بالرغم من أنه ليس المكتشف الأول لمبدأ الشيوعية، إلا إن كتاباته رفعت الغطاء عن ماهية الشيوعية، وقدمتها للعالم كمذهب سياسي اجتماعي اقتصادي مثالي، وشقت طرقاً لتجربتها على الصعيد العالمي، فغيرت التاريخ للأبد. الفيلسوف الألماني كارل هاينريك ماركس عاش معظم حياته اليافعة مدافعاً شرساً عن مبدأ الحرية الذي اخذه من فلسفة هيغل، ورأى بأن صراع البشرية عبر التاريخ هو صراع من أجل الحصول على الحرية التامة، للخروج من القيود الاجتماعية المفروضة على الناس، والقوانين الحكومية التي تمنع الإنسان من التعبير بحريته، وكذلك قيود الاغراض المادية التي لعبت دوراً اساسياً في تقسيم المجتمع – إلى من هم محرومين من تلك المواد وبضمنها المال (الفقراء)، وإلى من هم يمتلكون جميع المواد وبضمنها الاراضي (الاثرياء).

كان ماركس فقير مادياً بنفسه، حيث كان يعيش على نفقة صديقه انغلز الذي كان داعماً دائماً له. وهذا الفقر ساعده بشكل كبير على التفكير في طريقة توزيع المصادر التي كانت قائمة في وقته وفي وقتنا الحاضر، وربما ساعده هذا الفقر ايضاً ان يتخلى عن فلسفة ما وراء الطبيعة والروح والى غيرها من الافكار غير الحسية وتأثيرها على طبيعة المادية للانسان، بل وربما ظن ايضا بان الانسان مهما كان ذكيا ومتعلماً نادراً ما يقدر على رفع مستواه المعيشي بذلك، وقد يجبره فقره المادي في التخلي عن مهاراته وقدراته وربما يسبب له تخلفا علميا وادبيا وثقافيا (حتى لو كان ذكياً ومتعلماً، فلن يقدر الحصول على معلومات التي يمكن ان يحصل عليها الغني).

وجد ماركس بان الشيوعية تقدم حلاً جذرياً لمشكلة توزيع الثروات وامتلاك المنتوجات. فشرع الى المساهمة في ادخال الشيوعية اكثر الى اقتصادية الدولة وشرحها بصورة شاملة لكي يتبناها المجتمع البشري اينما كانوا وفي اي وضع وجدوا. وقام ايضاً بانتقاد جميع المذاهب الاخرى وقارنها مع المثالية الشيوعية التي كانت توزع بالعدل وتمجد الحرية البشرية وتنهي الصراع بين الناس.

من بين تلك المذاهب الاقتصادية المتضادة للشيوعية هي الرأسمالية التي كانت وحشية وبدائية – تضع مصير الانسان وتكاليف معيشته على عاتق نفسه تماماً من دون مساعدة مجتمعه ودولته بالرغم من وجود مصادر مادية كافية عندهما لذلك. وفوق هذه، كانت الرأسمالية تعمل ضد عامة الناس الفقراء لصالح قلة قليلة من الاثرياء؛ بإعطائهم حق تملك الاراضي والادوات اللازمة لصناعة المنتوجات، اصبح الفقراء عبيداً يعملون طوال حياتهم لدى الاغنياء.

بالنسبة الى ماركس، الشيوعية هي المبدأ التي يذهب باتجاهها جميع المجتمعات (عاجلاً ام اجلاً سوف ينتقلون اليها)، سواء بالتدخل او بدونه، وعلم بأن الرأسمالية تعطي فرصة للفقراء ان يصبحوا اغنياء. لكن هاتين العمليتين قد تستغرقان وقتاً طويلاً جداً، فيعاني المجتمع بعدم تطبيق الشيوعية لسنين قبل ان تصل اليها، ويتعب الفقير بعدمه لسنين لبلوغ الثراء والراحة. تسريع هاتين العمليتين هو كل ما حارب من اجله ماركس.

الفقر هو حالة تأخيرية مصطنعة ومؤقتة، حيث يمكن للفقير ان يتحول الى غني بمرور الزمن، وحتى لو كان هذا الفقير يتقاضى دولاراً واحداً في يومه، فبعد مليون يوم يصبح لديه مليون دولار في جيبه. وهو حالة مصطنعة من قبل نظام السياسي والاقتصادي للمجتمع وليس حالة طبيعة للإنسان في ان يكون فقير الحال بينما تمتلك حكومته ومجتمعه كامل الطاقات لرفعه من تلك المستوى.

نشهد اليوم مثلاً إن التكنلوجيات الحديثة تصل الفقراء متأخرةً جداً بينما تكتسبها الأغنياء مباشرةً (كأنما الفقراء يتأخرون ليس فقط في اكتساب التكنلوجيات بل حتى في معاصرة المجتمع، وبالتالي اغتراب اكثر عنه). مثلاً، الدراجة الهوائية لا تزال سلعة باهظة صعبة المنال عند معظم الافريقيين، وهم يعملون بجد ولسنوات طويلة ليجمعوا المال من اجل شراء الدراجة. وتخيل كم من مدة عليهم ان يتعبوا حتى يقتنوا السيارة ويواكبوا العصر او يركبوا الطائرة لرؤية العالم. كل هذا يمكن للغني اكتسابه بضغطة زر على هاتفه الذكي وبالزمن الحقيقي. وتستطيع ايضاً رؤية سرعة الاغنياء في شراء احدث الهواتف الذكية فور صدروه (وربما حتى قبل ذلك) بينما ينتظر الفقير سنيناً ليكتسب نفس الهاتف بعد زوال عمره.

اراد ماركس ان يقضي على هذا العائق الذي يؤخر تكوين مجتمع مترابط ومتين يساعد افراده في حالة اقتصاده، ويقلل من عامل الزمن للوصول الى مستوى قريب نسبياً من من هم في اعلى الهرم. علم ماركس بان لولا تدخل الحكومة في تسريع هذه العملية، فسوف يتطلب الكثير من الوقت للمجتمعات البشرية لبلوغ الشيوعية والعدالة.

 

محلل وكاتب عراقي*