من المفترض وفقا لما اعلن سابقا، ان يقدم مجلس الوزراء الى مجلس النواب يوم ٢٤ الشهر الجاري، قائمة باسماء المرشحين لاشغال الدرجات الخاصة بدلا عن المعينين بالوكالة .
وارتباطا بهذا نشير الى ما كنا ذكرناه منذ فترة طويلة، من ان سبب أوضاع البلد المأزومة على الصعد المختلفة، يكمن اساسا في المنهج الخاطيء في بناء وإدارة الدولة، وفي اعتماد نظام المحاصصة والطائفية السياسية الحاضن للفساد.
كذلك شددنا مراراً على أهمية وضرورة ولوج طريق الإصلاح الجذري، المفضي إلى تغييرات عميقة، جذرية وشاملة. وقلنا ان نقطة البدء في ذلك هي الإصلاح السياسي والإداري، وإعادة بناء الدولة بعيداً عن المحاصصة الطائفية والاثنية ووفقا لمبدأ المواطنة، بما في ذلك إسناد الوظيفة العامة على أساس الكفاءة والنزاهة والمهنية والوطنية.
وأسهم اعتماد المحاصصة والحزبية الضيقة وتقريب الموالين عند تعيين الدرجات الخاصة، في ما تجلى من ترهل مؤسسات الدولة وضعف أدائها، ومن شيوع المحسوبية والمنسوبية والولاءات الضيقة، واستفحال دور الدولة العميقة وأخطبوطها المنتشر في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية.
وازاء ذلك وفِي مسعى للحد منه ولتفكيك الدولة العميقة، ذهب مجلس النواب إلى اعتماد فقرة في موازنة 2019 تنص على انهاء ملف التعيين بالوكالة، وحدد موعداً للتنفيذ، الا انه لم يجر الالتزام بذلك، وجرى ترحيل الموعد الى يوم 24 من الشهر الجاري.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى ان ضغوطا ومساومات كثيرة جرت في هذا الخصوص، وانها تجلت في ما أعلن من قوائم تعيين للمدراء العامين، جاءت متوافقة مع منهج المحاصصة ومستجيبة لما رشحته الكتل السياسية المتنفذة، رغم إعلان هذه الكتل التخلي عن ذلك وتفويضها رئيس الوزراء القيام بهذه المهمة.
وإن مما يقلق جدا اليوم ان يمتد منهج المحاصصة إلى تشكيل مجلس الخدمة العامة المراد تكوينه هذه الفترة. فاذا حدث هذا فعلا فان تكوين المجلس لن يختلف في شيء عن عدم تكوينه، وسيكون ذلك تعطيلا له مع سبق الإصرار، وشلاّ لأدائه مهامه المثبتة في القانون.
من جانب آخر لا بد من تأشير حقيقة ان انتفاضة شعبنا العراقي في تشرين الجاري، قد رفضت بقوة ووضوح استمرار النهج الخاطئ الذي قاد إلى الأزمات المتكررة ومظاهر التردي المختلفة، ومنها تدهور الخدمات العامة وتعطل الاقتصاد الوطني واستفحال ظاهرة البطالة وارتفاع معدلات الفقر. فالتمسك بهذا النهج المدمر لا يعني سوى ضرب مطالب المنتفضين عرض الحائط، ولا يثير غير التساؤل عن مدى الجدية في تنفيذ الإجراءات الاقتصادية المعلنة.
ان من الواضح ان لا جامع يجمع التمسك بهذا النهج الخاطيء مع العمل على تحقيق إصلاح جدي. لذلك لا بد من التشديد مرة اخرى على أهمية تشكيل حكومة جديدة ذات صلاحيات استثنائية واسعة يقرها البرلمان، وتتكون من شخصيات وطنية ذات كفاءة، تهيء مستلزمات الانتقال إلى وضع جديد يؤسس لدولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.