عندما نقلب صفحات التاريخ القريب لبلادنا، وطن النخيل ودجلة والفرات. هذه الارض التي تمتد عميقا في التاريخ والتراث والحضارة؛ عندما نقلب صفحات التاريخ ويطل المرء على أحداث الثامن من شباط عام 1963، يصاب بالصدمة، وتعتريه موجة من الغضب والتساؤل المشروع ، ماذا كان الهدف من تلك الهستيريا الفوضوية في استباحة دماء المناضلين من الشيوعيين والوطنيين ورجال العلم والأدب والثقافة؟ لماذا تصوب البنادق إلى صدور أبناء العراق من العسكريين وقادة الجيش والجنود؟ لماذا يتنمر البعض على ابناء شعبهم؟
من عاصر تلك الأيام السوداء ، وعاش أيامها وساعاتها المعبأة بالموت والرصاص والسجن والاعتقال والمطاردة ، ومن استذكر تلك الليالي المشحونة بغيوم سوداء مجنونة ، أمطرت حقدا ودماء ورصاصا ، لا شك في انه سيستعيد الرعب والظلم والإرهاب، لكنه في المقابل سيتذكر ذلك الصمود البطولي لرجال وهبوا حياتهم لشعبهم ووطنهم، وواجهوا ذلك الهجوم والإرهاب والحقد الهمجي، بقلوب مؤمنة بمسارها البطولي وتاريخها الناصع، وإيمانها الكبير بنضالها وحبها وتوهجها، فكانت مواقف أولئك الرجال الأفذاذ، وهم يواجهون ذلك الحقد والإرهاب والعنجهية والتسلط الأسود ، مداداً من الفخر والمجد والخلود ، حتى أن أوباش الحرس القومي كانت قد أعيتهم الحيلة في كيفية التعامل مع تلك القامات الشامخة، والبطولات والقيم والمثل والمبادئ الراسخة، ولم يظفروا من تلك القامات من المناضلين بشئ، مما أوغر صدورهم حقدا، وازدادوا إيغالا في دماء المناضلين الأبطال.
كان الأوباش الحرس القومي وقيادتهم الفاشية المجرمة يتصورون ان بإمكانهم ان يسحقوا الحزب الشيوعي العراقي، لكنهم لم يدركوا بعد ان الشيوعيين هم ملح هذه الأرض وسمادها وأريجها، أنهم نخيل العراق الباسق، وماء الفرات ونسيم دجلة وأحضان الرافدين. وإذ نستذكر تلك الأشهر التسعة من تاريخ العراق الحديث، وما لحقها وأضيف إليها من سنوات الاضطهاد والتعسف والإعدامات والمقابر، والتي امتدت لأربعة عقود من الزمن، فتبدو الصورة كالحة؛ سنوات المحل والجدب والانقطاع عن المعرفة والثقافة والعلم، وتراجع العراق وهو يدخل الحروب والنزاعات مع دول الجوار، وما أصاب المجتمع العراقي من تدهور وتخلف وتراجع كبيرين، وانحسار مريع في القيم والأخلاق.
ان من يضع نفسه في خانة العداء للشيوعيين بشكل خاص، ويسلك طريق القمع والإرهاب والتسلط، تكون نهايته معروفة، والتاريخ شاهد على هذا. فقد كان نظام البعث المجرم، والذي جثم على بلادنا طيلة أربعة عقود ذهب إلى مزبلة النفايات واندثرت تلك الوجوه الكالحة، وبقي الشيوعيون بقاماتهم الشامخة ورؤوسهم المرتفعة وتاريخهم الناصع.
واذ نستعيد ذلك اليوم الأسود 8 شباط 1963، إنما نستعيد تاريخا ملطخا بدماء المناضلين وأبناء شعبنا المخلصين لوطنهم. كما نستذكر تلك المواقف البطولية لقادة الحزب الشيوعي العراقي وهم يصفعون أوباش الحرس القومي ومجرمي شباط، بصمودهم وموقفهم البطولي والتحدي الرجولي لجميع الممارسات الإرهابية والقمعية والإجرامية، وثباتهم في مواجهة ذلك المد النازي الفاشي الإرهابي الأسود.
ورغم مرور أكثر من نصف قرن على تلك الجريمة الإرهابية المروعة، إلا أن أذهان العراقيين ما زالت مليئة بتلك الصور الظلامية والوقائع السوداء الكالحة، والمجازر الدموية المروعة. وسيظل التاريخ يذكر أولئك الأقزام الذين استباحوا بلاد الرافدين، وأهدروا الدماء البريئة وتلطخت أياديهم السوداء بدماء العرقيين الشرفاء من الشيوعيين وأنصارهم ومؤازريهم والوطنيين المخلصين وأساتذة الجامعات والأكاديميين وغيرهم.
الخزي والعار للفاشست من أزلام البعث المجرم، الذين استباحوا عراقنا، وأوغلوا في دمائنا وأطلقوا العنان لجلاوزة الحرس القومي بملاحقة الشيوعيين وإبادتهم، كما جاء في بيان رقم 13 المشؤوم.
المجد والخلود لشهداء الحركة الوطنية والحزب الشيوعي العراقي، الذين تحدوا جبروت الأقزام وتسلطهم وإرهابهم.
المجد لقادة الحزب الشيوعي العراقي .. الذين وجهوا صفعة قوية للرجعية وأعداء العراق والشعب والتاريخ. وسيبقى سلام عادل ورفاقه ، خالدين في ضمير شعبنا ..