بينما يُقر وزير الدفاع الأوكراني بأن أوكرانيا تنفذ مهمة الناتو، وأن أوكرانيا تخوض حربًا بالوكالة، يتجاهل مقاتلو الناتو الخسائر الأوكرانية.

  عند تقديم حزمة المساعدات العسكرية الأخيرة لأوكرانيا بقيمة 3.75 مليار دولار وهي الأكبر حتى الآن، أعلن البيت الأبيض أن الأسلحة الأمريكية تهدف إلى مساعدة الأوكرانيين في مقاومة العدوان الروسي، لكن الأوكرانيين، بوصفهم متلقين لهذه المساعدات يرون الأمر بشكل مختلف.

في مقابلة تلفزيونية قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف "إننا نُنفذ مهمة الناتو".  " إنّ دماءهم لم تٌراق، نحن الذين تُراق دمائنا، لذلك فإن من واجبهم تزويدنا بالسلاح”.  وأضاف ريزنيكوف أن أوكرانيا تدافع عن العالم المتحضر بأسره.

 إن تلقي إمدادات لا نهائية من الأسلحة من دول الناتو التي لا يُراق لها قطرة دم وإنّما فقط لإنجاز مهمة الناتو، هو أدق وصف لدور أوكرانيا في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة بالوكالة ضد روسيا. السناتور ليندسي كراهام وهو أحد أقوى النشطاء  توقع بفرح في شهر تموز ، أن تُستخدم أوكرانيا " للقتال حتى آخر رجل فيها ".

  إن تكاليف إنجاز مهمة الناتو في أوكرانيا قدد حُددت بوضوح من قبل الوزيرين الأمريكيين السابقين، كونداليزا رايس وروبرت جيتس.

اليوم يكتب الوزيران :  "إن اقتصاد أوكرانيا في حالة خراب ، وملايين الأشخاص قد فرّوا من ديارهم ، والبنية التحتية مدمرة ، والكثير من الثروة المعدنية للبلاد  والقدرة الصناعية والأراضي الزراعية الكبيرة هي تحت السيطرة الروسية. إن القدرة العسكرية والاقتصاد الأوكرانيين الآن يعتمدان بشكل شبه كامل على المساعدات الغربية - على الولايات المتحدة في المقام الأول ".

 فبدلاً من النظر إلى دمار دولة أوكرانيا التي مزقتها الحرب، والمُحتلة من روسيا والمُعتمِدة على الغرب، كسبب جدي للسعي نحو نهاية تفاوضية، يرى الوزيران رايس وغيتس ضرورة تجنّب الدبلوماسية كحل للأزمة، وحذرا من أن "بدون اختراق أوكراني كبير ونجاح ضد القوات الروسية، فإن الضغط الغربي على أوكرانيا للتفاوض على وقف إطلاق النار سوف يتزايد تدريجياُ مع حالة الركود العسكري الراهن".

 وخلص الإثنان إلى أن هذه النتيجة ستكون غير مقبولة لأن "أي وقف لإطلاق النار يتم التفاوض عليه من شأنه أن يترك القوات الروسية في وضع قوي لاستئناف الغزو".  

هذا هو أحد الخيارات، أمّا الخيار الآخر، الذي لم يذكره الوزيران، هو أن يؤدي التفاوض إلى وقف دائم لإطلاق النار.  وسيشمل ذلك أيضًا معالجة أسباب معاناة السكان الأوكرانيين من أصل روسي - الذي كان السبب المباشر للحرب في الدونباس بعد عام 2014 والتي سبقت الغزو الروسي ، بالإضافة إلى معالجة المخاوف الأمنية لروسيا منذ مدة طويلة بشأن توسع الناتو نحو روسيا وأسلحتة المتطورة على حدود البلاد.

 قال الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الشهر الماضي: "مِنْ أهم النقاط التي يجب أن نتناولها - هو ما يقوله الرئيس بوتين دائمَاً - الخوف من أن الناتو بات على أعتاب روسيا مباشرة وأن الأسلحة تُوضع في مواضع يمكن أن تهدد أمنها".

 أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن تعليقات ماكرون تذهب أبعد بكثير مما عرضته الولايات المتحدة لروسيا.  كما حدد العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين وحتى الرئيس بايدن أن "مهمة الناتو ليست الدفاع عن أوكرانيا ، بل استخدامها كوكيل لإضعاف روسيا أو  لإحداث تغيير في نظامها السياسي". وبالتالي ، يجب إلغاء آفاق التوصل إلى وقف إطلاق النار عن طريق التفاوض.

  رايس وجيتس يزعمان أن على الولايات المتحدة وحلفائها أن يُزودوا أوكرانيا على وجه السرعة بزيادة كبيرة في الإمدادات والقدرات العسكرية، ويُحذران من أن الفشل في القيام بهذه المهمة قد يؤدي إلى سيناريو يتطلّب فيه  تقديم المزيد من حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة. لحسن الحظ ، يمكن تجنب ذلك في الوقت الحالي لأن الولايات المتحدة لديها في أوكرانيا شريك مُصممْ و على أتم الإستعداد لتحمل عواقب الحرب ، وبهذا لا حاجة لنا القيام بذلك بأنفسنا في المستقبل.  وبالنسبة للحرب بالوكالة ، لا يوجد في الواقع شريك أفضل مِنْ " مَنْ هو مستعد لتحمل عواقب الحرب" التي تخوضها دول بعيدة عن ساحة الصراع.

 ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن أوكرانيا "تعاني الآن من خسائر فادحة على جبهة باخموت - سوليدار، وسرعان ما استنزفت العديد من الألوية التي تم إرسالها إلى هناك كتعزيزات في الشهر الماضي".  

يشعر المسؤولون الغربيون وبعض المسؤولين الأوكرانيين، والمحللون الغربيون، بشكل متزايد بالقلق من أن كييف سمحت لنفسها بالانجرار إلى معركة باخموت بشروط روسية ، وفَقدتْ تلك القوات  التي كانت تحتاجها في الهجوم المُخطط له في فصل الربيع ، بينما تتمسك الدولة الأوكرانية بعناد بمدينة ذات أهمية استراتيجية محدودة.

  وفقَاً لقائد أوكراني في ساحة المعركة، فإن الخسائر في الارواح بين الاوكرانيين وبين الروس تميل لصالح الروس، وإذا ما استمر هذا الوضع، فقد تصل القوات الأوكرانية إلى الحضيض.

 إن اللامبالاة السائدة بشأن عدد القتلى في أوكرانيا قد تأكدتْ مجدداً عندما ارتكبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خَطئاً كبيراً بإعترافها. وذلك في خطاب ألقته أشارت فيه إلى أن أوكرانيا فقدت 20 ألف مدني و 100 ألف جندي منذ بدء الغزو الروسي في فبراير 2022.  وعلى أثره اشتكى الجيش الأوكراني من أن هذه معلومات سرية ما كان ينبغي البوح بها، مما دفع مكتب رئيسة المفوضية إلى التقليل من الأرقام الواردة في مقطع الفيديو الخاص بتصريحاتها.

 لذلك وبعد مرور أكثر من عام على بدء الحرب، ليس لدى أنصار الناتو أية مصلحة في وقف إراقة الدماء على الرغم من إعترافهم الصريح بأن مهمتهم هي المساهمة في تدمير البلد الذي يدّعون الدفاع عنه.

 ** كاتب وصحفي كندي يعمل كمعلّق سياسي ويستضيف برنامج pushback

 * جريدة "الشيوعي" التي يصدرها الحزب الشيوعي في الدنمارك في عددها الرابع نيسان 2023

عرض مقالات: