( نباح الكلب الذي أفشل هروب أبو قاعدة ورفاقه من معتقل الفضيلية)

اتخذ قرار الهروب الذي حددته الهيئة الحزبية المسؤولة وأرسل إلى قيادة الحزب مع الرائعة ام عدنان - تلك المرأة الشجاعة – حاملة البريد الحزبي وما فيه من رسائل حزبية وبيانات وتعليمات.

كانت تأتي أسبوعا بعد أسبوع، في حر الصيف اللاهب والبرد والمطر، رابطة الجأش صلبة أمام " الشرطية" وهي تفتش ملابسها وأكياس الأكل التي تحملها، مرات عديدة يذهب سائق المعتقل لجلب الشرطية من منطقة بغداد الجديدة او تل محمد ويعود هذا السائق متأخرا وحده، فكون ضابط المعتقل في حيرة من امره ويسمح بدخول النساء بدون تفتيش، وكاتب المعتقل يصيح بأعلى صوته.. لقد دخل بريدكم الحزبي سالما كاملا  ولا ندري أين تخبؤون هذه البيانات .. حتى الشرطية تعجز عن إيجاد أي شيء ممنوع.

قالوا عن معتقل الفضيلية أنه كان مركز لشرطة السيارة، وهو محاط بالأسلاك، والحراس الشرطة يحرسونه من خارج المعتقل الذي فيه غرف عديدة تضم الشيوعيين المعتقلين وساحة ومطبخ كبير وحمامات، وبالجوار يعيش أصحاب الجاموس الذين ينتجون الحليب و" القيمر" وتسمع أصواتهم منذ الصباح الباكر.

ويوجد في المعتقل أيضا حانوت صغير وغرفة ومخزن المواد الغذائية. وهذا المخزن أقرب من كل الغرف للأسلاك الشائكة، ومن هذا المخزن أختير مكان حفر النفق.

 بعد موافقة قيادة الحزب على الخطة التي وضعتها قيادة تنظيم المعتقل، شكلت فرقة الحفر وأخرى لنقل التراب الى حنفيات الماء الموجودة في الساحة.  كان قرب هذه الحنفيات احواض ماء صغيرة تروى منها خيول شرطة السيارة في الاسطبل القريب منها وكان المعتقلون الشيوعيون وأصدقاؤهم يستعملون هذه المياه للشرب وغسل الأيادي والوجه والأقدام والملابس.

عندما يبدأ الحفر كان الغناء والتصفيق يعلو وتلقى المحاضرات والنقاشات السياسية الحامية وهي تغطي على صوت الحفر، ومجموعة نقل التراب من عملية الحفر تحمله بهدوء الى حيث حنفيات المياه لإذابته ويخرج مع الفضلات والأوساخ الى البالوعة وقسم آخر يرمى على سطح غرف المعتقل، وهذا كله يتم ليلا، وفي الصباح تكون هناك على المعتقلين واجبات الطبخ وغسل الساحة والأواني، وعصرا تكون لعبة السلة والتمشي ذهابا وإيابا في الساحة انتظارا لحلول الليل لتبدأ حفلة حفر النفق.

في أسبوع الزيارة تم إيصال خبر الانتهاء من الحفر الى قيادة الحزب التي كانت بانتظار الأخبار حول ما وصلت اليه عملية الحفر. وكانت قد هيأت المطلوب منها أي سيارة نقل الرفاق الى البيوت الحزبية.

أعطيت الإشارة بيوم الهروب والوقت والسيارة تنتظر في مسافة ليست بعيدة عن المعتقل. في الليل نزل كاظم فرهود الى النفق من غرفة مخزن المواد الغذائية وكان أول الرفاق. اخذ يزحف داخل النفق الى ان وصل نهايته خلف الأسلاك، رفع الأحجار الموجودة على رأس الحفرة التي وضعها الرفيق الحفار، وأخرج رأسه من الحفرة ولسوء الصدفة كان كلب الحارس قريبا من رأس الحفرة. فأخذ ينبح عندما رأى رأس أبو قاعدة يخرج من الحفرة وبدأ الحارس يصفر منذرا وجاء الحراس وآمر المعتقل الى مكان الحفرة، فرجع الرفيق أبو قاعدة الى الحفرة. بعد ساعات جاءت سيارات وزارة الداخلية ومدير الشرطة والأمن والمسؤولين الكبار من جاز السجون. فقال لهؤلاء المسؤولين من جهاز الامن والشرطة والداخلية أنا كاظم فرهود مسؤول عن حفر النفق وحدي دون غيري وأنا اتحمل المسؤولية.

 ابعد الرفيق كاظم فرهود ورفيق أسمه "ألكسان" الى سجن نقرة السلمان الصحراوي ومعهما بعض الرفاق.

مضى على هذه الحكاية التي حدثت عام 1966، أكثر من خمسين عاما!

ــــــــــــــ

*المعتقل السياسي السابق في معتقل الفضيلية، عبد الستار الريحاني  أطلق سراحه قبل نهاية عام 1969.