قبل أيام كنت أتـحدث مع العزيز الكاتب رزاق عبود عن البصرة في أيامها الخوالي (ستينات وسبعينات القرن الماضي ) قبل أن يستوطنها البعث بثقافته السيئة التي تركت بصماتها العفنة في كل مناحي الحياة ليأتي بعده الأسلام السياسي ويقود المدينة ويقضي على كل ما لم يستطع البعث تدميره ليكمل القضاء على كل مباهج الحياة التي كانت تعيشها المدينة سابقأ.

من ضمن ما تذكرناه ،معالم المدينة وشخوصها في مختلف مناحي الحياة (الأدبية والرياضية والفنية ......الخ) ومن بعضها كانت حكايات المدرسين المخلصين للمهنة وللطلبة  واليكم هذه الحكاية التي عشتها في العام الدراسي 1975-1976 وفيها كنت طالب  في الصف السادس الأعدادي (أعدادية العشار)

-بسبب النشاط السياسي لمجموعة من الطلبة اليساريين والشيوعيين جرى جمعنا في شعبة (صف ) خاصة وترتيبها كان رقم ستة بالشعب وبالنسبة لنا لم تكن هنالك قضية كبيرة رغم المضايقات والمراقبة من الأدارة أو طلبة الأتحاد الوطني البعثي. مشكلتنا كانت في مادة الأنكليزي حيث الأستاذ المرحوم لورنس وهو المدرس الوحيد في هذه المادة لطلبة السادس الأعدادي لا يستطيع أخذ أكثر من خمسة شعب بسبب ساعات الدوام (بقية المواد لم تكن هنالك مشكلة لتوفر أساتذة ). بدأ الدوام ونحن بلأ مدرس والأدارة توعد بتوفير المدرس ولكن دون نتيجة أنقضى شهر ونحن على هذه الحالة وبدأ القلق يساورنا خاصة وان السنة فيها أمتحان بكالوريا ويحدد مصير ومستقبل كل منا أضافة الى ألأنقطاع المبكر للطلبة  عن الدوام تحضيرأ للأمتحانات الوزارية.

كان لدينا بالمدرسة مدرس الرياضة الأستاذ يعقوب عبد الرزاق (تمنياتي له بالصحة وطول العمر) الذي يعيش الأن في الأمارات هربأ من أعمال الأحزاب الدينية وهو من الشخصيات الوطنية (شيوعي سابق) والذي رغم عدم عمله السياسي منذ سنوات طويلة لكنه لم يسلم من مضايقات البعث (أستدعي لدائرة الأمن أخر مرة قبل سقوط الطاغية باربعة أيام) تحرك شخصيأ وطلب المساعدة من أستاذ تربطه به علاقة صداقة وأسمه سعد ناصر. هذا الأستاذ كان مدرسأ للغة الأنكليزية في أعدادية أبو الخصيب وأخبره بالمشكلة. الأستاذ سعد وافق على المساعدة والتي تعني ما يلي:

*تدريس الصف طيلة السنة دون مقابل مادي

*خسارة مادية يومية بسبب التنقل من العشار لأبو الخصيب

*مغامرة غير مأمونة بسبب قصر الفترة الزمنية للدراسة (أنقضاء أكثر من شهر بالسنة الدراسية) وبالتالي ممكن تسيء لسمعة ألأستاذ.

-الأستاذ سعد وفي أول درس معنا وضع خطة في كيفية علاج الفترة الزمنية المفقودة وتمثلت بتقديمه لنا درس أضافي يومي من الساعة السابعة صباحأ لنلتحق فيما بعد في الساعة الثامنة ببقية الدروس العادية أضافة الى الدرس الذي بالجدول الأسبوعي .

-أستمر الأستاذ سعد بتدريسنا ساعة صباحأ حتى وصلنا الى نفس المستوى الذي كانت عليه بقية الصفوف وعندها توقفنا عن أخذ الحصة الأضافية.

-أكمل الأستاذ سعد معنا السنة الدراسية وربطتنا به علاقة من نوع خاص زادها قربأ طبيعة تناغم الافكار بيننا نحن الطلبة والاستاذ، بدوره جعل الدروس كحلقة للتثقيف بالعلوم الآخرى الأقتصادية والسياسية ولكن بطريقة غير مباشرة أضافة الى ان تدريسه كان يتصف بالتحرك على نماذج غير كلاسيكية.

-الطلبة لم تضيع جهد الأستاذ وتعبه هباءأ حيث كانت نسبة النجاح ممتازة بهذه المادة لعموم الصف والذي أفرحه كثيرأ.

-كلمة أخيرة أقولها للأستاذ سعد ناصر، ما فعلته بعام بقي محفورأ بداخلي طيلة العمر فشكرأ لك على موقفك النبيل وشكرأ لكل من ساهم ويساهم بتقديم الواجب واكثر، وتبقى أجيال العطاء في السنوات الماضية ذات بصمة واضحة في المجتمع الذي تغير بشكل كبير، وقلما تجد الأن أناس لديهم نفس الضمائر النظيفة مثل السابق رغم أنني الأن أرى بهذا الجيل من الشباب الجديد الذي لم يتلوث ضميره بوساخة البعث ومن بعده بسلوكيات الآحزاب الدينية بذرة خيرة تحتاج الرعاية من الطيبين لكي يأخذ هذا الجيل من الشباب على عاتقه مسؤولية بناء المجتمع الجديد الخالي من العلل لكلا الحقبتين (البعث والأسلام السياسي).

عرض مقالات: