تتعدد سبل النضال التي يتطلبها انقاذ البلد الذي رمته مقادير الزمن الرديء في جهنم المحاصصة، التي لاتبشر الا بتقسيمه طائفيا وقومياً وافقار اغلبية شعبه الابي.. وليس من الصواب التفاضل بين هذه الطرق، او التسمر على ناصية احداها إنما كان قد تم ذلك موضوعياً بعد ان اختبر المسلك الكفاحي الذي يضمن أقل الخسائر. بمعنى أوضح، قد أصبح مكتسباً تزكيته من خلال التجارب المحكومة بظروفها من حيث المكان وزمان.. لابد ان نقوم باستدعاء ما تمت من مخاضات عن الاحداث التي مرت خلال عشرين عاماً التي شهد لها التاريخ لكي نؤكد خيبة الاختيارات التي اشبعتنا فشلاً.

هل أصبحنا مدعوين ان نقارن بين اساليب النضال ام ان شعبنا قد غلق صفحة الاختيار، لكونه قد نضجت لديه الرؤية واكتسب المعرفة الصائبة في تحديد سبيل نيل مبتغاه بالتحرر من قوى الظلم والهيمنة طيلة عقود دامية مر وما زالة يمربها مكابداً الامها.. فهل تضمن سبل النضال الجماهيري للتغيير التي تتجسد في حراك الشارع السلمي، أقل الخسائر المادية والمعنوي بالمقارنة مع جنبها الآخر المتمثل بالانتخابات، التي تصنف ضمن الوسائل السلمية ايضاً، لكونها تقتصر خسائرها على الحصيلة السياسية واالمعنوية في الاغلب.

ستتضح الصورة عندما نعود لنتلمس نتائج انتفاضة تشرين الدامية ونقارنها بنتائج الانتخابات وخسائرها المعنوية، وهنا لابد من ايضاح قد غدا مهماً، لا يعني ان النضال من خلال حراك الشارع بات ليس واقعياً!!. انما لا يحظى راهناً بتوفر  مستوى ضروري في اختمار الوضع الثوري لدى الجماهير، وتجربة الانتخابات التي بينت خمود النهوض الجماهيري خير دليل، ليس هذا فحسب، بل انعدام توفر القيادة الثورية الصلبة البنيان المحنكة سياسياً، التي تحسب لكل رد فعل متوقع ازاء اية نبضة نضالية في حراك الشارع الف حساب. فعندما تحسب الانتخابات باعتبارها الوسيلة الوحيدة المتوفرة للتغيير رغم كونها مخطوفة بالسلاح المنفلت، لا يعني عدم التفكير بالوسائل الاخرى الاكثر صواباً منها.. انما تراكم عوامل النهوض لم تصل إلى مستوى مهمة التغيير في اللحظة الراهنة.

اذن ينبغي العمل على رفع الهمم وفقاً لمتطلبات المواجهة، ولدينا شاهد انتفاضة تشرين العارمة غير انها لم تتسلح بالوعي الثوري وكانت مصابة بفقدان القيادة الجديرة واضحة الرؤية ومدركة لأفق مسيرتها التي ينبغي ان تمتلك حصانة " كونكريتة " حيال الاختراقات من جحافل اعدائها. وكما ان ما يدعو إلى اعتبار الانتخابات الوسيلة الوحيدة للتغيير، فهو يشكل دافعا على ضرورة التحرك في غضون عشية حتمية التغيير لتضميد جراح الانتفاضة، كمرحلة نقاهة استغلالاً لخضم الحراك السياسي في الانتخابات او غيرها، وبالتوافق مع بناء اساسيات التغيير المدروسة.

تتوجب الاشارة إلى الدوافع التي تدعونا للقول: ثمة "حتمية التغيير " لأن مخاضات تراكم اسباب الانفجار امست متسارعة وضاغطة كانعكاس لتصاعد الظلم، نتيجة لسوء ادارة نظام المحاصصة المنتج لافقار الجماهير الواسعة بالمقابل انتفاخ ثراء القلة الحاكمة، وهذا ما يؤشر إلى نشوب صراع طبقي خطير بين الاغلبية الفقيرة والقلة الحاكمة. وفي مثل هذه المرحلة ستفرض نفسها كافة وسائل النضال بمختلف مستوياتها سواء كانت سلمية بأقل الخسائر او بأكثرها وصولاً إلى الوسائل العنفية. وان الفيصل بينها هو مستوى النهوض الجماهير الواسع ذات البعد الوطني الشامل الغاضب على تردي اوضاع البلاد والعباد. الذي لن يجعل المنتفض متوجساً الفشل هذه المرة قطعاً. حيث سلحته انتفاضة تشرين الباسلة بأرقى تجربة نضالية..  

عرض مقالات: