إن الحديث عن تشريع قانون (حق الحصول على المعلومات) والذي استمر نقاش المهتمين به من منظمات او قانونيون مع غيرهم من المهتمين لسنوات قريبة، وتم التأكيد على ضرورة تشريعه لسنوات متتالية من قبل البرلمانيين او الحكومة. وهو الذي يرتبط بحق المواطن والصحافة ومراكز البحوث والدراسات لمعرفة مخططات مؤسسات الدولة وتعاقداتها او الاتفاقات التي تعقدها، كذلك المشاريع الاقتصادية التي يتم تنفيذ مراحلها وغير ذلك من اعمال وخطط يكتمل انجازها وغير ذلك. والآن يتجدد الاهتمام بضرورة تشريعه.

من جملة الاهتمامات من قبل منظمات المجتمع المدني والتي قدمتها وتواصل تقديمها كبحوث ودراسات وأراء تتعلق بتحليل مشاريع عديدة تم تقديمها للبرلمان لهذا وضمن سياق تقديم ملاحظاتنا إلى البرلمان نقدم الاسس التي يفترض ان يتضمنها مشروع القانون المزمع تشريعه في البرلمان.

مقدمة         

لقد أصبح موضوع حق الحصول على المعلومة من الموضوعات الحقوقية ضمن أولويات المنظمات المهتمة بالحكم الديمقراطي؛ حيث أن لهذا الحق مقدمات فلسفية وتحديد معايير تطبيقية عامة دولية او اقليمية يمكن تضمينها القوانين الوطنية للسير بالقطار الديمقراطي نحو التنمية المستدامة للوطن وللمواطنين وبناء دولة أكثر استقرارا وشفافية.

كما نجد أن ظاهرة التوسع في البحث عن هذا الحق يزداد فتقدم حوله دراسات ذات أبعاد متعددة التوجهات حيث انه حق ذو اهمية في الحياة السياسية، الديمقراطية، الاقتصادية، الادارية والقانونية .... الخ.

لذلك فقد أورده العديد من المواثيق الدولية من منظور كونه أهمية قصوى له في بناء الدولة التي تستمد جزء من شرعيتها واستمرارها نحو التطور عند التطبيقات الايجابية لحقوق الانسان في كل جوانب حرية التعبير ومنها حق الحصول على المعلومات لذلك نجد إن بعض الدول قد ضمنت دساتيرها هذا الحق صراحة.

كذلك فقد احصيت الآراء القانونية والفقهية في مجموعات عديدة من الدول، فوجد ان أكثر من (80) بلداً في العالم: يعتبر أن الحق في الحصول على المعلومات حقاً دستورياً.

 اما بعض الدساتير وقد يكون لصعوبة التعديلات عليها - اي الدساتير الجامدة - اعترفت بهذا الحق عبر تشريع قوانين خاصة تنظم استخدام الحق من قبل الجمهور صاحبة الحق مع ذكر بعض الاستثناءات المحدودة حيث ان وثائق الدولة ملك صاحب السلطة وهو الشعب. لقد احصيت البلدان التي صدرت قوانين لها عن هذا الحق وجد انها (75) بلداً في العالم قد تم تشريع قانون الحق في الحصول على المعلومات لديهم.

وفيما يخص مشاريع القوانين لدى البلدان التي ما زالت لم يكتمل تشريع قانون لحق الحصول على المعلومة فإنها أكثر من (50) بلداً في العالم: تتوفر لديها مشاريع قوانين لهذا الحق.

المواثيق الدولية وتناولها لحق الحصول على المعلومة

اولا: أول وثيقة يعتبرها الدارسون لموضوعات حقوق الانسان قد أشارت إلى هذا الحق هو الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 ضمن المادة 19 منه إذ جاءت بالنص التالي:

لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

بهذه العبارات يؤكد الاعلان العالمي لحقوق الانسان منذ سنة 1948 إلى حق الاستقصاء عن الانباء اي البحث والتحري عنها مع تداولها بكل حر.

كما أكدت الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد 2003م خصوصاً في المادة (13) منها على أن الوصول إلى المعلومات يعتبر أحد الوسائل الأساسية لمكافحة الفساد وقد استندت بذلك على فكرة أن الشفافية والمساءلة هما خط الدفاع الأول ضد الفساد.

ان الممارسة العملية لهذا الحق اي الحصول على المعلومة يعتبر آلية فعالة للرقابة على الفاسدين حيث انهم سيكونون مكشوفين عما يقدمونه من معلومات حسابية، امام مجموعات تخصصية لهذا الغرض من اقتصاديين وناشطين في مجالات معرفة دقة الكشوفات والجداول وبالتالي رصد الفساد في حالة وجود تلاعب وتزوير او اختلاسات، كما ان هذا الحق يجعل امكانية اجراء التحقيقات الصحفية الاستقصائية في شأن الاموال العامة ومجالات بالضد من الاتجاهات التي تخدم محاولات الفاسدين من التكتم والسرية التي تغطي على التلاعب والتزوير وتغيير المعلومات اي الفساد المالي في المؤسسات الحكومية او القطاع الخاص من اجل إفلات الفاسدين من محاسبة القانون لهم .

المبادئ الأساسية في ممارسة الحق

لقد توصلت الدراسات التي اشتغل لها الناشطون والقانونيون، إضافة إلى مؤسسات وشخصيات اكاديمية او متخصصة في موضوعات حقوق الانسان، لخصت المبادئ والمعايير التي يمكن ان تكون منهجا للممارسة التي تساعد على تحقيق جانب من حقوق الانسان في مجال حق الوصول للمعلومات.

المبدأ 1. حد الكشف الأقصى

كما هو معلوم ان المعلومات لدى مؤسسات الدولة متنوعة جدا فالحياة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والاحصاءات الاجتماعية ثم الميزانية العامة ... كلها ذات اهمية في رسم السياسات ووضع التوجهات للتنمية المستدامة وقد تكون في وزارة الخارجية والداخلية او الدفاع وغيرها من الوزارات سلطات تقديرية للوزير ان يمنع معلومات او يحجبها بالمطلق او لمدة معينة من الزمن.

ان هذا المبدأ لا يسمح بجعل الحجب عن توفيرها إلى الجمهور واسعا وكبيرا بل بأضيق الحدود فتنحصر الاستثناءات عن حق الاطلاع في حدود ضيقة جدا، ولسبب مبرر أي ان يكون المبرر مفهوما ومقنعا؛ كمباحثات سرية ومعلومات اقتصادية لم يتم اقرارها او استكمال تخطيطها، مثل موضوعات عن منظومات دفاعية، هجومية مخترعات .... الخ

المبدأ 2. الالتزام بالنشر

كما هو بديهي ان المؤسسات تتوفر لديها المعلومات عن مؤسساتها من حيث الخطط والسياسات والبرامج، والاحصاءات عن الواقع الفعلي الذي تستند اليه في تطوير خططها، كذلك النتائج المحلية التي تنجزها، وغير تلك المعلومات، إن هذه المعلومات يجب ان تكون معلنة للجمهور ويتم تحديثها بشكل دائم، بدون النظر إلى الذين يطلبونها في وقت معين بل واجبة النشر والتحديث، حسب الوسائل المتوفرة، لكنها ملزمة بالنشر علنا.

المبدأ 3. تعزيز الحكومة المفتوحة

الحكومة المفتوحة هي تلك الحكومة التي تكون صريحة في القرارات المتخذة بالسياسات العامة التي تخطط وتعمل على تنفيذها. بالطبع فإن هذه الحكومة يجب ان توفر الادوات المعلوماتية التي تمكنها من نشر المعلومات بالوسائل الحديثة من حيث استخدام التقنيات المعلوماتية، بحيث يكون الجمهور اصحاب الحق في الاطلاع وتكون المعلومات ابوابها منفتحة لهم. اي بشفافية عالية لعملها.

ومن مزايا الحكومة المفتوحة الاهتمام بأمن المواطن مع الحرص التام على المعلومات الشخصية التي تخص المواطنين كافة.

المبدأ 4. مجال استثناءات محدود

كما ان العلنية تعتبر احدى ركائز ومبادئ الحق في الحصول على المعلومة كما لا بد من الاعتراف بوجود استثناءات اي عدم امكانية الاطلاع العام، إما لفترة محددة لو لوجود نص في اتفاقية بين دولتين، لكن هذه الاستثناءات بالضرورة لها قواعدها واسبابها المحددة وبأضيق الحدود ولأسباب تكون مبررة ومفهومة.

المبدأ 5. عمليات لتسهيل الحصول

ان حق الحصول على المعلومة لا بد ان يكون ضمن هيكلية وبناء مؤسساتي دون مزاجية المسؤول، وهذا المبدأ الخامس، حيث تكون هنالك مؤسسة تخزن وتنظم وتعالج البيانات بالسرعة المطلوبة خاصة في عصر التكنلوجيا الحديثة التي توفر الكثير من الدقة والسرعة والعلنية والوصول الاوسع، ويكون نشرها وتحليلها بنزاهة تامة لتكون قاعدة دراسات سليمة، كذلك تكون هذه المؤسسة سهلة المراجعة للجمهور طالبي المعلومات بما في ذلك ذوي الاحتياجات الخاصة.

ولا بد من الاشارة هنا في نفس الوقت الذي يكون للمواطن حق الحصول على الوثائق والمعلومات فقد تكون امكانية هنالك حالات رفض طلب الحصول على المعلومة ضمن الاستثناءات المنصوص عليها قانونا مثلا او ان حجبها لمدة معينة، لذلك لا بد ان تتأسس جهة مستقلة نزيهة للاعتراض والاجابة الموضوعية ملزمة لقراراتها وفق الحق والقانون الذي ينظم الحق.

المبدأ 6. التكاليف

عند الحديث عن الحق في الحصول على المعلومة، لا بد من معرفة ان الدولة سوف تتكلف بعض التكاليف قد تكون باهظة، وبالتالي وفق هذا المبدأ يجب ألا يتحمل طالبوا الحصول على المعلومة هذه التكاليف بحيث قد يتوقف التنفيذ الفعلي لهذا الحق ويفوت على طالبي المعلومة ممارسة جوهر الحق.

إن تطبيق ومراعات هذا المبدأ يجعل امكانية ان تكون التكاليف معقولة وضمن السياق ذاته لروح حق اي ان التكاليف تساعد على ممارسة حق الحصول على المعلومة اي تمكن الجمهور والدارسين بالانسيابية والسلاسة وبالتالي يجب ألا تحول التكاليف العالية دون قيام الأفراد بطلب المعلومات عبر تحميلهم مبالغ لا يكونون قادرين على الحصول على المعلومات لكثرة التكاليف التي يمنعهم بالنتيجة من دفعها ثم الحصول على المعلومات المطلوبة.

المبدأ 7. الاجتماعات المفتوحة

وفق المبدأ الرابع لحق الوصول إلى المعلومات لا بد ان تكون اجتماعات الهيئات العامة علنية شفافة يكون الشعب قادر على معرفة كيفية اتخاذ القرارات واسس النظام الداخلي في ادارة الاجتماعات وما هي المواد والنقاط التي تناولها وما نوقش والنتائج التي تم التوصل لها، فأصبحت الدساتير تنص على علنية جلسات بعض المؤسسات العليا، مثل البرلمان، والمحاكم.

اذن يكون عمل الهيئات الحكومية اسس اجتماعاتها ومداولاتها تحت الشمس للجميع.

المبدأ 8. الأولوية للكشف

لما كان حق الحصول على المعلومات مقرا به كمبدأ او نص لمادة دستورية او بقانون فلا بد من قوانين سابقة او تعليمات او غيرها من المنظومة القانونية حسب درجاتها بالالتزام،

ان تكون منسجمة مع الحق في الحصول على المعلومات وبالتالي بوجود تعارض بين قوانين او تعليمات او اوامر ادارية وغيرها ان يتم تعديلها وفق هذا الحق، فإزالة

التعارض بإلغاء القوانين او التعليمات وغيرها التي تتعارض مع المبدأ هذا الحق او مانعا من ممارسة هذا الحق لا بد من سيادة مبدأ الكشف والشفافية والعلنية عن المعلومات له الاسبقية والاولوية فيجب تعديل أو الغاء التعارض وفق مبدأ الاكشف الاقصى عن المعلومات

 المبدأ 9. حماية المبلغين عن الفساد

بطبيعة الحال ان موضوع الحق في الحصول على المعلومات امر لا بد ان تكون له قواعد لصالح المبلغين عن حالات الاختلالات المالية ومرتكبيها مثلا  ، وهو واحد من المحركات للكشف عن الفساد ومحاربته ، فإن ذلك لا يمنع من وجود استثناءات من حصول جرائم وفساد في بعض مؤسسات الدولة او غيرها بوجود الشفافية والعلنية ، مما يدفع الافراد في المؤسسة او غير المؤسسة كالصحافة او جهات اخرى من الكشف عن الفساد سرقات ، تزوير، تهرب ضريبي ....، الذي يحصل في مؤسسة معينة ، وبالتالي يتعرض الشخص او المجموعة الاعلامية التي تكشف التلاعب المالي إلى ضغوط وتهديد ... الخ .

فلا بد من وضع قواعد ملزمة لحماية كافة الاشخاص او المجموعات التي تعمل للكشف عن الفساد وحمايتهم من المتابعة والمسائلة وتكون الحماية بمواد قانونية ملزمة للجميع يشعر ان المبلغ او المخبر عن الفساد انه يقدم خدمة للمجتمع دون ان تكون عليه تبعات عقابية.

عرض مقالات: