طريق الشعب
مر التعليم في العراق بمراحل مختلفة تبعا لطبيعة النظام السياسي، والسياسة التعليمية المتبعة، فقد كان التعليم في العهد الملكي في بداياته يعاني من صعوبات جمة تمثلت في قلة عدد التدريسيين وقلة المدارس مما جعل الحكومة آنذاك تتعاقد مع معلمين ومدرسين من الدول العربية كمصر وسوريا وفلسطين ولبنان التي قطعت شوطا كبيرا في التعليم، وبمرور السنين تمكنت الحكومات العراقية من سد الشواغر وتهيئة المدارس والمدرسين حتى بدأنا نعير خدمات آلاف المعلمين للدول الشقيقة التي تعاني النقص كاليمن والجزائر والمغرب وتونس وغيرها. وكانت المدارس في العهد الملكي توزع على الطلبة ما يسمى بالإعاشة المدرسية.
وبعد ثورة الرابع عشر من تموز ازدهر التعليم في العراق وبنيت مئات المدارس في المدن والقرى وازداد عدد المعلمين والمدرسين وانتظمت مناهج التعليم وعلى ذلك سارت الحكومات التي تلت حكومة 14 تموز على تباين في القوة والضعف حسب التوجه العام للسلطة التي تدير شؤون البلاد، وقد استطاعت هذه الحكومات بمرور الزمن القضاء على الأمية من خلال التعليم الالزامي الذي كان للقوانين الصارمة دورها الكبير في منع تسرب التلاميذ ومحاسبة آبائهم من خلال القضاء، كذلك عملت الحكومات على محو الأمية وتعليم الكبار حتى خلا العراق أو كاد من الأميين وأصبحت الغالبية تمتلك حدودا متفاوتة من التعليم.
وبعد احتلال الكويت والحصار المفروض على العراق بدأ التعليم بالتراجع وبسبب العامل الاقتصادي فلت الزمام وحدثت الفوضى وعم الفقر البلاد وضعفت قبضة السلطة الحاكمة ولم تتمكن من توفير الحدود الدنيا لإنعاش التعليم مما أعاد العراق سنين إلى الوراء وتفاقمت الأمور أكثر بعد زوال النظام والاحتلال الأمريكي عام 3003.
وكان لسياسات الحكومات المتعاقبة بعد سقوط النظام أثرها الكبير في تفشي الأمية في الأوساط الشعبية، وبسبب فقدان الأمن والتسيب الذي أصاب أجهزة الدولة وتفشي الفساد، حصل تدهور مريع في المستويات العلمية وازدادت اعداد الأميين في صفوف الاطفال ولم تعد هناك جهة توقف هذا التدهور الخطير والتسرب في اعداد الطلبة.
وما تشهده الشوارع والساحات والتقاطعات من تواجد اعداد كبيرة من الاطفال وقد تركوا مقاعد الدراسة، ليمارسوا اعمالا لا تتناسب مع اعمارهم ما هو مثال على الحال الذي بلغه التعليم.

تسرب الطلبة واسبابه المختلفة

ظاهرة تسرب الطلبة من المدارس ليست وليدة اليوم فهي موجودة عبر كثير من السنوات ولكنها تفاقمت في الوقت الحاضر لأسباب عدة في مقدمتها العامل الاقتصادي فكثير من العوائل ليست لديها الإمكانية المادية للصرف على أبنائها ، وهناك عوائل تدفع بأبنائها الى العمل الحر من أجل لقمة العيش أضف الى ذلك الاعتقاد الدارج بعدم الفائدة من الدراسة لرؤيتهم مئات الآلاف من الخريجين بمختلف المستويات الدراسية دون عمل أو يعملون في مهن حرة وبعضها لا يليق بمستواهم التعليمي، أضافة لما يتعرض له الطلبة والتلاميذ وخاصة المدارس الابتدائية والمتوسطة من العقوبة البدنية والإيذاء اللفظي من قبل المعلمين والمدرسين مما جعل بعضهم يتركون مدارسهم خوفا من هذه العقوبة، فيما يقرر البعض الأخر التوجه إلى المدارس الأهلية التي غالبا ما تخلو من هذه الظاهرة.
وكان النظام السابق قد استعمل سياسة الإجبار على التعليم من خلال نظام التعليم الالزامي الذي يلزم أولياء الأمور بإرسال أبنائهم الى المدرسة لحين انهاء الدراسة الابتدائية وبعكسه تكون للقانون قولته. وقد نصت القوانين العراقية على عقوبات رادعة نحتاجها اليوم للخلاص من هذه الظاهرة كما يقول بعض التربويين الذين هالهم هذا الانفلات والتسيب الذي يعاني منه المجتمع العراقي.

فشل المدارس الحكومية في مصلحة الأهلية

وبعد سقوط النظام برزت للعلن ظاهرة المدارس الأهلية التي انشئت بعد الفشل الذريع لوزارة التربية العراقية في بناء المدارس الجديدة أو تأهيل المدارس القديمة ويبدو انها سياسة مرسومة بدقة لإنهاء التعليم الحكومي في العراق من خلال تأسيس المدارس والكليات والجامعات الأهلية، مما سيؤدي مستقبلا الى تفشي الأمية في أوساط العراقيين لسوء المدارس الحكومية، والتشجيع على الدراسة في المدارس الأهلية وهذا ينسجم مع التوجه الاقتصادي الذي تنتهجه الحكومات المتعاقبة، ويخلق تمايزا طبقيا حادا.
ويقول أحد أولياء أمور الطلبة: إن الكتاب يُعرف من عنوانه والسياسة التعليمية المتبعة في العراق تهدف الى إلغاء التعليم الحكومي لأن الدولة العراقية قامت بهدم مئات المدارس بحجة إعمارها ولكنها أصبحت مكبا للنفايات أو استغلت من قبل المتنفذين كساحات للسيارات أو لأغراض أخرى، أضف الى ذلك تفشي الفساد في مشاريع بناء المدارس حيث نلحظ وجود عشرات المدارس في المحافظة هياكل غير مكتملة بحجة عدم صرف مستحقات المقاولين وهذا جزء من الأهداف السياسية للحكومة العراقية.
و يضيف: ففي محافظة بابل أكثر من (120) مدرسة أهلية لكل المراحل: الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، وأنشئت في دور سكنية أو عمارات أو شيدت من قبل المستثمرين ويتقاضون أجور عالية ليس بقدرة العوائل المتوسطة ارسال ابنائهم اليها واقتصرت على أبناء الذوات والموسرين، في ظل تردي التعليم في المدارس الحكومية واكتظاظها وكثرة الرسوب فيها حيث وصل إلى مستويات مخيفة، مما يجبر الأهالي على تسجيل أبنائهم في المدارس الأهلية.

التدخل العشائري وأثره على التعليم

وفي لقاء مع أحد المدرسين الذي لا تزال قضيته معلقة مع عشيرة أحد الطلبة بيّن "أن التدخلات العشائرية ألقت بثقلها على العملية التربوية وأصبح المعلم يخشى محاسبة الطالب المسيء خشية تدخل عشيرته ومطالبتها بـ"فصل" مما افقد المعلم هيبته في ظل تقاعس الحكومة عن حماية كوادرها التدريسية ، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على التعليم في العراق ويجعل المعلم مكتوف الأيدي امام تصرفات بعض الطلبة السيئين الذين يحظون برعاية آبائهم على قاعدة أنصر أبنك ظالما أو مظلوما وهذه الحالة وليدة الفترة الحالية حيث كان يحظى المعلم سابقا بحماية الدولة ووقوفها إلى جانبه.
وللوقوف على حال المدارس في مركز الحلة والأقضية والنواحي والقرى، تحرك مراسلو "طريق الشعب" لزيارة بعض المدارس في مختلف المدن، للوقوف على المشاكل التي تعاني منها المدارس والمواطنين.

المدارس في حي المهندسين والعسكري

وأفاد مراسلنا في الحلة لفته الخزرجي عن زيارته الحي العسكري وحي المهندسين اللذين تسكنهما الطبقة الفقيرة، بأن هذين الحيّين يعانيان من الإهمال. وهذا الأمر ينعكس على أغلب مدارس مدينة الحلة باستثناء المدارس المخصصة لأبناء الأغنياء أو ما يسمى بالمتميزين، وقد أجمل حال المدينة بالملاحظات التالية:
1-
عدم كفاية المدارس الموجودة حاليا ، والازدحام الشديد في اعداد الطلبة ضمن الصف الواحد ، وهو ما يشكل تحديا كبيرا امام الاسرة التعليمية .
2-
تم هدم الكثير من المدارس ، وكان السبب هو لإعادة بنائها ، لكن تلك المدارس بقيت على حالها وتم توزيع طلابها على مدارس اخرى مما فاقم الوضع واربك العملية التربوية بشكل مخيف .
3-
عدم توفر وسائل ايضاح ومختبرات علمية ، وفقدان الكثير من كتب المنهج المقرر وعدم تزويد الجميع بالكتب المقررة وهو ما اضاف عبئا ثقيلا على العوائل الفقيرة من خلال التوجه الى الأسواق لشراء الكتب المنهجية .
4-
لا يمكن ان يتحقق تعليم جيد دون ان تتوفر سياقات عمل اساسية ، وتوفير مستوى معيشي جيد للمعلمين لغرض الابتعاد عن الدراسة الخصوصية وما يلحقها من عزوف الطلاب عن التعليم ومواصلة الدرس .
5-
ضعف البرامج التدريبية للمعلمين ، وعدم تواصل المعلم مع التقنيات العلمية الحديثة وطرق التدريس سواء على مستوى تحديث المناهج او تحديث المعلومات والتفاعل مع ما تشهده دول العالم من تطور كبير ومناهج علمية .
6-
التخلف الكبير بين ما يعيشه الطالب في تعامله مع التقنيات العلمية سواء على مستوى الاتصالات السريعة او تقنية المعلومات عن طريق شبكة المعلومات الحديثة وما احدثته من انقلاب كبير في المفاهيم التعليمية والتربوية إذ بات العراق في ذيل الركب السائر نحو التطور .
7-
عدد الطلاب الكبير ضمن الصف الواحد.. وهناك مدرسة " ثانوية النجوم للبنين " في حي المهندسين ، الصف الواحد يضم اكثر من خمسين طالبا ، والطلبة يشكون عدم قدرتهم على الفهم والتواصل مع المدرس بسبب الأعداد الكبيرة من الطلبة .
8-
ولغرض تجاوز حالات الاخفاق والتدهور المتواصل في العملية التربوية والتعليمية ، لا بد من اعادة النظر بشكل عام بالعملية التربوية والتعليم ، وان يتم ذلك حالا ودون تأخير لان الامور باتت لا يمكن السكوت عليها
9-
اثناء زيارتي لإحدى المدارس الابتدائية للبنين ، لاحظت مجموعة من التلاميذ من مراحل مختلفة وهم يتأبطون حقائبهم ويجلسون قرب حائط المدرسة ، وعندما استفسرت منهم قالوا : ان مدير المدرسة قد منعهم من الدوام بسبب عدم ارتداء قمصان سوداء ، حيث كانت قمصانهم ملونة . وهذه بدعة جديدة يظهر بها البعض لطرد التلاميذ من حضور الدرس والبقاء في الشارع عرضة للحوادث المتنوعة .
ونحن نعتقد جازمين، ان هذا لا يمكن ان يستمر طويلا ، لان بلادنا تمتلك من الطاقات التربوية والمهنية ما لا حصر له ، وهو ما يجعلنا نطمئن للمستقبل ، وان القادم سيكون افضل ما زال هناك من يعمل على إعادة قطار التعليم الى السكة الصحيحة .

قضاء المسيب

ومن ناحية السدة يقول مراسل "طريق الشعب" حسين الشريفي في تقرير شامل أن أغلب مدارس قضاء المسيب وناحية السدة تعاني من مشاكل جدية واحتياجات كثيرة تقف مديرية التربية في المسيب أو بابل عاجزة عن حلها أو تلبيتها.
وفي جولة ميدانية للمراسل في أغلب هذه المدارس ولقائه عددا من أولياء أمور الطلبة وبعض مدراء المدارس، أجمل المراسل ملاحظاته كما يلي:
1-
ثانوية السدة للبنين: للأسف تم هدم بناية هذه المدرسة قبل عدة سنوات وبقرار جائر وغير مدروس تفوح منه رائحة الفساد حيث كانت هذه المدرسة صرحا عمرانيا من طابقين وفيها صفوف كثيرة ومختبرات وقاعات كبيرة كمسرح وللمناسبات ومن هذه المدرسة التراثية تخرج أغلب أبناء المدينة .علماً أنها افتتحت مطلع السبعينات وتفرق طلابها على ثانويات القضاء والقسم الأكبر من طلابها الآن يداومون بدوام مزدوج مع مدرسة القحطانية الابتدائية للبنين، والمدرسة مكتظة بالطلاب وفيها نواقص كثيرة من خزانات المياه ونقص المراوح في الصفوف ولا يوجد ما يكفي من أجهزة فلترة للمياه إضافة الى نقص حاد في الكادر التدريسي لمختلف الاختصاصات وعدم نظافة الصحيات وعدم كفاية المقاعد ( الرحلات) وأغلبها مستهلكة وأكثر التلاميذ لم يستلموا كتبا جديدة وإنما تم تسليم بعضهم كتبا قديمة وممزقة.
2-
مدرسة تبارك الابتدائية للبنات: تعاني هذه المدرسة نواقص كثيرة ومشاكل جدية حالها حال أغلب المدارس في المدينة ولغرض الوقوف على أغلب المشاكل التي يعاني منها التلاميذ كان لنا لقاء بأحد أولياء الأمور السيد حسين السالم الذي حدثنا مشكورا عن أغلب الاحتياجات والمشاكل قائلا إن المدرسة لم تعد تتسع للإعداد الغفيرة للطالبات ولا توجد رحلات كافية وأغلبها مكسرة وغير صالحة .كذلك لا يوجد بها خزان للماء الصالح للشرب وعدم وجود أي جهاز لتنقية المياه. ويوجد نقص حاد في الكادر التدريسي والذي استعانت إدارة المدرسة بمجموعة من المحاضرين بالمجان لسد هذه النقص وبمختلف الاختصاصات. اما صحيات المدرسة فهي شبه مغلقة لعدم ادامتها وتنظيفها. وأغلب التلميذات لم يستلمن كتب لحد الآن
3-
مدرسة حاتم الطائي للبنين: ولغرض الوقوف على نواقص ومشاكل واحتياجات المدرسة كان لنا لقاء مع الأستاذ طالب مجيد الطالبي مدير المدرسة الذي قال لنا: انا في هذه المدرسة منذ أكثر من عشرين عاما منذ أن كنت معلما مع الكادر التدريسي إلى أن أصبحت مديراً ولم تمر المدرسة بظروف صعبة كتلك التي نعيشها الآن فلنبدأ من بناية المدرسة القديمة جداً والمتهالكة وقام بعض الأهالي من أولياء الأمور ومن المتبرعين ببناء ثلاثة صفوف اضافية للمدرسة. ولا توجد رحلات كافية لسد النقص فيها. ولم نستلم كتبا كافية لأعداد الطلبة. ولدينا حارس واحد في الليل وهو فراش في النهار. والصحيات قديمة جداً وغير صالحة للاستخدام. حتى اثاث إدارة المدرسة متهالك ولا يوجد جهاز تكييف. الشارع الذي يربط المدرسة بالشارع العام شارع ترابي ويعاني منه الأساتذة أو الطلاب على حد سواء في موسم الأمطار. ونعاني قلة الكادر التدريسي لمختلف الاختصاصات
4 -
متوسطة الخوارزمي للبنين: حال هذه المدرسة لا يختلف عن باقي المدارس. حيث انها تقع في حي شعبي "حي النصر" من أحياء مدينة سدة الهندية وتعاني من اكتظاظ إعداد الطلبة والصفوف غير كافية ونقص حاد في الكتب ونقص في الكادر التدريسي .الرحلات غير كافية ويجلس عدد من الطلبة على الرحلة الواحدة مما يضطرهم الى الوقوف أو الجلوس على الأرض. السياج مهدم وأغلب زجاج الشبابيك مهشم (علماً أنه في العام الماضي قام مجموعة من الشبيبة بإصلاحه وإصلاح الباب الرئيس للمدرسة، ولا توجد مراوح في الصفوف وان وجد بعضها فهي عاطلة وصحيات المدرسة مسدودة ، ولا يوجد خزان للماء بالحجم الكافي ليغطي احتياجات المدرسة. كذلك لا توجد أجهزة فلترة للمياه .
5-
اعدادية التجارة للبنات في المسيب: وتحدثنا مع السيد عادل مطرود أحد أولياء الأمور في هذه المدرسة وبيّن لنا من خلال تواصله مع إدارة المدرسة أن هذه الاعدادية المكتظة بالطالبات لا يوجد فيها ماء صالح للشرب لانعدام أجهزة منظومة تنقية مياه الشرب ولا يوجد فيها خزان ماء. وتعاني نقصا حادا في الكادر التدريسي وخاصةً للصفوف المنتهية واثاث المدرسة قديم ومتهالك. واحتياجات إدارة المدرسة لأجهزة تكييف ومستلزمات مثل الورق وأجهزة الاستنساخ وغيرها من المستلزمات الضرورية لإدارة المدرسة والطالبات.
6-
ثانوية المسيب للبنات: حيث كان لنا لقاء مع الأستاذة سهاد مديرة المدرسة حدثتنا عن أهم احتياجات المدرسة منها منظومة تنقية مياه الشرب على الأقل عدد 2 . كذلك المدرسة فيها نقص حاد في الرحلات حيث تحتاج بحدود 50 رحلة، مع خزان كبير للمياه. واثاث الإدارة قديم جداً ومتهالك، و لا يوجد جهاز تكييف. والمدرسة بحاجة إلى مودة كهرباء سعة 400 أمير أغلب الأحيان تبقى المدرسة بدون كهرباء. مع نقص حاد في مختلف اللوازم مثل الورق ولا يوجد جهاز استنساخ في المدرسة. وأغلب أجهزة الإنارة عاطلة وتحتاج إلى أكثر من كارتون من شموع الفلورسنت. لا يوجد في المدرسة ماطور مياه . باحة المدرسة بحاجة إلى تعديل وتشجير وذلك يحتاج الى أموال ولا توجد لدينا نثرية أو مساعدة من الجهات المختصة.