طريق الشعب

على خلاف السنوات الـ16 الماضية التي ظل المشهد السياسي العراقي فيها حكراً على القوى التي أسست نواة العملية السياسية عقب التغيير 2003، شهد الشارع العراقي هذه المرة، بروز وجوه شابة من أرحام ميادين التظاهرات، بات التفاف الشبان حولها واضحا، سيما خلال انتفاضة تشرين الجارية.

ويرى مراقبون أن هؤلاء الشباب قد يمثلون وجوهاً مهمة في المشهد السياسي العراقي، إذا ما تمكنوا من تنظيم أنفسهم وتبني مطالب الشارع، خصوصاً ما يتعلق بمدنية الدولة ورفض هيمنة الأحزاب الطائفية.

وبرزت في بغداد وبقية المحافظات المنتفضة، وجوه شبابية ناشطة، كمنظمي تظاهرات وكتاب بيانات وشعارات مطلبية. ويشترك هؤلاء الأشخاص، الذين تتراوح أعمارهم بين العقدين الثاني والرابع، في كونهم يدعون إلى عراق مدني بهوية وطنية، خالٍ من الوصاية والنفوذ الأجنبيين، وبعيد عن المحاصصة وسياسة الطوائف التي دفع العراقيون بسببها ثمناً باهظاً طوال السنوات الماضية على مستوى الأمن والاقتصاد وحتى المجتمع.

الناشط محمد عبد الرضا، أحد المعتصمين في "خيمة الوطن" بساحة التربية وسط كربلاء، يقول في حديث صحفي، إن التظاهرات عرّفتهم على "طاقات وشخصيات مثقفة ومتعلمة، لم يكن أحد يتوقع أنها موجودة ولديها أطروحات وأحلام قابلة للتحقيق، وقبل كل ذلك تحظى بقبول الناس"، مضيفا ان "الناس تعبوا وملّوا من الوجوه الحالية، والأمل الآن معلق بأي جديد، عسى أن يخرجهم مما هم فيه. ونرى أن الخطاب الحالي في التظاهرات يناسب كل العراقيين، إذ إن المعيار أصبح المواطنة، والمطالبة بقانون مدني يحترم كل الأديان والطوائف".

تظاهرات العراق، التي بلغت شهرها الرابع، أوجدت كثيراً من القيادات الشبابية التي يؤمل منها أن تكسر قاعدة الأحزاب الطائفية - وفقاً للخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني، الذي يعتبر أن "وجود هؤلاء الشباب في الساحات غير كافٍ، وبقاء تأثيرهم هناك غير صحيح، بل يجب أن يرتّبوا صفوفهم ويعززوا التنسيق في ما بينهم"، موضحا ان "الصبغة المدنية تغلب على الوجوه الجديدة، وهذا مهم جداً، والأهم أنهم مؤثرون في الوسط الشبابي، وطروحاتهم لا تتعارض إلا مع القوى السياسية الحالية التي أوجدت نظاماً طائفياً وحالة احتقان مذهبي طوال السنوات الماضية، ما ساعدها على البقاء في المشهد السياسي".

أحمد عبد الحسين، وهو من أبرز وجوه تظاهرات ساحة التحرير بعد 2011، يقول في حديث صحفي، إن "أكثر ما فاجأتنا به ثورة تشرين هو وجود هذا العدد من الشبان الواعين، الذين يتجاوزون بفهمهم وإدراكهم من سبقهم من الأجيال الماضية. ولن أستغرب إذا ظهر بينهم تنظيم سياسيّ أو تنظيمات عدة، وأنا واثق أنهم سيكتسحون الساحة"، مبينا أن "الشباب لديهم فرصة عظيمة لقيادة العراق، فهم يمتلكون فهماً جديداً لممارسة السياسة، ويتحلون بالصدق والإخلاص وحب العراق الذي لم يعبروا عنه بالكلام فقط، إنما بالدم وتقديم أرواحهم قرباناً له. فإذا كان أبو التكتك قد أصبح أيقونة شعبية الآن، فإن ثائر تشرين سيصبح أيقونة سياسية في المقبل من الأيام. بكل تأكيد ستكون هناك قوائم للشباب المحتج وستنجح في قيادة الوطن".

في المقابل، يتوقع المراقب للشأن السياسي العراقي محمد التميمي، أن "تشهد الانتخابات المقبلة قائمة تمثل ثورة تشرين، شخوصها من شباب هذه الثورة.

وبكل تأكيد أن هذه القائمة، إن رشحت، سيكون لها دور مؤثر في العملية السياسية، وستغير المعادلة، وربما تكتسح الانتخابات، فالتأييد الشعبي لهذه الثورة كبير جداً".