( 2 )

كانت ثورة 14 تموز حدثاً استثنائياً في تاريخ العراق الحديث لا بسبب سقوط النظام الملكي واقامة حكم جمهوري ولا بسبب المنجزات التي حققتها الثورة ولكن هذه الثورة كانت بمثابة ومضة نور وسط ظلام دامس تمكن جيلاً بعينه من الذي عاش تلك الومضة من رؤية اشياء لم يتمكن احد من رؤيتها بعد ذلك وقراءة اشياء لم يتمكن احد من قراءتها بعد ذلك وسماع اشياء لم يتمكن احد من سماعها بعد ذلك وهذا ما أحدث فجوة كبيرة بين ذلك الجيل والاجيال اللاحقة وما زلنا ندفع ثمن تلك الفجوة الكبيرة حتى هذه اللحظة لذلك فعلى من عايش احداث ثورة تموز ان لا يقيس الامور على مقاييس ذلك الزمان لانه حدث استثنائي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى بل ان المقياس الحقيقي للامور والذي لا يخطئ ابداً هو خلفية المجتمع الثقافية والاقتصادية والدينية والاجتماعية والنفسية وعلاقاته العشائرية وقيمه ومفاهيمه وتراثه الشعبي وحسه الفطري وهي اشياء في معظمها غير مادية ولكنها في المجتمعات المتخلفة تفعل فعلها اكثر بكثير من الاشياء المادية على عكس المجتمعات المتطورة فان الفعل للجوانب المادية وخاصة العلاقات الاقتصادية وهذا درس آخر من الدروس البليغة التي يجب ان نستوعبها جيداً وهي ان الجوانب الروحية في المجتمعات المتخلفة تفعل فعلها اكثر بكثير من الجوانب المادية وهذا ما نلاحظه بوضوح شديد في مجتمعنا.

المفرح حقاً بعد كل الكوارث التي مر بها بلدنا الحبيب بعد اغتيال ثورة تموز ان اخيار العراق قد تمكنوا من التحرر من قيودهم الفكرية وشكلوا (تحالف سائرون) وهي تجربة غير مسبوقة وجرأة ما بعدها جرأة في هذه الظروف البالغة الخطورة والصعوبة والتعقيد لبناء دولة المواطنة الديمقراطية المدنية. يقول ماركس في احدى رسائله التي ارسلها الى الحزب الشيوعي الالماني (التقدم يستند الى قراءة الواقع) وقد قرأت قيادة الحزب الشيوعي العراقي الواقع العراقي المأساوي قراءة جيدة جداً وتقدمت الى الامام وساهمت في (تحالف سائرون). لكِ المجد كل المجد ثورة 14 تموز.

عرض مقالات: