ليطلع العالم والشعب العربي عامة والشعب العراقي خاصة وهذه الاجيال التي لم تر ما فعله البعثيون الظلاميون عند استلامهم السلطة للمرة الاولى عام (1963)، وليقارنوا بين ما فعلوه آنذاك وما فعلوه في فترة حكم القائد الضرورة (هدام العراق) وما يفعلونه الان بعد التغيير، فسيكتشفون ان هناك بعثا واحدا لا فرق بين يساري او يميني، كما ان ليس هناك نازيون شرفاء ونازيون مجرمون، فالبعث هو البعث، ولن يخرج العراق من محنته حتى تُستأصَل افكاره وجذوره من ارض الوطن كما فعلت المانيا مع النازية وايطاليا مع الفاشية.. لو تصفحنا بإمعان ودقة تاريخ الاحزاب الوطنية الماركسية، والشيوعية خاصة، للاحظنا ان هذه الاحزاب، ومنذ نشوئها، تعرضت الى اسوأ مظاهر العداء والقسوة.. المطاردة والتهديد والترهيب والعدوانية بشتى صنوفها. القتل والتعذيب والاغتصاب. وتقديم قوافل الشهداء...ولم يتعرض حزب شيوعي في كافة انحاء العالم الى الحقد والكراهية والى اساليب جنونية سادية حاقدة مثلما تعرض له الحزب الشيوعي العراقي بكوادره ومنظماته.. ..لقد تعرض عبر سفر نضاله الشاق الطويل الى ابشع حملات الابادة الجماعية والتصفيات الجسدية والسياسية بحق اعضائه، وفترة البعث التي استمرت منذ (8شباط /63حتى 18 تشرين) من نفس السنة فترة التسعة اشهر والتي لاقى فيها الشعب العراقي بكافة انتماءاته الوطنية والقومية والمذهبية صنوفا من الارهاب والقتل والمطاردة والتعذيب ما لم ير الشعب العراقي ولا شعوب العالم لها مثيلا ..
بعد انبثاق ثورة الرابع عشر من تموز وتحقيق الاستقلال الناجز شعر العراقيون ولأول مرة في تاريخهم المعاصر ان العراق للعراقيين جميعا بعد ما كان نهبا وتسلطا من قبل الاحتلال و الاقطاع، وان السلطة منهم واليهم في بلد موفور الخيرات. فتحققت الانجازات الكبيرة مثل الخروج من حلف بغداد و اصدار قانون الاصلاح الزراعي والقانون رقم 80 الخاص بالنفط، والانجازات التي لا تزال شاخصة الى يومنا هذا ..كل ذلك لم يرق لأولئك العملاء وبعض دول الجوار فباتوا يحيكون المؤامرات لاغتصاب ثورة الشعب ..وتحققت مآربهم في ذلك اليوم المشؤوم والايام الدامية التي عاشها شعبنا بمرارة وحرقة والم ومعاناة. وقد عانى الحزب شان غيره من القوى الوطنية الكثير من الاضطهاد والملاحقات المريرة التي بلغت حد اعدام قادته وتصفية رموزه والالاف من كوادره واعضائه، سواء كان ذلك في الحكم الملكي او في ظل الدكتاتوريات المتسلطة على رقاب الشعب وخاصة جلاوزة النظام العفلقي، وافلح بفعل ما استخدمه من اساليب الارهاب الدموي الفظيع واساليب الدعاية المظللة. ولكن بفضل وحدته التنظيمية وصلابة رفاقه وصمودهم اللامتناهي ودعم الجماهير الشعبية والتضامن الاممي له استطاع ان يجتاز كل المحن.. مقدما اغلى التضحيات بالتفاني والصمود والاصرار على صوَن المبادئ والدفاع عنها بضراوة ..من خلال تقديم رتل كبير وعظيم من الشيوعيين البواسل الذين مجدوا شعبهم وحزبهم (حزب الطبقة العاملة )بتضحياتهم الجسام باعز ما لديهم هو الشهادة، واثبتوا للعالم ولجلاديهم بان (الشيوعية اقوى من الموت ..واعلى من اعواد المشانق) وباصرارهم على ثبات مبادئهم التي صاغها المعلم الاول( فهد ) لم تنل قوى الظلام والارهاب منهم لان تضحياتهم تجسد ارادة الجماهير وضمير الشعب الكادح.......
في مثل هذه الايام قام نفر ضال من الظلاميين وبمساعدة الاجنبي الذي حملهم في القطار الامريكي حسب اعتراف قادته ومباركة ودعم حكام العرب الاقزام، استطاعوا ان يسرقوا الثورة وانجازاتها العظيمة من الشعب الذي تنفس الصعداء. واحالوا البلاد الى ظلام دامس، حيث كان شعارهم الهمجي ابادة الشيوعيين ومن يأويهم من المناضلين الوطنيين وانصارهم ,, فامتلات السجون والمعتقلات بالمناضلين من الرجال والنساء والاطفال ومن كافة الاعمار، واعدم الكثير من مناضلي الحزب الشيوعي العراقي, والابرياء من كافة فئات الشعب، ومورست بحق المعتقلين كافة اصناف التعذيب والتهديد والترهيب والابتزاز والاغتصاب.
ان انقلاب شباط الاسود انقلاب تقليدي امريكي نفذ بالتعاون مع دول الجوار والجهات البريطانية ذات العلاقة وخاصة مصر العروبة، وقد قابلت هذا الانقلاب بعين الرضا والارتياح للاجراءات القمعية للاعدامات والتصفيات الجسدية ..كان هدفها الخسيس .اغتصاب الثورة ومكاسبها العظيمة. ونجحت بالاطاحة بالثورة الفتية وتصفية رموزها الوطنية وقائدها الشهيد عبد الكريم قاسم والنخب العسكرية التي ازرته وضرب الشيوعيين بمنتهى القسوة ..وتجسدت ضربات الانقلابيين بتعذيب الشعب واذلاله وتجريد العديد منهم من كيانهم وهويتهم الوطنية ..وتحويلهم في مراكز السجون والمعتقلات الى حيوانات طيعة ..وصفيت قياداته جسديا بعد أن اقتيدوا الى اقبية قصر النهاية واقبية الحرس القومي ومنفى نقرة السلمان ليمروا بتجارب رهيبة ومعاناة قاسية ربما هي الاصعب والاقسى مما واجه الانسان العراقي..ولم يستطيع الخروج من تلك الزنازين والاقبية المظلمة الحالكة الا من نال الشهادة ونقل الى اماكن مجهولة لدفنه في مقابر جماعية ...وكان منهم من يتمنى الموت تحت سياط التعذيب حتى لايضعف قدر المستطاع امام تلك الاساليب الفظيعة ..بعد ان صار الموت هو المرتجى الوحيد للخلاص من هذه المواقف المشينة للتعذيب ..وكأن المتنبي كان حاضرا (كفى بك داءً ان ترى الموت شافيا...وحسب المنايا ان تكن امانيا) بحيث صار الموت حلم الذين اوقعتهم الظروف تحت ايدي عديمي الانسانية، وما قام به الانقلابيون فاشيو العصر يعد نموذجا جديدا للفاشية ..فقد تحولوا الى حيوانات كاسرة مفترسة تحركهم شهوة القتل والدم والانتقام وتسيطر عليهم الرغبة الشيطانية في التلذذ بالتعذيب والتنكيل والاغتصاب واراقة الدماء..(عمل حزب البعث العفلقي وميشيل عفلق بالذات الذي قدم الى بغداد في الايام الاولى للثورة على تحطيم جبهة الاتحاد الوطني واثارة الصراعات بين القوى السياسية باسم العمل مع الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، وشرع في العمل لتدبير المؤامرات ضد الثورة وحكومتها بتاييد من حكام القاهرة، ووجدت الدوائر الاستعمارية فرصتها للتحرك ولدس عملائها في صفوف الحزب العفلقي وبعض القوى القومية الاخرى ودفعهم الى تكثيف الهجوم على الشيوعية والشيوعيين ) وعندما وقع الانقلاب الاسود وقف الحزب الشيوعي ضد الانقلاب الرجعي المشبوه وخاض مع الجماهير معارك مسلحة في بغداد وباقي المحافظات وسيطر الفاشيون على الوضع من خلال اجراءاتهم التعسفية وشعاراتهم الزائفة ..واصدر البعث العفلقي البيان رقم (13) الذي يخول الحرس القومي والبعثيين و مؤيدي الانقلاب من العناصر الرجعية الموتورة والاقطاع.. حرية ابادة الشيوعيين حيث ما كانوا ..وعلى اثر ذلك انطلق الحزب العفلقي في حملة اعتقالات هائلة وشرع بعمليات التعذيب في المعتقلات والمواقف واتخذ من قصر الرحاب (قصر النهاية)وفي اماكن عديدة من العاصمة اماكن لتعذيب وقتل اعداد كبيرة من كوادر واعضاء الحزب وفي مقدمتهم سكرتير الحزب الشهيد (سلام عادل ) ورفاقه وقادة الثورة ..ومع تلك الاجواء القاسية صمد الحزب الشيوعي ببطولة وخاض مع الجماهير المنتفضة معارك مسلحة ضد الانقلابيين .ودعا الى مقاومتهم، وتنبا الحزب بان عمر الانقلاب لن يطول كثيرا..وصمد الحزب في تلك الظروف المأساوية وزاول نشاطه واحتفل بذكرى تأسيسه الـ (29) في تلك الظروف القاهرة ..مثلما حدث في الناصرية مما اثار فضول العفالقة فجن جنونهم وثارت ثائرتهم في ذلك الوقت، بعد أن ظنوا انهم ابادوا الشيوعيين وارسلوهم الى السجون والمعتقلات.
سيتشرف التاريخ العراقي النضالي ببطولة وبسالة اولئك العظام الذين ستبقى اسماؤهم اللامعة مصابيح تنير دروب السائرين نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والعيش الرغيد في وطن معافى ينعم بالسلام والامان في دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع.