحياتي؟ كيف تبدو حقا حياتي في الماضي؟ ماذا يمكن أن يقدم الفن؟ كيف أختبر وأحس الوقت - الزمن؟ فالشخصية الرئيسة سيمون لايلاند يتساءل، أيضا، عن موطنه؛ هل في تريست؟ أو في لندن؟ أو في النهاية في المخيلة، "المكان الفعلي للحرية"؟
بناء الرواية
تشمل الرواية على خمسة وأربعين فصلا مرقما غطت 474 صفحة. تتطرق إلى ثيمات عديدة، منها لغوية كأهمية الكلمات والكتابة والترجمة وأخرى انسانية - وجودية كالوحدة ومفهوم الصمت واليأس و البحث عن الذات. وهي عبارة عن حكايات متداخلة في بعضها.
اختار مرسييه لبناء روايته ساردا عليما وشخصية رئيسة، سيمون لايلاند الذي يعلمنا من خلال قراءته رسائل سبق أن كتبها إلى زوجته الراحلة. فخلال وحدته وإنصاته إلى سكون تام، كان يكسر هذا الصمت عن طريق الكتابة إلى زوجته. أحيانا يستذكر الماضي واحيانا أخرى يعلمها بما يجري في حياته كأنه يحاورها. ويعترف أنه يكتب من خلالها ليستمع إلى نفسه، لا لأن يبقيها حية. فتأتي هذه الرسائل مكتوبة بخط مائل، تحكي لنا الشخصية الرئيسة أحداثا سبق أن تعرف عليها المتلقي من خلال السارد العليم. وهو سرد من الداخل. ويفند تكرار الأحداث في هذا النص السردي، لأن وقت استعادة الذكريات هو وقت الاستيعاب، مراجعة النفس، هذا كل ما في الأمر. وأن هذا التكرار يدفع القارئ إلى التأمل والبصيرة. ولا عجب في أن شخصيات مرسييه تطرح على نفسها أسئلة أخلاقية: هل يمكنك التفكير بجدية في وضع فاصلة أو نقطة فاصلة عندما يكون هناك أشخاص لا يعرفون أين ينامون الليلة؟ لكن مع هذا، فإن عم لايلاند البروفيسور وارين شجعه، في رسالة تركها له بعد موته، أن يتجرأ ويكتب بكلماته الخاصة وبصوته الأصلي اعترافات عن شخصه أو قصص يمكن لشخصياتها أن تعبر عن تجربة مشاعره العميقة بشكل مكثف وشاعري للغاية. فهو الذي ساعد كثيرا الآخرين ومنحهم صوت لغته وصوتا خاصا بهم بلغته.
البحث عن التوازن في الحياة
تلقى الشخصية الرئيسة سيمون لايلاند خبر إصابته بورم في رأسه وأن ليس لديه سوى وقت قصير للعيش. فبعد إحدى عشر أسبوعا يكتشف حدوث خطأ في المستشفى؛ لقد استبدل كشفه الطبي بأخر، وذلك بعد أن ودّع ابنته وابنه وباع دار النشر الخاصة به. إثرها فقد موطئ قدمه، وتاه في دوامة الوقت الذي يمر بلا رحمة. بدأ يراجع نفسه. ماذا فعلت في حياتي؟ يعتقد، من عرفته حقا؟ وهل كنت حقًا، حقيقيًا، ذاتي الحركة، بالطريقة التي عشت بها؟ وهذا لم يمنعه أن يهتم أيضا بحيوات ممن حوله. ويحاول مد يد العون لهم. فكل الأشخاص في حياة لايلاند هم مهمّون، وبالرغم من نجاحاتهم وإحباطاتهم فإنهم أصروا للبحث وإيجاد شيئا ما في الحياة يشعرون فيه بالانتماء. ونجح الكاتب، فعلا، في وصفه لنفسيتهم وتخبطاتهم لإيجاد ذاتهم والقيام بما يجدون فيه أنفسهم، كابنته صوفيا، الطبيبة التي أصبحت صانعة أفلام وثائقية وابنه، سيدني المحامي الذي أبدع في الترجمة.
يبدو أن كل هذه القصص المتداخلة تحمل نقطة مرسييه الأساسية؛ النزعة الإنسانية: وهي اقتناعه بأن الكتابة تساهم في عملية معرفة الذات، مثل التحليل النفسي. كل من يكتب يحصل على صورة أفضل عن نفسه، فإن المخيلة هو المكان الفعلي للحرية، والطريقة التي نعيش فيها؛ الطريق إلى الاستقلال الداخلي. وهذا الاستقلال يعتبر الحجرة الأولى لكرامة الانسان ولا نصل إليه بدون معرفة الذات.
عندما تم اكتشاف الخطأ الطبي، غادر لايلاند تريست إلى لندن. واتضح أن لديه مستقبلا مرة أخرى. فمن خلال السارد العليم وأيضا الرسائل إلى زوجته المتوفية، عاد بذاكرته إلى الماضي، بالمعنى الحرفي والمجازي. زار أكسفورد، الجامعة التي تركها كطالب ليصبح حارسًا ليليًا في أحد الفنادق. هناك نما حبه الكبير للغات، منهم اللغة العربية والمالطية وكل لغات دول البحر الأبيض المتوسط. كما ترجم كتابه الأول. وتتذكر لقاء حبه الكبير، الصحفية الإيطالية ليفيا، التي تولت إدارة دار النشر بعد وفاة والدها، واضطروا لمغادرة لندن والانتقال إلى تريست مع طفليهما. كان لايلاند مترجما قبل أن يترأس دار النشر بعد وفاة ليفيا. لكنه عاد إلى لندن ليستلم منزلا ورثه عن عمه، أستاذ اللغات الشرقية، الذي ترك له رسالة يدعوه فيها إلى الكتابة بكلماته واستعمال صوته الأصلي، بعدما كان لايلاند مترجما لعقود، يُعير كلماته وصوته لكتاب آخرين. ولا ننسى أن مرسييه يعير اهتماما كبيرا لأهمية اللغة. وروايته هاته عبارة عن تقدير وثناء يوجهه للمترجمين والأعمال المترجمة.
وأخيرا استعمل لايلاند صوته الأصلي، وشرع في كتابة رواية مكتشفا متعة التأليف والاستقلال الذاتي.