تنويه/ تم إرسال هذا التعقيب الى جريدة الأخبار اللبنانية، ولكنه لم ينشر، في مؤشر على "إيمان" الجريدة بحق الرد! 

 نشرت جريدتكم الغراء، يوم السبت 28 أب وفي صفحة رأي، مقالاً للكاتب أسعد أبو خليل بعنوان (ماذا حلَّ باليسار العربي: سمات السقوط)، ذكر فيها العديد من الإتهامات للأحزاب الشيوعية العربية، متوصلاً عبر إتهاماته، الى إستنتاجات "قاطعة" بإضمحلال الشيوعية العربية جراء ما تتبناه من سياسات لاتروق للكاتب ومن هم على شاكلته.

وعلى أية حال، لم يدفعني لكتابة هذا التعقيب، وأنا الحريص على وقتي وسلامة بصري، أحكام السيد أبو خليل، التي أقل ما يمكن أن توصف به إفتقادها للدليل، وإنما الدهشة التي أصابتي من النقمة الكبيرة التي صبّها الكاتب، على الحزب الشيوعي العراقي، لا لشيء الاّ لإنه قرر مقاطعة ما يسمى بالإنتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في العراق في أكتوبر القادم، دون أن يذكر لماذا هو منزعج من هذه المقاطعة، وكيف له أن يكيل كل هذه الإتهامات دون أن يكلف نفسه مناقشة الأسباب التي دفعت بالحزب لإتخاذ هذا الموقف ـ وهي معلنة ، وما علاقة باقي أطراف اليسار العربي (التي وجه لها شتائم وإتهامات لا حصر لها) بهذه المقاطعة، وما علاقة هذه المقاطعة بالصراع ضد الصهيونية وتقسيم فلسطين والنضال الأممي ضد الإمبريالية!

ويبقى الهدف الأرأس من هذا التعقيب، إيصال الحقيقة للقاريء العربي واللبناني، وليس لمن لا تهمه هذه الحقيقة كالسيد أبو خليل. فقد رفض الحزب الشيوعي العراقي ـ الذي كان مناضلاً صلداً وعنيداً ضد الدكتاتورية البعثفاشية ـ المشروع الأمريكي وإحتلال البلاد عام 2003، وأدان الحرب كسبيل لأسقاط نظام صدام، وحذر من مخاطرها، وعمد الى مقاطعة أي نشاط معارض يتناغم مع هذا المشروع، وطالب بأيقاف الغزو وترك مهمة إسقاط الدكتاتورية الى الشعب العراقي وقواه الوطنية، وسعى لاقامة تحالف وطني واسع، ولاستنهاض الجيش وعامة القوات المسلحة، كي ينجز العراقيون عملية التغيير بأيديهم، وكي يمكن بالتالي استبعاد الحرب وويلاتها. كما طرح الحزب مشروعه الوطني- الديمقراطي لحل الأزمة العميقة الشاملة التي كانت تخنق شعبنا وبلادنا. وحين تم إحتلال العراق، أدت التطورات الى بروز مهمة أساسية مزدوجة، يتلازم فيها الوطني مع الديمقراطي، والسياسي مع الاجتماعي، أي إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة الكاملة من جهة، وإعادة بناء الدولة العراقية على اسس دستورية ديمقراطية اتحادية وتحقيق تنمية اجتماعية – اقتصادية وضمان رفاه المواطنين من جهة أخرى.

وارتباطا بذلك، ولأجل مواجهة الأوضاع الجديدة، دعا الحزب سائر القوى الوطنية العراقية للمبادرة الى عقد مؤتمر وطني عام ، تشارك فيه أطياف الشعب العراقي السياسية والقومية والدينية كافة، وتنبثق عنه الحكومة الوطنية العراقية المؤقتة واسعة التمثيل وذات الصلاحيات، لتتولى تحقيق مهمات إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية ، وإعداد مشروع الدستور ومشروع القانون الانتخابي، ومباشرة الحوار مع الطرف الأمريكي لإنهاء الاحتلال، حكومة كاملة الصلاحية ، تكون بديلا للنظام الكتاتوري المقبور ولسلطة الاحتلال في الآن نفسه. غير ان فكرة عقد المؤتمر الواسع وتشكيل الحكومة الموقتة، اصطدمت بعراقيل جمّة، أبرزها تعنت المحتل وغياب الإرادة المستقلة لغالبية القوى السياسية العراقية.

وحين رفض المحتلون المطالب العراقية، وأسبغت الأمم المتحدة شرعية على إحتلالهم، نظر الحزب الى مجلس الحكم باعتباره شكلاً لمواجهة الاحتلال وإنهائه، شكل فرضته وقائع التطور السياسي في البلاد، خاصة منها الخلل الجليّ في ميزان القوى بين الشعب والاحتلال، وقيام فراغ أمني وسياسي مخيف وتفاقم الإستقطابات الطائفية والقومية وبدء ملامح حرب أهلية، فقبل بعضويته في المجلس إتماماً لمسؤوليته الوطنية.

وفي خضم الصراع لتحقيق الإستقلال والخلاص من كل أشكال الإحتلال، المباشرة منها وغير المباشرة، واصل الحزب مساهمته في العملية السياسية وساهم في جميع مؤسساتها، وتحدى المحتلين والإرهابيين وعمل على إفشال مساعيهم لإسقاط العملية السياسية والقضاء على مشروع تاسيس نظام ديمقراطي تعددي وفيدرالي، كما واصل نضاله الجماهيري فإشترك بكل قوة في إنتفاضة تشرين الباسلة ضد نظام المحاصصة والفساد الذي هيمن عبر شرعية إنتخابية مزيفة على السلطة في العراق.

وإحتجاجاً على عجز البرلمان في منع القمع البشع الذي سلّطته الحكومة على منتفضي تشرين، إستقال نواب الحزب من البرلمان، ووقفوا في ساحات الإنتفاضة وشاركوا فيها. كما قرر الحزب مقاطعة الإنتخابات المزمع اجراؤها في اكتوبر القادم لإنها تجري في ظل قانون صاغته قوى المحاصصة والفساد، وتحت ضغط سلاح منفلت وبمشاركة أحزاب نهبت المال العام، ولها أذرع مسلحة ومليشيات وإمتدادات دولية وإقليمية.

ولم يعلن الحزب مقاطعته للإنتخابات بشكل مطلق، لكنه حدد إشتراطات نجاحها، لتكون حقاً رافعة للتغيير والخلاص من الأزمة العميقة التي تعاني منها البلاد. وكان من بين هذه الإشتراطات الكشف عن قتلة المنتفضين ومقاضاتهم ووضع حد للمال السياسي و حصر السلاح بيد الدولة والتطبيق الجاد لقانون الاحزاب ومحاسبة الفاسدين والمفسدين وسن قوانين عاجلة لتخفيف الفقر (أكثر من 25% من العراقيين تحت مستوى الفقر) ووضع أسسِ لحد أدنى من العدالة الاجتماعية وإستعادة مليارات الدولارات التي نهبها الحاكمون منذ الإحتلال الأمريكي وحتى الأن.

تقول جداتنا في العراق، بأن (القرج خاتون المحلة)، أي إن الناس في المحلات الشعبية يتجنبون المرأة سليطة اللسان، فتتوهم أنها صارت سيدتهم. ولهذا أنصح السيد أبو خليل أن يتمعن في قراءة تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، والصراع الذي خاضه ضد الإستعمار والصهيونية والرجعية، على مدى تسعة عقود من تاريخه، منذ تأسيس عصبة مكافحة الصهيونية في الأربعينات، ذلك الصراع الذي قدم على طريقه عشرات الألاف من الشهداء، حتى صار بحق نهر العراق الثالث، على حد وصف الشاعر الفلسطيني الراحل معين بسيسو.

كما أنصحه ـ كي لا يكون كذاباً مقرفاً كما أعتقد ـ أن يذكر المصادر التي إستقى منها إشادة الحاكم المدني الأمريكي للعراق أيام الإحتلال، بالحزب الشيوعي، لأنه كان ـ حسب زعمه ـ من أكثر المتعاونين مع الاحتلال! ، هذا الادعاء الذي حشره قسراً وبشكل فظ يوم السبت 4 أيلول، في مقال لا علاقة له بالعراق! 

 أ.د. إبراهيم إسماعيل

 

عرض مقالات: