العيون هي سر من أسرار الجمال، ومرآة الروح التي تعكس مكنونات النفس والقلب معًا، ولها دلالات وإيحاءات كثيرة، ولكل لون له جماله الخاص الذي يميزه عن غيره.

واستأثرت العيون بأروع ما فاضت وجادت به قرائح الشعراء في وصف الجمال الأنثوي، وفتحت أمامهم آفاق ورؤى تجاوزت الجمال الحسي الوصفي إلى عوالم أخرى تتداخل في الألوان والظلال، وامتزاج الليل والبحر والسحر والأحلام، ولذلك بقيت أشعار الحُبّ والوجدان، التي تغزلت بجمال العيون مشرقة بعذرية الهوى وعفاف الكلمة وشغف القلب والروح.

وكثيرة هي الأشعار التي قيلت في سحر وجمال وفتنة العيون وتغزلت بها ، لما للعيون من أثر على بصيرة وخيال الشاعر. وقد تكررت صورة العيون بكثرة في أشعار القدماء والمحدثين، وعبر العصور والحقب التاريخية.

فهذا شاعر النقائض جرير أوفى في وصف العيون حين جعل من العيون الحوراء أداة قتل فتاكة رغم ضعفها، قائلًا :

إن العيون التي في طرفها حور

            قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصر عن ذا اللب حتى لا حراك به

         وهن أضعف خلق اللـه إنسانا

وتأثير العيون يأخذ مظاهر وأوصاف متعددة، وهي تحدث بسحرها في النفوس ما يربك الشاعر، فتتزاحم عليه الأفكار والمسافات، ولنسمع ما قاله الشاعر العباسي علي بن الجهم :

عيون المها بين الرصافة والجسد

                    جَلَبنَ الهَوى من حيث أدري لا أدري

أعدن لي الشوق القديم ولم أكن

                    سلوتُ ولكن زدن جمرًا على جمرٍ

أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد أبدع وأجاد بقوله :

وتعطلت لغة الكلام وخاطبت

              عيناي في لغة الهوى عيناكِ

بينما الشاعر اللبناني المهجري ايليا أبو ماضي فيقول :

ليت الذي خلق العيون السوداء

               خلق القلوب الخافقات حديدا

لولا نواعسها ولولا سحرها

               ما ودّ مالك قلبه لو صيدا

في حين يقول شاعر الحُبّ والمرأة بلا منازع، نزار قباني :

ذات العينين السوداوين المقمرتين

ذات العينين الصاحيتين الممطرتين

لا أطلب ابدًا من ربي إلا شيئين

أن يحفظ هاتين العينيين

ويزيد بأيامي يومين

كي أكتب شعرًا في هاتين اللؤلؤتين

ويرى الشاعر المصري البوصيري أن جمال العيون الكحيلة هو ما أتى على الطبيعة، دون أن يمسها الكحل كما هو الحال في عيون الغزلان، قائلًا :

 لا تحسبوا كحل الجفون بزينة

                  إن المها لم تكحل بالإثمدِ

وأجاد الشاعر صفي الدين الحلي بقوله :

كفّي القتال وفكي قيد أسركِ

يكفيكِ ما فصلت بالناس عيناكِ

كانت لحاظكِ ممّا قد فتكت بنا

فمن ترى في دم العشاق أفتاكِ

اما الشاعر السعودي غازي القصيبي فيرى العيون سهامًا نافذة تجعله يحلّق في عالم شاعري جميل، ولنسمعه يقول :

ملء روحي هذا الصفاء العميق

               يا عيونًا من سحرها لا أفيق

يا بحارا أهيم وحدي فيها

               ودليلي في الأفق نجم سحيق

اومأت لي عيناك فأختلج العطر

          وطاف الندى .. وصب الرحيق

ويقول كاتب هذه السطور شاكر فريد حسن عن العيون التي جعلت منه عاشقًا متيمًا :

حُبُّكِ يا أنتِ

موجُ بحرٍ هادرٌ

ونظرات عينيكِ

جذابة وساحرة

تخطُفُ بصري

وتأخذني إليكِ

في بريقهما اشراقٌ

واشواقٌ

واشعاعٌ

يجعلَ قلبي خافقًا

وروحي مرتعشة

مشتعلةٌ كاللهبِ

عيناكِ يا روحي

في شعري وطن

جعلتْ منّي

 شاعرًا متيمًا

أما الشاعر ابن الرافدين وشاعر العراق الكبير بدر شاكر السياب، فيصف جمال العيون الخضراء، وتأخذ العيون لديه شكلًا موحيًا للطبيعة في صورة وطنه حاضرًا ومستقبلًا، تمتد وتتكثف بقوله :

عيناكِ غابة نخيل ساعة السحر

أو شرفتان راح عنهما القمر

ومثله أيضًا يرى الشاعر الفلسطيني حسين زهرة المدائن، القدس، في عيني محبوبته :

لون عينيكِ نخيل

لون عينيكِ دوالي

لون عينيكِ كحبي القدس

غالٍ

ألف غالي

وجريح لون عينيكِ كشعري

وجميل مثل حبي

وطويل كاعتقالي

أما الشاعر المصري فاروق جويدة فيقول عن عيون حبيبته :

ومضيت أبحث عن عيونكِ

خلف قضبان الحياة

وتعربد الأحزان في صدري

ضياعًا لست أعرف منتهاه

وتذوب في ليل العواصف مهجتي

ويظل ما عندي

سجينًا في الشفاه

هذا بعض من فيض ما قاله الشعراء عن العيون والمقل، التي ستبقى ملهمًا لهم ولقرائحهم، وموتيفًا وعنوانًا رئيسًا في دفاتر الحُبّ والعشق وحدائق الغزل.

  

عرض مقالات: