المكان فسيح وجريح في ذات الوقت، يبدأ من ((ده شت براز كرت)) وينحرف نحو العمق قليلا، ثم وبعد ساعة ونصف الساعة يتفرع الى اتجاهين او الى واديين تفصل بينهما سلسلة من التلال العالية التي لو صعدت فوق احداها لظهرت امامك واضحة قمة ((هلكورد)) أعلى قمة في سلسلة حصاروست.

في بدايته وعلى سفح يغطيه الضباب تقع قرية ((ليلكان))، وهي القرية التي اشتهر اهلها بتعاملهم مع الجحوش ولا يكنون ودا للبيشمركة ما عدا بعض الصلات العشائرية، هذا ما قاله لنا محذرا مام خضر روسي النصير الذي كان له الدور الابرز في وجودنا بهذا المكان، امّا بقية الوادي فخالٍ الاّ من بعض الرعاة الذين هجروا المنطقة لاحقا، ومن هنا كانت البداية غاية في الصعوبة من حيث الحصول على التموين من الجانب العراقي.

لا علم لي بالسبب الذي جعل المنطقة الغنية بالمياه مهجورة من اهلها، لكن على الارجح بسبب القصف العشوائي الذي يتعرض له المثلث الحدودي من جيوش الدول الثلاثة، بالاضافة الى انه ينقطع عن العالم في فصل الشتاء القاسي، ورغم ذلك فأن المكان هو الانسب في ذلك الصيف لتجمع المئات من الانصار الذين جاءوا من كل حدب وصوب وخاصة في الشهر الخامس والسادس من عام 1983.

قبل ان نبني مقراتنا في هذا الوادي وقبل ان تنفتح امامنا نوافذ جديدة لتزويدنا بالمؤونة اللازمة، كان على المفرزة المعنية بالتموين في ذلك اليوم ان تمشي ساعات طويلة (نخرج من الفجر ولا نعود الاّ قبل الغروب) بمحاذاة النهر الذي تنتشر على ضفافه ((رشمالات)) الرعاة الصيفية، لكننا لم نستطع الوصول الى القرى المهمة وذلك لقربها من المعسكرات التي تحمي القصبات التابعة لقضاء ((جومان)) وبألكاد نحصل على حفنة من التبغ وقليل من الطحين والشاي الوجبة الاساسية في تلك الايام.

طبيب هذا التجمع هو النصير الفقيد الدكتور ابو تانيا، الذي جاء معنا في اول مفرزة قادمة من ايران في مهمة البحث عن امكنة بعيدة وآمنة، كان الرفيق ابو تانيا يتحسر لأنّ ((عليجته)) لا تتوفر على الحد الادنى من الادوية الضرورية، فكان دائما ما ينصح بتحسين الوجبات الغذائية او زيادة السكر في الشاي لكي يمنح الشباب بعض الطاقة المفقودة، ولكن كلّ ذلك كان مجرد امنيات، فلا وجود لغير الخبز القليل والشاي المرّ في اغلب الاحيان؟!. ولابدّ من الاشارة هنا ومن دون ذكر الاسماء، فأنّ الانصار جميعهم، قابلوا هذه الازمة بقوة وصبر منقطع النظير وبذلوا اقصى ما يمكنهم في سبيل خلق بيئة رفاقية واجتماعية ملائمة.

قبل ان يأتي فصل الشتاء الذي يحلّ مبكرا في تلك المناطق البعيدة، كان علينا ان نحدد بالضبط في اي مكان على السفح نبني مقراتنا الشتوية، فأستقر بنا المقام في ((دراو العليا)) ومنطقة ((لولان) القريبة من الحدود الايرانية والتي أقمنا فيها في اذار 1984 اجمل احتفال بمناسبة اليوبيل الذهبي لتأسيس حزبنا، كما استضافت المنطقة في حزيران من نفس العام اجتماع اللجنة المركزية المخصص لتقييم تجربة الحزب لعشرسنوات خلت وخاصة تقييم ((الجبهة مع البعث))، وفي هذا الاجتماع حصل الرفيق سكرتير الحزب الراحل عزيز محمد على وسام اكتوبر بمناسبة عيد ميلاده الستين كما اعلنت ذلك اذاعة موسكو اثناء الاجتماع.

يتبع

عرض مقالات: