تخمينات وتأويلات عدة لتوصية حل التشريعي. وكلها تؤكد عمق أزمة النظام السياسي الفلسطيني

■ من الطبيعي أن تثير توصية المجلس الثوري لحركة فتح، بحل المجلس التشريعي (المعطل) وأن تحال صلاحياته الى المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، العديد من التخمينات والتأويلات والتفسيرات.

البعض فسر التوصية أنها دعوة لإخراج حركة حماس من المؤسسة الفلسطينية، في إطار الحرب الدائرة بينها وبين فتح، في ظل الإنقسام المدمر، الذي ألحق الأذى والضرر الشديدين بالحالة الوطنية الفلسطينية. فحماس هي الشريك الأكبر في المجلس التشريعي، وهي تدرك أهمية أن يكون لها هذا الموقع، خاصة أنها لا تشكل الكتلة البرلمانية  الأكبر فيه فحسب، بل تتولى (رغم تعطله) موقعي رئيس المجلس ونائبه، وسيبقى هذان المنصبان بحوزتها ــ وفقاً لبعض قراءات القوانين الأساسي، الى حين التئام المجلس وانتخاب بدائل لهما. لذلك حافظت حماس على ما تسميه هي «المجلس التشريعي» من خلال اجتماعات كتلتها البرلمانية في قطاع غزة، وأفتت بتمثيل الغائبين من نوابها في الأسر، بتفويض منهم للحاضرين، بحيث تتيح حماس بنفسها أن تقدم اجتماعات كتلتها البرلمانية على أنها حفاظ على المجلس التشريعي وانقاذه من الشلل. واستغلت حماس هذا الواقع، لتجعل من اجتماعات كتلتها البرلمانية في غزة منبراً يخدم سياستها، في صراع مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية. وبالتالي فإن حل المجلس التشريعي، ينزع من بين أيدي حماس واحداً من أدوات الصراع في ظل الإنقسام؛ رغم إدراك الجميع أن حماس لن تعترف بشرعية أي قرار، أياً كان مصدره، بحل كتلتها البرلمانية، وسوف تصر على التمسك بها بإعتبارها هي المجلس التشريعي، وسوف تصف قرار الحل (اذا ما صدر عن المجلس المركزي) بأنه باطل وغير شرعي ولا يلزم نواب حماس. ما يعني توغلاً آخر في مجاهل الإنقسام، وتوتيراً جديداً وإضافياً في العلاقات الداخلية سببه بطبيعة الحال الإنقسام بين الطرفين.

* * *

البعض الآخر، فسر التوصية على أنها ذات صلة بوراثة الرئيس محمود عباس. فالتقارير الإسرائيلية، والأجنبية، (وكذلك تصريحات صائب عريقات لصحيفة يديعوت احرونوت) حول صحة الرئيس عباس، نشرت مناخاً يوحي وكأنه مرشح لأن يغادر المسرح السياسي في لحظة مفاجئة. وبالتالي باتت مسألة وراثة الرئيس عباس، في مناصبه العديدة، موضع نقاش وحديث دائمين، ليس فقط في المحافل السياسية، بل وكذلك على الصعيد الشعبي. وأصبح السؤال الكبير، على جدول أعمال الدوائر السياسية الفلسطينية والعربية والدولية: «من هو خليفة عباس؟» وتعددت الإجابات والسيناريوهات، وطرحت احتمالات عدة، جاءت ترشيحاتها تحمل في طياتها إشارات سياسية لا تحتاج الى جهد لمن يرغب في تفسيرها. حتى أن الإسرائيليين، في بعض تقاريرهم، تحدثوا عن هشاشة النظام السياسي الفلسطيني، وعن حالة الضعف التي يعانيها، وتعانيها في سياقه حركة فتح، كما تحدثوا عن فشل الفلسطينيين المرتقب في التوافق على بديل لعباس، نظراً لكثرة المرشحين وتضارب مصالحهم واتجاهاتهم، من داخل فتح، وفي الصراع مع حماس.  حتى أن بعض التقارير تحدث عن صيغة سرية، لدى قيادة جيش الإحتلال، تقود الى  شطب النظام السياسي الفلسطيني الحالي، بمؤسساته المعروفة: مجلس تشريعي، وحكومة سلطة فلسطينية وموقع رئاسي، لصالح قيام «الولايات المتحدة الفلسطينية»، عبر تحويل كل محافظة من محافظات الضفة الفلسطينية الى «ولاية»، وتعيين ضابط فلسطيني كبير، على رأس كل «ولاية»، يكون مرجع هؤلاء جميعاً، هي الإدارة المدينة للإحتلال التي تنوب عن السلطة الفلسطينية وحكوماتها. وتقول التقارير إن مثل هذا «النظام» من شأنه أن يقود الى أمرين: الأول اقناع إسرائيل للرأي العام أن الفلسطينيين لا يملكون القدرة لإقامة دولة مستقلة خاصة بهم، ولا يملكون القدرة لإدارة شؤونهم بإستقلال، وأنهم مازالوا بحاجة الى «رعاية إسرائيلية» لفترة قادمة، ليخرجوا من تحت الوصاية إلى القدرة على إدارة شؤونهم بأنفسهم، دون إسناد من الاحتلال وإدارته المدنية. أما الأمر الثاني فهم وجود تبرير إسرائيلي للعالم، كما تقول التقارير، لإدامة الاحتلال بعد أن يكتسب صفة «حضارية» مزيفة، كالصفة التي حاول الانتداب البريطاني الظهور بها، إلى أن أنجز، مع الحركة الصهيونية، الخطوات اللازمة لقيام الكيان الاسرائيلي.

*     *     *

هذا النقاش، من شأن بعضه أن يبعد الأنظار عن الحلقة المركزية» للحظة السياسية الراهنة، أي مقاومة «صفقة العصر» والمشروع الاسرائيلي (البديل للبرنامج الوطني) ومقاومة «قانون القومية» العنصرية. وفي هذا السياق تطرح بعض الدوائر أن الهدف من توصية حل التشريعي، هو التحوط لحالة غياب مفاجئ للرئيس عباس عن المسرح السياسي. حيث تقول القوانين الأساس أن من يتولى الرئاسة المؤقتة ولمدة ستين يوماً، هو رئيس المجلس التشريعي، ليشرف، خلال فترة الشهرين هذه، على تنظيم انتخاب رئيس جديد للسلطة. أي، بالتطبيق العملي سيكون عزيز دويك أحد قادة حماس هو الرئيس المؤقت، وهو المعني بتنظيم انتخابات الرئاسة،  على غرار ما فعل روحي فتوح، إبان المرحلة الانتقالية بعد رحيل الرئيس أبو عمار، إذ كان فتوح هو رئيس المجلس التشريعي. لكن فتح وقوى أخرى، تتساءل، «من يضمن لنا أن دويك سيلتزم بفترة الشهرين، ولن يدعي (على سبيل المثال) أن الظرف القائم لا يسمح بانتخاب رئيس جديد، فتمتد ولايته المؤقتة إلى أمد طويل»، ويدخل على الانقسام بين فتح وحماس، وعلى الحالة الفلسطينية كلها، عناصر جديدة أشد تدميراً للمصالح الوطنية من سابقاتها. لذلك تقول بعض الدوائر إن توصية «حل التشريعي»، الهدف منها إبعاد هذه الكأس المرة، إذ يصبح الرئيس المؤقت في حاٍل حدوث تطور ما، هو رئيس المجلس المركزي، (وهو في الوقت نفسه رئيس المجلس الوطني) سليم الزعنون، ما يضمن لفتح، وللمؤسسة الفلسطينية ضمان الانتقال السليم.

ونعتقد، كما يعتقد كثيرون أن هذه الخطوة، سوف ترافقها، كتقدير، خطوة إعادة انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، خاصة إذا كان مرشح فتح (التوافقي) سيكون من خارج «التنفيذية». وهذه خطوة أقل ضجيجاً من خطوة حل التشريعي، لأنه بات من صلاحيات المجلس المركزي، الممنوحة له من قبل المجلس الوطني في دورة 30/4/2018، أن يحل محل «الوطني» في انتخاب اللجنة التنفيذية.

تبقى النقطة الجوهرية، في هذا كله، أن نقول بعض ما يقوله الآخرون:

  • هذا الضجيج، وهذه السيناريوهات، حول توصية المجلس الثوري بحل «التشريعي»، إنما مصدره الحالة المأزومة التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني. أزمة الانقسام من جهة، وأزمة أوضاع مؤسسات م.ت.ف، في المقدمة، سطوة المطبخ السياسي وتعطيله قرارات المجلسين المركزي(5/3/2015+15/1/2018) والوطني (30/4/2018).
  • هذا الضجيج، وهذه التوصية، وما سوف ينتج عنهما من تداعيات مرتقبة، من شأنهما أن يعتما على «الحلقة المركزية» المتمثلة في الالتزام بقرارات المجلسين المركزي والوطني، لمواجهة «صفقة العصر» و«قانون القومية»

هذا الالتزام، هو المدخل الذي يوفر الفرصة للنظام السياسي ليتعافى من العديد من أمراضه، ويؤسس لإعادة بنائه على أسس توافقية تعيد الاعتبار لمبدأ التشاركية الوطنية وتفتح الأفق لخطوات أكثر جدية لإنهاء الإنقسام.■