بعد سبات دام لأكثر من عشر سنوات عادت المحافظات لانتخاب مجالس لها ، ما عدى محافظات إقليم كردستان العراق، وتمت هذه العملية يوم 18 كانون الاول 2023، ولما انتهت وقبل ظهور نتائجها، كانت توقعاتي بفوز الشيوعيين ضمن قائمة قيم المدنية، متواضعة بسبب القوى المنضوية ضمن هذا التحالف قياساً للأحزاب والتحالفات السياسية الكبرى الاخرى في المقابل ، كنت قد توقعت فوز ثلاثة شيوعيين وخاصة رفيقتنا بشرى جعفر في بغداد ورفيق في الحلة وآخر في القادسية، لكن الحظ لم يحالفهم للأسف وهذا بالتأكيد مرتبط بعوائل ذاتية وأخرى موضوعية، وحول حزبنا الشيوعي العراقي فإنه سبق له وأن شارك في انتخابات مجالس المحافظات او الانتخابات العامة على مستوى العراق وفاز في عدد من المحافظات وخاصة في بغداد العاصمة، ولو ان هذا الفوز كان محدوداً ولا يتناسب مع حجم الهيكل الحزبي وجماهيرية الحزب وتاريخه النضالي على المستوى الوطني، ومن هنا لابد للخوض بالجانب الذاتي الخاص بالحزب حيث ان حملتنا كانت قد اشتغلت اذا جاز التعبير على الناس المثقفين وليس عامة الشعب كما هو المطلوب إلاّ نادراً، ثم انه ليس عند الحزب الاموال الكافية لإنفاقها على الدعاية الانتخابية وأكيد ان حزبنا لا ينافس ما صرف من أموال من قبل الاحزاب الاخرى القابضة على مفاتيح الحكم وبيدها الاموال الطائلة السائبة ،؟ والحملة تحتاج لصرف الملايين لكي تصل لأوسع القطاعات الجماهيرية لغرض كسبها للتصويت لمرشحينا ومع هذا فأن مرشحتنا في بغداد الرفيقة بشرى ابو العيس حصلت على 1400 صوت فقط ...! بينما في انتخابات سابقة حصل الرفيق رائد فهمي سكرتير الحزب على أكثر من 19000 صوت وقبل ذلك حصل الرفيق ابو احلام عضو المكتب السياسي حينذاك على أكثر من 17000 صوت! فكيف تدنى التصويت للرفيقة بشرى الى هذا المستوى الهابط ...! ام أن اياد غير نظيفة تلاعبت بالأعداد المصوتة لها وحذفت بعضها حتى لا تفوز ...! هذا الشيء أيضاً وارد في وضع سياسي مربك تعمه الفوضى في العراق ..وهناك عامل ذاتي آخر هو ليس لدى حزبنا العدد الكافي من المراقبين ووكلاء الكيان السياسي لمراقبة اداء المفوضية منذ الساعات الاولى للتصويت ولحد الساعة الاخيرة حيث لاحظ رفاقنا حصول الكثير من الخروقات والتجاوزات في كل مراحل التصويت والتأثير على توجهات الناس، وذكر لي احد الكوادر من بغداد الى انه حينما وصل لمركز التصويت شاهد عددا من الشباب يروجون لقائمة تخص نوري المالكي وبشكل علني مما حدا به لإخبار الحرس وهم من الشرطة بهذه الممارسة الخاطئة وأمام أعينهم !! لكنهم لم يهتموا للأمر وقال له أحدهم.. ان هذا لا يهمنا.! وهناك نقطة تخص الجانب الذاتي وهي عزوف الكثير من الناس عن المشاركة، وهؤلاء هم أما ضد الاحزاب والمليشيات الاسلامية او انهم من الجماهير المدنية الديمقراطية مما أضعف نسبة المشاركين بشكل عام ثم ان هناك انقساما واضحا حول المشاركة من عدمها داخل الوسط الحزبي الذي ادى الى عزوف الكثير عن المشاركة او ان بعض الشيوعيين صوتوا الى قوائم اخرى!! علما ان قيادة الحزب شعرت بذلك قبيل اجراء عملية الانتخاب وحذرت من مغبة ذلك وإنها سوف تتخذ اجراءات انضباطية بحق المخالفين لكن بعضهم لم يهتم للأمر وصوت لقوائم أخرى او أنه لم يشارك في العملية ! ، كما ان العملية عموما وقبل يوم التصويت كانت ضعيفة ولم تتم الاستفادة من قبل المرشحين للظهور بالفضائيات كما فعل مرشحو القوائم الاخرى وهذه طبعا تحتاج الى مال ونفوذ وتأثير من الحزب وايضا ان تتقبل الوسائل الاعلامية مرشحينا وتنشر الدعاية لهم ثم ان حزبنا يحتاج الى دراسة مزاج الناخب اي المواطن غير الحزبي في كل انتخابات ويبني عليها مواقفه وتوصياته في المراحل اللاحقة، وحول تحالف قيم بشكل عام فهو ليس له تأثير جماهيري واعلامي ولم يقم بأي تنسيق بالتثقيف وتوعية الناس ببرامجهم وتوجهاتهم الانتخابية إلا ما ندر وعلى نطاق ضيق لم يشمل رقعة العراق بشكل كامل، على الرغم من ان في هذه الانتخابات لم تطرح برامج سياسية والناس اصلا صارت غير مهتمة بالبرامج السياسية بل ان ما يهمها الخدمات بشكل اساسي وهنا تعتقد الناس ان الاحزاب الحاكمة يمكن ان تحققها لها لذلك توجه غالبيتها لانتخابها وعادت من جديد كما كانت لتتسيد المشهد برمته ، بالوقت الذي تدرك فيه هذه الجماهير اخفاقات هذه الاحزاب والكتل وروائح فسادها التي ازكمت الانوف ..! وحول العوامل الموضوعية فهي لا زالت على حالها والتي قاطع بسببها الحزب الشيوعي الانتخابات العامة السابقة فلا زال المال السائب بالمليارات يوزع كرشى وكسب ذمم المزيد من المؤيدين ولا زال الانفلات بالسلاح و الاحزاب الماسكة به تشترك في الانتخابات دون رادع وهناك ملاحظات جدية على المفوضية واعضائها وعلى قانون الانتخابات وقانون الاحزاب وغير ذلك، بل ازدادت تفاقماً ، لكن الشيوعيين قرروا المشاركة بها على الرغم من كل الظروف آملين بأن القادم سيكون أفضل، وكما يشير حزبنا في بيانه الصادر في 24 كانون الاول 2023 حول النتائج الاولية للانتخابات ب ( ..وإذ لم ترتقِ النتائج المعلنة إلى ما كنّا نطمح اليه، نعبّر عن تثميننا العالي للجهودِ الكبيرة التي بذلها رفيقاتُنا ورفاقُنا المرشحون وكذلك النشطاء في الحملة الانتخابية ومنظمات الحزب والداعمون له في التعريف بحزبنا الشيوعي ومواقفه ومشروعهِ للتغيير الشامل وكذلك بالتيار الديمقراطي وقوى التغيير الديمقراطية، وفي الوصول إلى شرائح اجتماعية جديدة ونسج علاقات معها، وهو ما يتطلب إدامتها وتطويرها وتعبئتها ضمن حركةٍ شعبية ضاغطة لتغيير ميزان القوى وكسرِ احتكار السلطة، وصولا إلى التغيير المنشود بتحقيق البديل المدني الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، وهذا هو الهدفُ الأبرز في الحملة الانتخابية التي خاضها الحزب الشيوعي العراقي في إطار تحالف قيم المدني.)..ومن هنا لابد لهذا التحالف من الاستمرار وتقوية نفوذه بين الجماهير ودراسة هذه التجربة التي أخفق فيها او التي لم تكن بمستوى الطموح للتهيؤ للانتخابات البرلمانية القادمة برؤية جديدة تفتح أمام الحزب وحلفائه ابواب النجاح خدمة لمصالح الشعب العراقي الذي يطمح للتغيير المنشود في ان يأخذ العراق مكانه اللائق أمام دول وشعوب العالم ويكون قدوة ومنارة للتأثير في دول أخرى وخاصة الصديقة منها ..

عرض مقالات: