يمكن للفترة من يوليو 7102 إلى مايو 8102 أن تثبت أنها غيرت العراق. ففي تموز / يوليو 7102، قامت القوات الحكومية العراقية بتحرير الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية. وفي أعقاب ذلك الانتصار، دفع رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني باتجاه إجراء استفتاء حول الاستقلال الكردي لتعزيز القدرة التفاوضية للأكراد في نزاعاتهم مع بغداد. ولكن، بدلا من ذلك، أدت الخطوة إلى نتائج عكسية، و أمر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي القوات العراقية في تشرين الأول / أكتوبر 7102 بالدخول إلى كركوك، وهي المنطقة المتنازع عليها بين بغداد وأربيل. تشكل هذه الأحداث الهامة الخلفية التي سيصوت عليها العراق في الانتخابات الوطنية التي ستجري في أيار / مايو 8102. هذا التصويت لن يقرر فقط ما إذا كان العبادي سيحصل على ولاية ثانية، ولكن أيضا ما إذا كان العراق قد تجاوز الخطاب الطائفي الانقسامي الذي سيطر على السياسة في مرحلة ما بعد تغيير النظام في البلاد.

عقد مركز الشرق الأوسط للدراسات، كلية لندن للاقتصاد ورشة عمل في٥ 1 كانون الثاني / يناير 8102، جمعت محللين سياسيين عراقيين وصناع قرار مع خبراء آخرين حول العراق. بحثت الورشة الديناميات الرئيسية التي سترسم السياسة العراقية القادمة ومحرك العلاقة بين بغداد ومناطق أخرى في العراق، وكذلك بين الدولة والمجتمع.

قسمت ورشة العمل إلى أربع جلسات. بحثت الأولى التوازن السياسي الحالي للسلطة في الفترة المتبقية حتى انتخابات أيار / مايو 8102، والتحالفات المحتملة التي تبرز بين النخبة الحاكمة العراقية. وسلطت الثانية الضوء على العلاقة المشحونة بين العاصمة والمحافظات، وتساءلت عما إذا كان برنامج اللامركزية الاتحادية صالحا للاستمرار. ودرست الثالثة قطاع الأمن، ومعضلة الجهات الفاعلة المتعددة التي تحتفظ بالحق في ممارسة القوة القسرية داخل العراق، بما في ذلك الجيش العراقي والحشد الشعبي والبشمركة. وناقشت الجلسة الأخيرة إمكانية إعادة العلاقات بين بغداد وأربيل، والموقع الضعيف الذي يجد إقليم كردستان العراق نفسه فيه الآن. يقدم هذا التقرير موجزا للعروض والمناقشات.

التوازن السياسي للسلطة: النخبة الحاكمة العراقية في الفترة المتبقية حتى انتخابات أيار/ مايو

تتجه الأنظار كلها الآن إلى الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في أيار/ مايو 8102. مرت بغداد وأربيل حتى الآن عبر ما يمكن أن يطلق عليه “سياسة غيبوبة”، قادتها مجموعة من النخب الحاكمة بعد عام 3002 استمرت موجودة من خلال التلاعب في المحددات الهيكلية للسياسة، مع تصاعد إحباط هائل من الفساد وعدم كفاءة الحكومة. ومع ذلك، فإن النقاش المركزي في السياسة العراقية اليوم يتعلق بالفساد.

بغداد

لم يعد للخطابات الطائفية العرقية تأثير في بغداد،، بوجود حركة شعبية بقيادة شيعية حشدت أكثر من أربعة ملايين شخص ضد الحكومة. تحولت التحالفات، وعلى هذا النحو أصبح هناك الآن معسكران شيعيان هما الجناح اليميني الممثل بنوري المالكي ومختلف مكونات الحشد الشعبي مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله. والوسَطي، بمن فيهم حيدر العبادي، ومقتضى الصدر، وعمار الحكيم. من بين هؤلاء، انقسم الجناح الأيمن بسبب خداع المالكي وضعفه الملموس. فحصل العبادي على دعم جماهيري على أساس ارتباطه بنجاح الجيش )الذي تحسنت سمعته على حساب الحشد( ومناصرته لوحدة العراق. كان العبادي ملتزما بالسياسة الطائفية حتى رأى أن هذا النموذج )محاولة المالكي الحكم بالأغلبية الشيعية( قد فشل، وهو يحاول الآن الدعوة إلى رؤية قومية فوق طائفية.

يقف العراق على مفترق طرق مع شعور من التفاؤل في بغداد مدفوع بهزيمة تنظيم الدولة الاسلامية وتحسن الوضع الأمني حيث لا تواجه الحكومة للمرة الاولى منذ عام 3002 تمردا كبيرا. كما أعادت عملية إستعادة كركوك تشكيل الوضع ،فلم يعد الأكراد قادرين على لعب دور المخرب في السياسة الوطنية، كما أن عرض الحكومة الفيدرالية للقوة سيثبط أي تحرك من قبل الحزبين الكرديين الرئيسيين نحو مزيد من الحكم الذاتي الإقليمي. كذلك تغير المشهد الانتخابي، وأصبحت القومية العراقية الجديدة تدافع الآن عن الإصلاح، فيما كان تفكك البلاد محتملا حتى وقت قريب.

مع ذلك، وعلى الرغم من دفع العبادي باتجاه مكافحة الفساد، كم تغير حقا داخل السياسة النخبوية؟ فنحن نرى نفس اللاعبين السياسيين الوطنيين في اصطفاف مختلف، يناورون في الائتلافات باعتبارها لعبة من أجل السلطة. وتبين التحالفات أن سياسات الهوية لا تزال منتشرة على الرغم من ظهور السياسة المرتبطة بالقضايا. ولا يزال هناك نقص في المؤسسات القوية، وجمود في مجلس النواب. ولا يزال الفساد والمحسوبية شائعين، والإصلاحات المالية ضعيفة، ولم يتم إحياء القطاع العام بعد. إن المساءلة في الحكومة مطلوبة، مع أن السلطة السياسية لا تزال تميل بشكل بالغ نحو النخبة في المنطقة الخضراء، ولكن هناك شروط مواتية للإصلاح، وستظهر الانتخابات ما إذا كان السياسيون مستعدين لاقتناص الفرصة.

أربيل

يمكننا أن نرى تماثلا بين سقوط الموصل في عام 4102، وسقوط كركوك )من منظور كردي( في عام 7102. فقد أدت خسارة الموصل إلى محاسبة المالكي، كما أن سقوط كركوك قد يؤدي أيضا إلى تحول سياسي داخل حكومة إقليم كردستان. كانت احتجاجات كانون الأول / ديسمبر في السليمانية أكثر أهمية مما أدركه الكثيرون، كذلك كان القمع ضد هذه الاحتجاجات .تكمن أصول الحركة في الاحتجاجات على الرواتب وسوء الإدارة والمحسوبية في عامي 102٥ و 6102، بقيادة المعلمين والموظفين الحكوميين. ثم انضم الشباب العاطل عن العمل وأحُرقت مكاتب الحزب، مظهرين من المقصود من غضبهم .عندها أرسلت قوات الاتحاد الوطني الكردستاني الخاصة للبطش بجمهوره الانتخابي التقليدي. إن الوضع السياسي الراهن في إقليم كردستان غير قابل للاستمرار، وعلى الرغم من أن الدوائر الداخلية في ائتلاف برزاني / طالباني قد تظل موالية ،فدائرة الدعم الخارجية هشة إذا ما جفت الرواتب والمعاشات والإعانات في هذه الأزمة المالية الحالية. لقد أظهر الرأي العام تسامحا مع الفساد والمحسوبية على مدى السنوات ال٥ 1 الماضية ظنا بأن الاستقلال، أو على الأقل استقلال ذاتي أكبر، سيتبعه. ومع نهاية حلم الاستقلال، فإن أيام التسعينيات المظلمة، بالنسبة للعديد من الأكراد ستعود، مع فقدان الاحتكار الثنائي للعائلتين شرعيته السياسية. وإذا كانت انتخابات هذا العام في إقليم كردستان حرة ونزيهة، فإن الأحزاب الجديدة ستحقق نجاحا جيدا، ولكنها إذا كبيرة. من المستبعد أن تكون القيادة الكردية الحالية شريكا بناءً لبغداد، ومن أجل شراكة حقيقية )يمكن أن يقدمها عبادي، من موقع قوة بعد الانتخابات(، فإن قيادة حكومة إقليم كردستان جديدة – تؤمن بالعراق سياسيا – بحاجة للبروز.

اللاعبون الإقليميون والدوليون

إن العراق محاط بإسلاميين في السلطة في إيران وتركيا والسعودية، على الرغم من وجود عنصر ذرائعي في كل من السياسة الخارجية الإيرانية والتركية، كما لوحظ في تمحور الأخيرة باتجاه روسيا بعد المواجهة السابقة حول سوريا. كانت إيران مؤثرة في إنشاء ثلاث معسكرات في السياسة العراقية حيث كان هناك اثنان، ولكن الآن وبعد انسحاب قوات بدر والعصائب من تحالف نصر، يبدو أن العبادي سيتمكن من الاستمرار بدعم منقوص.ويظهر أن مزيد من تفتيت الكتلة الانتخابية الشيعية هو فشل استراتيجي من وجهة نظر إيران. إلا أن إيران ليست قوة فظة في العراق، ولديها القدرة على التكيف بفضل امتلاكها قوة ناعمة أكثر بكثير من الجهات الفاعلة الأخرى. فالولاءات يمكن أن تتحول بسرعة، كما في 01–9002 عندما قدم المالكي نفسه كالمرشح المناهض لإيران، ولكن سرعان ما أصبح رجل إيران في بغداد، كما هو اليوم .أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن رد فعل سياستها بعد أحداث كركوك كانت بعدم القيام بشيئ، والسماح للحكومة المركزية بإعادة تأكيد سلطتها. وتعتقد الولايات المتحدة أن العبادي تجاوز الأهداف المرادة، ولكنها تشعر بالمثل تجاه الأكراد. ولا يزال للأخيرين بعض الاصدقاء في الحكومة الاميركية، لذا سيجري نقاش في واشنطن، لكن السياسة الأميركية الحالية هي مع وحدة واحدة في العراق. ويمكن للاتحاد الأوروبي، بصفته جهة فاعلة أخرى مهتمة، أن يضطلع بدور بناء ،وينبغي أن يركز على بناء القدرات في العراق، حيث توجد المشاكل الكامنة.

هل يمكن للمركز أن يبقى؟ العلاقات بين بغداد والمحافظات

منذ عام 3002 كانت الكلمة الطنانة في العراق هي الفيدرالية، مع افتراض الكثيرين أن هذا يعني الحكومة المركزية ضعيفة والمحافظات قوية. إلا أنه حتى الآن، لم يتم تفعيل الفيدرالية خارج إقليم كردستان، مع ولادة الإدراك بأن على الحكومة المركزية أن تكون هي نفسها قوية بما يكفي لكي تفوض السلطة.

بعد سقوط الموصل في حزيران / يونيو 4102، حدد بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش، استراتيجية تستند إلى مبدأ “الفيدرالية الفعالة”، ونقل المسؤوليات الأمنية المحلية إلى السلطات دون الوطنية، )التي تكرر حركة الصحوة التي نجحت في الأنبار(، حيث تقتصر القوات الاتحادية على حماية حدود البلاد. غير أن مشروع قانون الحرس الوطني كان ضعيفا في البرلمان، وتصدرت القوات الفيدرالية العمليات لاستعادة تكريت والفلوجة والموصل، وأظهر الاقتراع الأخير في المحافظات المحررة تفضيلا ساحقا للأمن الذي يديره الجيش العراقي .وعلاوة على ذلك، في عام 7102، كان المحافظون في جميع المقاطعات المحررة الثلاثة يتعرضون للتهديد من قبل مجالس المقاطعات التابعة لهم. ولكن مع الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش وتركز الانتباه على عبء إعادة الإعمار الضخم، يجب وضع اللامركزية في إطار سياق ما بعد انتهاء الصراع هذا، بما في ذلك فهم كيفية تحفيز أصحاب المصلحة على تجاوز الفيدرالية الحالية الخاطئة.

وكثيرا ما تكون اللامركزية مجرد عدم تركيز – نقل السلطة إلى وحدة إدارية تابعة للحكومة المركزية على الصعيد المحلي – بدلا من نقل السلطة فعليا إلى كيانات دون وطنية. وينبغي ألا يغيب الهدف النهائي عن صانعي السياسات: إن السلام المستدام يتطلب إعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة عن طريق إظهار إدارة فعالة وفعلية.

في حين أن العبادي كان فعالا على نطاق واسع، مع هزيمة داعش ومرونة الدولة تجاه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية ،فإن هناك الكثير من مراكز السلطة المتنافسة التي تتحد فقط في أوقات الأزمات، كما حصل أثناء الاستفتاء. ينبغي على العبادي والحكومة الفدرالية مساعدة حكومات المحافظات على أن تصبح فعالة وتتخطى الطائفية. ومع ذلك، يحاول العبادي إدارة دولة مجزأة، حيث تتفاوت الوزارات بقوة في مدى تقبلها للامركزية. وقد ساعد المجتمع الدولي والجهات المانحة أيضا على إضعاف الحكومة المركزية، من خلال تقديم الخدمات مباشرة على سبيل المثال ودعم إعادة الإعمار في مختلف المحافظات، مزيلين حوافز المحافظات والحكومة المركزية لسد الثغرات، فيما الدولة تواصل فقدان الشرعية.

إن بغداد، مع ريادة الأعمال الاجتماعية والنشاط الشبابي، هي مدينة حيوية جدا على عكس المحافظات الجنوبية .ومع ذلك، فإن هذا الاختلاف يطغى عليه الانقسام الحقيقي القائم بين النخبة السياسية والشباب الناشطين في بغداد والمحافظات على السواء.

كانت بغداد على مر التاريخ العراقي، تساوي دائما بين اللامركزية والضعف، ثم تستخدم ذلك ضد معارضيها. غير أن اللامركزية المؤسسية والسياسية تحتاج إلى أن تكون متباينة. ونظرا إلى أن مسؤوليات رئيس الوزراء تمتد إلى الأمن والسياسة النفطية والشؤون الخارجية، فهو لن يعتبر ضعيفا إذا ما فوض جوانب أخرى من الحكومة مثل الخدمات، والتي إذا ما تم تقديمها بشكل فعال من شأنها أن تعزز صورة الحكومة المركزية. من المرجح أن يحتفظ العبادي برئاسة الوزراء، وهو – شخص بطيء ومتأني، على الرغم من متابعته المعروفة للتفاصيل – خيار مقبول للتفاوض حول أمر بهذه الحساسية، على النقيض من المالكي.

التوازن الرسمي وغير الرسمي للسلطة القسرية: الجيش العراقي والحشد الشعبي والبشمركة

ربما كانت استعادة الجيش العراقي لكركوك في أكتوبر 7102، وإن لم تكن مثالية من منظور غربي، أفضل نتيجة ممكنة بين مجموعة سيئة من الخيارات بعد الاستفتاء. كانت هناك مناوشات ولكنها لم تتطور إلى حرب أهلية، وبينما هناك بعض الأكراد المتمردين الذين يهاجمون قوات الأمن، كما هو الحال مع داعش، فإن هياكل الدولة ليست مهددة. من وجهة نظر الولايات المتحدة، لا تزال الأهداف مكافحة الإرهاب واحتواء إيران، وعلى هذا النحو سيكون هناك وجود عسكري أمريكي على الأرض لمدة–10 ٥ سنوات على الأقل، مع انخفاض تدريجي خلال العام المقبل. ستحافظ الولايات المتحدة، المستعدة لإنفاق المال والموارد على هذا الأمر، على غالبية مسؤوليات القيادة والتحكم ضد داعش والتمرد. ونظرا لشدة الضربة التي وجهت للأكراد، فإن الولايات المتحدة لم تسحب كل الدعم عن الحزب الديمقراطي الكردستاني أو الاتحاد الوطني الكردستاني، وخصصت 002 مليون دولار للمرتبات، ومع أنه لم يتم دفعها بعد، فلم يتم سحبها. ولم تقدم الولايات المتحدة أي التزامات سياسية علنية إلى أربيل أو بغداد منذ أيلول / سبتمبر، ولم تدعم الاستفتاء ولا تريد أن ترتبط ارتباطا وثيقا بخيارات العبادي السياسية. ويقتصر تأثيرها الآن على التمويل العسكري الأجنبي وضمانات الاستقرار. لقد وضعت الولايات المتحدة كل بيضها في سلة العبادي، ولكن لا يمكنها أن تتوقع منه تقديم تنازلات الآن في الفترة المتبقية حتى الانتخابات.

سبقت المكونات الرئيسية للحشد الشعبي بفترة طويلة تشكيلها الرسمي في حزيران / يونيو 4102، كمنظمة بدر التي كانت قائمة منذ الثمانينات، ومجموعات مختلفة قادمة من جيش المهدي وميليشيات أخرى من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. يحظى الحشد بتأييد واسع بين الشيعة )99٪ تقريبا(، مع ثلاثة أرباع الرجال الشيعة الذين تطوعوا كوحدة احتياط غير عاملة. ازدادت شرعيته مع ظهور المزيد من يافطات الشهداء التي تعلن عن المدن - السنية والشيعية - التي سقط هؤلاء الرجال دفاعا عنها.

تعتمد الدولة على بعض هذه الجماعات. ومع تعرض الجيش العراقي لخسائر فادحة، يحتاج العبادي إلى الحشد في العمليات العسكرية ولشعبيتهم، على الرغم من سياسته الرامية إلى تعزيز مؤسسات الدولة الأمنية. من جانبه، يتطلع الحشد إلى المشاركة في إعادة الإعمار، والانضمام إلى قوات الشرطة، وتأمين الخدمات حيث لا تستطيع الدولة لكي يرسخ موقعه داخل مؤسسات الدولة ويصبح صانع الزعماء على المستوى الوطني. لا يوجد حل قصير المدى للحشد، ولا يمكن مواجهتهم عسكريا.

إن موقع الحشد داخل النظام الأمني والسياسي في العراق أمر معقد. معظم العراقيين يفضلون جيشا قويا على مجموعات الميليشيات، لكنهم لا يزالون يرون أن للحشد دورا، على الرغم من أنه لم يتم تحديده بشكل صحيح. في نوفمبر / تشرين الثاني 6102، عرفت الحكومة الحشد بأنها “جماعة مسلحة مستقلة وجزء من القوات المسلحة العراقية”. التناقض واضح: إذا كان على الدولة أن تعيد بناء نفسها واستعادة احتكار العنف، فعلى الحشد الخضوع لسيطرة الدولة، ولكن لا يمكن تحقيق هذا الأمر إلا على المدى البعيد، وحتى هذا التكهن متفائل. سيكون من المستحيل تسريح 000,06 رجل في الحشد تسريحا كاملا، ولكن لتشجيع الكثيرين على المغادرة، من شأن خطوات بسيطة مثل إقامة اختبار اللياقة البدنية والمعسكرات التمهيدية أن يساعد. بالإضافة إلى دوره العسكري، يشارك الحشد في العديد من الأعمال الكبرى في بغداد ،بما في ذلك داخل القطاعات المشروعة مثل الاتصالات، مما يمكنه من الحفاظ على هيكل مع رواتب. ولذلك من الصعب التسريح الكامل ودمج شبكة دعم المجموعة في الدولة، لأن ذلك يقتضي وقف الأعمال المشروعة عن العمل.

شهدت العلاقات بين قوات البشمركة وقوات الأمن والميليشيات العراقية تحولات كبيرة في الآونة الأخيرة وقد جهز حزيران / يونيو 4102 المشهد. خلال الحرب التي دامت ثلاث سنوات ضد تنظيم “داعش”، أمسكت البشمركة والحشد خط المواجهة معا، وأرسلا تعزيزات لبعضهما البعض، وأقاما علاقات ودية في الميدان. محا 71 أكتوبر 7102 الثقة. فبالنسبة

التوصيات الرئيسية

 

للأكراد في كركوك الذين لم يشهدوا سوى أعمال العنف والقصف من الجيش العراقي في الماضي، يصعب عليهم قبول عودته، وهناك وعي نفسي بوجود الجيش حتى لو لم يتم نشر القوات في الشوارع.

ويبدو أن الانقسام داخل البشمركة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني قد تعمق بسبب الأحداث الأخيرة.  فنادرا ما قاتلت قوات البشمركة التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني،، جنبا إلى جنب منذ عام 1964، حتى تهديد الدولة الإسلامية. وفي عام 2006، عندما أنشأ الحزبان وزارات موحدة، أنشآ أيضا قيادة البيشمركة الموحدة وهيكلية لواء. وتبدو إمكانية استمرار هذا التوحيد قاتمة الآن، مع قيام الحزب الديمقراطي الكردستاني بلوم الاتحاد الوطني الكردستاني على الانسحاب من كركوك. لقد توقف إصلاح القوات، الذي بدأ في عام 7102، ويبدو من غير المرجح أن يبدأ مجددا. أحد الأبعاد الإيجابية هو أن البشمركة في الرتب الدنيا مستاءون من قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني / الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويبقى أن نرى كيف سيصوتون في الانتخابات.

إعادة التفاوض حول العلاقات بين بغداد وأربيل: كيف تبدو التسوية؟

كانت المطالب الكردية بالحكم الذاتي منذ وقت طويل سمة من سمات السياسة العراقية، ولكن أحداث أكتوبر حولت ميزان القوى. ما هي الآفاق الحالية للتوصل إلى تسوية تفاوضية بين الحكومتين الإقليمية والمركزية؟

تعرف التجربة الكردية العراقية بأربع “لحظات” تحدد علاقتها بالحكومة المركزية. كانت الأولى هي اللحظة الطويلة من 0٥–3002، عندما قام الصانعون الرئيسيون للعراق الجديد، النخب السياسية الكردية والشيعية بإنتاج الدولة. وكانت الفرضيات التي نفخت فيها الحياة هي سياسات الهوية، والمظالم التاريخية، والدولة باعتبارها المجال لتصحيح هذه الأمور .وكان هذا استبعاد العرب السنة، بطبيعة الحال. والثانية هو انهيار هذا الخطاب وسقوط الموصل. فانتقل الشيعة، في هذه المرحلة، من عقلية الضحية إلى قبول المسؤولية عن إصلاح الدولة، التي ولدت منها حكومة العبادي. اللحظة الثالثة هي لحظة كردية: الاستيلاء على كركوك. وكانت اللحظة الرابعة هي فقدان كركوك. وعلى غرار الهزيمة العربية عام ،1967 اضمحل النظام السياسي وهو ينتظر الدفن. وفي حين أن القومية الكردية لا تزال عزيزة على الأكراد، كان حصل تحول من “الدولة” إلى قضايا الحوكمة اليومية منذ ذلك الحين. اختفى الحلم في غضون يومين: لم تتمكن البشمركة من الدفاع عن كركوك، كما اختفت الديناميكية التي للأكراد فيها ركيزة في الدولة العراقية. الأكراد العراقيون هم الآن في اللحظة الرابعة:

كيفية الانتقال من هنا واستبدال الطبقة السياسية الكردية فاقدة الشرعية.

هناك ثلاث قضايا رئيسية تشكل ديناميات الأحداث الأخيرة هي النفط، والأراضي المتنازع عليها، والرغبة الكردية في سلطة أكبر. وهذه جميعها مرتبطة باختلافات كيفية فهم كل جانب للسيادة داخل نظام اتحادي مأزوم. إن جوهر قضية النفط هو عدم الوضوح حول ما هي الحقول الجديدة والقديمة، وقرار حكومة إقليم كردستان ببيع النفط خارجيا، مما أدى إلى قطع بغداد حصة حكومة إقليم كردستان من عائدات النفط. في عام 3102 كانت إربيل تحظى بدعم أنقرة، وبالتالي لم تتمكن بغداد من فعل أي شيء لوقف صادرات النفط عبر تركيا. الآن، أصبحت حكومة إقليم كردستان على شفا الانهيار وتعتمد قابلية استمرارها الاقتصادي على حصتها من الميزانية الوطنية. وعلاوة على ذلك، من الصعب على حكومة إقليم كردستان قبول هيمنة بغداد بعد الاستفتاء. ومن المحتمل أن تقوم حكومة إقليم كردستان بالتنازل والموافقة على بيع النفط تحت رعاية بغداد. أما فيما يتعلق بالأراضي المتنازع عليها، فإن الدستور يعترف بحكومة إقليم كردستان ولكنه لا يحدد حدودها صراحة.

وتشمل القضايا الشائكة الأخرى بين حكومة إقليم كردستان وبغداد دور قوات الحشد في كردستان في أحداث أكتوبر 7102، ومراقبة نقاط الدخول الدولية، ودفع الرواتب في إقليم كردستان. هناك بعض الإشارات المشجعة من العبادي الذي أمر الوفود بأن تناقش السياسات، وربما بدايات نوع ما من الاتفاق. فإذا حدث ذلك يكون الاستفتاء قد حقق أحد أهدافه على الأقل وهو بدء المحادثات. ومن الصعب بالطبع التغلب على أحد عشر عاما من عدم الثقة بين كلا الجانبين .يريد العبادي أن يظهر أنه يتصرف نيابة عن المواطنين الأكراد ضد قيادتهم “غير المسؤولة”، ولكن من غير المحتمل إجراء محادثات جدية على المدى القصير.

وفيما يتعلق بمسألة الموازنة، يتحدث العبادي عن دفع الرواتب بدلا من الحديث عن الميزانيات التي يتم توزيعها على المناطق. ويقول “يجب أن تكون جميع عمليات المراقبة الحدودية داخل العراق وخارجه تحت سيطرة الحكومة الفدرالية” ويقترح أيضا أن يتم دمج البيشمركة في قوة وطنية مع تحول بعض القوات المحلية إلى شرطة. ويقترح العبادي إبعاد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل كامل تقريبا عن وظائف الحكم الرئيسية ،ولكن بغداد غير قادرة على الحلول محل البشمركة في كركوك كما أظهرت أحداث أكتوبر. من الواضح أن نفوذ بغداد يتصاعد، لكنها ربما لم تقم بتقييم المخاطر القادمة. لم يتلق رد فعل بغداد على الاستفتاء إدانة دولية، والأكراد يشعرون بالعزلة، وبالتالي فإن موقعهم غير قوي في المفاوضات حول وضع كركوك. واليوم، تواجه إربيل وبغداد مسألة كيفية استبدال الطبقة السياسية الفاقدة للشرعية وإعادة هيكلة العلاقات للمضي قدما.

ومع ذلك، فإن موقف حكومة إقليم كردستان ضعيف بشكل عام، حيث أن التجزؤ والانقسامات تزيد من تعميق الأمر. إن التوافق الوطني الكردي الجديد أمر ضروري للتفاوض، ولكن القيادة لم تستثمر في هذا، وبدلا من ذلك عززت الانقسام على طول الخطوط القبلية / الاقتصادية / السياسية، مع الكثير من السخط الشعبي. ولا يزال الحزب الديمقراطي الكردستاني يستثمر خطاب المقاومة القديم ضد الحكومة الاتحادية كمحتل. هناك احتمال خطير لانهيار دموي في حكومة إقليم كردستان، وبالتالي على العبادي أن يتحلى بالمسؤولية هنا. خطابه هو أن الناس ليسوا مسؤولين عن القيادة، ولكن أعماله حتى الآن تعاقب في الواقع الأكراد العاديين. وهو لا يزال يرفض الالتزام بجدول زمني محدد للرواتب، على سبيل المثال. ونظرا إلى أن ليس لديه المال، فإن الطريقة الوحيدة التي يستطيع القيام بذلك هي إذا ما حصل على إيرادات من مبيعات النفط في إقليم كردستان.

يجازف العبادي بالتمادي وبتفجير شرعيته الدولية، حيث أن بغداد لا تملك القدرة اللازمة للسيطرة على الأراضي المتنازع عليها ومواجهة حكومة إقليم كردستان بنجاح. ولكي تتنازل سلالة برزاني–طالباني عن سيطرتها، فإنها ستحتاج إلى فقدان قوتها القسرية والمالية، وإلا ستظل نخبة ظل. لكن حكومة إقليم كردستان قد تشهد تحركا من القومية إلى سياسة “المطالب المعيشية.”خاتمة

القضايا نفسها قائمة في العراق منذ أكثر من عقد. وعلى غرار المالكي في عام 0102، سوف يترشح العبادي للانتخابات المقبلة من منصة “الزعيم الوطني القوي”. إن وجود دولة مركزية وظيفية قوية، ضرورية حتى في نظام اتحادي، وهذا غير موجود في العراق. لقد اعتبرت حكومة إقليم كردستان دولة من هذا القبيل، ولكن نقاط ضعفها، المرتبطة بالأسرتين اللتين تديرانها، أصبحت واضحة. الطرف الهام في العراق هو الميليشيات الرئيسية في الحشد، وخاصة بدر. فقد أوجدت بلا شك مؤسسات، وأصبحت إلى حد كبير الشرطة، وحصلت علاوة على ذلك على تأييد شعبي. نموذجها هو نفس نموذج الباسيج الايراني وحزب الله اللبناني، إلا أنها في العراق متعددة.

هناك نقاط تفاؤل، والعراق عند مفترق الطرق. ينبغي التعامل مع قوة الميليشيات، وهو ما قام به إلى حد ما المالكي خلال صولة الفرسان. لقد كان الدستور اتفاقا بين مجموعتين من الضحايا الشيعة والأكراد، الذين ركزوا على ضمان أن الحكومة المركزية لا يمكن أبدا أن ترتكب مرة أخرى حملة أنفال. إنه دستور معيب، استبعد ولا يزال يستبعد السنة .وإذا كانت أحداث الموصل قد أيقظت الشيعة إلى حقيقة أنهم لم يعودوا الضحايا، بل هم الأمناء على مستقبل العراق ،ويمكن للعبادي أن يقدم تسوية سخية للأكراد من موقع قوة، فإنهم قد يحولون دون أي يتحرك نحو الاستقلال لأجيال .

المتحدثون

رعد القادري، مركز مجموعة بوسطن الاستشارية لتأثير الطاقة، واشنطن العاصمة علي المولوي، مركز بيان للدراسات السياسية، بغدادطوبي دودج، مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصادفالح جبار، معهد العراق للدراسات الاستراتيجية في بيروتكريستين فان دن تورن، الجامعة الأمريكية في العراق، السليمانيةأندريا معلوف، أكتيس ستراتيجي، لندنريناد منصور، شاتام هاوس، لندن

مايكل ستيفنس، المعهد الملكي للخدمات المتحدة، لندنفاضل حورامي، المونيتور، أربيل

زينب كايا، مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصادأكيل عباس، الجامعة الأمريكية في العراق السليمانية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*  تقرير عن المؤتمر المعنون أعلاه المنعقد في كلية الاقتصاد والسياسة بجامعة لندن في 15 كانون الثاني المنصرم وحيث انعقد مؤتمر مماثل عن اقليم كردستان العراق في 16 اذار الحالي.