طريق الشعب
قال مدرس اللغة العربية مازحا: الروتين: "حَنين، لكنَّه شَوْق وتَوق وصَبْوة. حَنينٌ إلى الوَطن، إلى مَسْقَطِ الرَّأْسِ، اشْتِياق حزين، أَسَف مَمْزوج بكآبة على ما مضى، على الابتعاد عمَّا عرفناه وأَحْببناه. أما من داخل هذه الدائرة اللعينة فهو يشبه "حُنَين"، الرجل الذي ضُرِبَ به المثَلُ في الخيبة والفشل فرجع بخُفّي حنين"!
أجبته مازحاً أيضا: "وهو فيتامين! مادةٌ عضويةٌ متنوعةٌ توجد بقِلَّة في كثير من الأَطعمة وهي ضرورية لإِتمام التغذية وتنشيط الحيوية لمراجعات دوائر الدولة".
اشترك في حوارنا "الطابوري" أفندي أصلع وبدين، يحمل حقيبة كبيرة، قال: "والروتين مفردة تقترب في لفظها من بوتين أيضا، مثلا: بوتين إنترناشيونال وهو دليل نصف سنوي للشركات الرئيسة في العالم مصنّفة قطاعياً، وتعني بالانجليزية: Bottin International وهناك نظام في الاقتصاد يدعى نظام "بوت" وهو نظام عالميّ تلجأ إليه الدول وتستعين باستثمارات القطاع الخاصّ في إقامة وإنشاء مشروعات البنية الأساسيّة مقابل الحصول على حقّ استغلال المرفق أو المشروع لفترة محدّدة بموجب عقود امتياز تمكِّن المستثمر من استعادة التكاليف وسداد القروض وتوزيع الأرباح على المساهمين، على أن يقوم المستثمر بإعادة المرفق أو المشروع إلى الدولة في نهاية فترة الامتياز في حالة جيِّدة صالحة لتسييره واستغلاله وتسمى مثل هذه المشاريع بمشروعات البوت".
قلتُ لهما: أظنها أقرب الى "المتين" أي السمين المترهل الذي غدا بدينا كثير الشَّحم واللَّحم.
أطلق المدرس والاقتصادي قهقهة عالية، ثم عاد المدرس وعقب قائلا: "وهي تشبه "التين" شجر من فَصيلة الخبُّازيَّات أو التُّوتِيَّات، وله أَنواع كثيرةٌ، يقال أما ترى التِّين في الغُصونِ بدا مُمَزَّقَ الجِلدِ مائِل العُنُقِ؟ وهناك التِّينُ الشَّوْكيُّ ويُعْرف في الشرق بِالصَّبَّار وفي المغْرِب بتين النَّصارَى أَوِ التِّينِ الْهندي، ثمَرَتُهُ لَذيذَةٌ بداخلها بذُور ملَوَّنَةٌ ويحيطُ بها غلافٌ شائِكٌ، لونُه يميل إلى ما بين الاخْضرار والاصْفرار".. قاطعته قائلا: "وأريد أكعد ابستانك وألم تين، وادور وين المدعبل والمتين".
هه هه هه هاااااي.

مرض الروتين

لإنجاز معاملة ما قد تحتاج إلى أيام وشهور وربما يزهقك طول الانتظار لتترك انجازها في إحدى دوائر الدولة، بسبب الروتين القاتل والممل الذي يتسيد اغلب مؤسسات الدولة، فتلك المؤسسات أصبحت مصابة بمرض اسمه "الروتين" اضر بسمعتها وأرهق المواطن الفقير الذي يروم انجاز معاملة ما، بسبب أشخاص اتخذوا من هذا "المرض" وسيلة لجني الأموال عن طريق استغلال المواطن.
يقول ماجد حرز، معلم: "الشروع في انجاز أي معاملة في بغداد او المحافظات يحتاج إلى وقت وجهد وصحة سليمة للبقاء محافظا على أعصابك وهدوئك ازاء ما يحدث في بعض الدوائر من مماطلة ووعود طويلة الامد، ظاهرة تحتاج إلى تنفيذ اجراءات صارمة بحق كل من يثبت تورطه في تأخير معاملة المواطنين وبكافة دوائر الدولة".
ويضيف حرز: "ان الدوائر الحكومية الموجودة تعمل بأكمل وجه وبالطريقة الصحيحة لو كان هناك من يتابع ويراقب عملها وبصورة شهرية، إلا أن الروتين الذي يبقى سيد الموقف في اغلبها يدفع السماسرة إلى التوجه من خلال نفوذهم إلى اماكن لغرض فرض سيطرتهم وطلب الأموال بطرق غير مشروعة من مواطنين لا ذنب لهم سوى انهم يطمحون الى انجاز اعمالهم بصورة سريعة".
فالح نجم، متقاعد، قال: "ان انجاز اي معاملة في بغداد يتطلب منك صحة بدنية كاملة لغرض الدخول في زوبعة الروتين القاتل لتمشية معاملات كان الأجدر أن لا تطول بفضل التقنيات الحديثة التي أدخلت إلى المؤسسات التي من الأجدر أن تخدم المواطنين".
ويوضح فالح: "قبل مدة وجيزة قمت بإجراءات تثبيت لوحات جديدة للمركبات بحسب القوانين التي اصدرتها مديرية المرور العامة، لكن لم اتمكن من البقاء صامدا أمام الطلبات الكثيرة من قبل موظفي الدائرة المعنية لأقابل بعدها رجلا بيّن لي انه قادر على انجاز المعاملة بمدة زمنية قصيرة، إلا إنني لم اتفق معه لضخامة المبلغ الذي أراده والذي يصل إلى ثلاثة ملايين دينار عراقي".
من جانبها، تدعو أم سلام، موظفة في إحدى الشركات الأهلية "الجهات الحكومية إلى مراقبة عمل الدوائر الحكومية من خلال كاميرات مراقبة توضع في كل دائرة يشرف عليها جهاز سيطرة من داخل الغرفة الخاصة بالمسؤول لتنتهي معاناة مواطنين لا ذنب لهم ولا قوة في البقاء أمام أبواب دوائر مؤصدة علهم يحصلون على نهاية لمعاملاتهم التي قد لا تنجز من دون تدخل احد".
وتبين أم سلام قائلة: "اسكن في أحدى المحافظات الشمالية ولدي معاملة في بغداد، لكنني لا استطيع القدوم إلى العاصمة بسبب ارتباط العمل فقمت بالبحث عن من يساعدني وبعد البحث وجدت شخصا، لكنه طلب الف دولار لتمشية ما اريد".
ويشير سعد منصور، طالب جامعي إلى أن "الذهاب إلى دوائر الدولة يصيبني بالكآبة والضجر، فلماذا لا نكون كباقي الدول التي تنجز كل ما يحتاجه المواطنون من خلال شبكة المعلومات الدولية الانترنت؟".
ويتساءل سعد "لماذا لا يتم تفعيل دور التطبيقات التي من الأجدر أن تتم الاستفادة منها كباقي الدول المجاورة؟ ما المانع في جعل كل ما يتعلق بالمواطن ضمن الشبكة وبإطار واحد لإنهاء الأزمات؟ أما كان الأجدر بالجهات المعنية أن تكون السباقة في إدخال كل التقنيات الحديثة لعزل السماسرة الذين يتصيدون في الماء العكر ويستغلون المواطنين الضعفاء".
ويلفت محمود، سائق سيارة أجرة إلى أن "اغلب المعاملات لا أقوم بها بنفسي، بل أعطيها أشخاصا متخصصين بهذا المجال لقاء مبالغ مالية قد تكون في اغلب الأوقات كبيرة، إلا إنني اعمل على شراء راحة بالي من الم وحرقة الانتظار، وابتعادا عن مزاجية العمل عند بعض الموظفين ولا نقول اغلبهم، وهذه المزاجية تضع المواطنين في خانة البحث المستمر عن من ينقذهم من جحيم الانتظار الذي أصبح همّا يقبض النفس".
وتقول أم أحمد، ربة بيت: "يجب أن تكون هناك وقفة حقيقة من الدولة ومن قبل رئيس الوزراء شخصيا لإنهاء الأزمة، لذا عليه أن يذهب إلى كل الدوائر التي تعنى بأمور المواطنين ويطلع على سير العمل فيها، من أجل معاقبة ومحاسبة كل المقصرين في واجباتهم وإحالتهم إلى القضاء".
ويتساءل منذر جمال، طالب جامعي: "ماذا تعني مراجعة المواطن كاتب العرائض في زمن ثورة الاتصالات وتقنية الحاسوب ليقدم أوراق معاملته لهذه الدائرة أو تلك؟ لماذا يستمر المعقب ويبقى عنوانا دائم الحضور في الدوائر عموما والتسجيل العقاري خصوصا؟.. أين نضع مراجعة المواطن من الشباك مع أن العديد من المؤسسات تحتل بنايات كبيرة ومن يحاسب الموظف الذي يتحكم به مزاجه الخاص عند التعامل مع المراجعين؟ ماذا تعني ولائم الإفطار التي تمتد لساعة أو أكثر في بعض الدوائر الحكومية فضلا عن تحويل بعضها الآخر إلى ما يشبه المقهى من خلال تناول الشاي المستمر وعلى عباد الله الانتظار وإلا فالويل للمعترض!
ويقول المحامي سعد صباح ساخرا من معاناة الروتين ومزاجية بعض الموظفين في الدوائر: "ونحن في الألفية الثالثة والعالم يمضي في مسيرته العظيمة من التقدم العلمي والتكنولوجي والقفزات النوعية التي برزت في عالم الاتصال والبرمجة الالكترونية. إلا أن دوائر الدولة في العراق باقية على ما هي عليه وكأنها تعيش في العصر الحجري، فالمواطن الذي لديه معاملة في احدى دوائر الدولة يبدأ بكاتب العرائض الذي يجب أن يكتب طلبه ويرسله ليجلب طابعا من احد المحال و"فايل" من آخر ثم يوجهه إلى الدائرة ليستوقفه شخص لا يعرف حتى القراءة وعليه أن يفهمه ثم يتوجه إلى الشباك الذي يحجبه مئات المراجعين تحت حرارة الشمس. في حينها قد يتمنى أي مواطن أن لا تكون لديه أية معاملة إجرائية في دوائر الدولة، ومنهم من يضطر إلى البحث عن شخصية لها صلة أو معرفة مع أحد موظفي الدائرة التي تكون فيها معاملته.
ويضيف: "الظاهر ان الروتين عندنا اكتسب مناعة ضد أي علاج يستخدم الأساليب الحديثة والمتطورة في إدارة مؤسسات الدولة لإنهاء تعقيداتها المتوارثة وتسهيل إجراءاتها أمام عباد الله من أمثالي، حيث ينتظر المواطن ساعات طويلة لإنهاء معاملته التي لا يستغرق انجازها سوى دقائق معدودة، منهم من ينتظر ليوم أو يومين لإنجاز معاملته التي لا يستغرق انجازها سوى ساعة أو ساعتين. والسؤال هو: طالما دخلت الحواسيب الالكترونية في كل مفاصل الدولة، لماذا لم تستأصل الحلقات الزائدة والتي لا معنى لها خلال رحلة إنجاز المعاملة وخلق بدائل وفق منظومة برامج الكترونية محدثة التي تبسّط وتسهّل متطلبات المواطن العراقي والدولة في الوقت ذاته؟

دكتاتورية الوظيفة

الوظيفة هي امتياز اجتماعي واقطاعية دائمة لبعض الموظفين يجد فيها فرصة لفرض سطوته وسلبياته وحتى أزماته الشخصية والعائلية كما يقول الباحث الاجتماعي مضر نبيل متسائلا: "هل اللوم يقع على الموظف وحده؟ كلا فالمواطن الضحية هو أيضا بشكل ما ضالع في تعزيز مظاهر الفساد من خلال ضلوعه في ترويج أساليب الفساد والرشوة وأعتقد أن جذور المحسوبية والمنسوبية في العراق قديمة وقد اثبتت اليوم رسوخها في دواوين مؤسسات الدولة وغرفها، فضلا عن العقلية العراقية الجمعية".
ويضيف مضر: "منظومتان تتحكمان في الوظيفة الحكومية، أولهما قوانين موظفي الدولة التي ينبغي للدائرة الحكومية أن تطبقها على موظفيها، وثانيهما قوانين العقوبات التي تُعنى بحالات الفساد واستغلال المنصب وهدر المال العام وغير ذلك، ولعل أهم ما يميز البيروقراطية كممارسة وسلوك هو إضعاف روح المبادرة، وإشاعة الركود، وشلّ التفاعل بين أجهزة الدولة، حين تزداد عزلة العديد من الوزارات والدوائر عن بعضها، حتى وصل الامر ببعضها الى تبادل الاتهامات فيما بينها، لتبرير ضعف او قصور في توفير خدمة ما للمواطن.. ربما لا يعرف بعض العراقيين مفهوم الوظيفة العامة وانتاجية الموظف وكفاءته وادائه في العالم المتحضر، ففي بلدان الغرب وبعض الدول الإقليمية التي طورت أجهزتها الحكومية، فُعّلت الحكومة الالكترونية التي تُنجز من خلالها قضايا الجمهور بدقة وتكامل خلال أقصر فترة ممكنة، وخلاف ذلك فان الموظف المقصر او المسيء والمعرقل لانسيابية العمل يفصل من الوظيفة، اما عندنا في العراق فلم نسمع خلال السنوات الاخيرة ان موظفا تعرض لمثل هذه العقوبة برغم أن العديد منهم يستحقها وبجدارة! فالحل يكمن في ثورة إدارية تفصل المسار الإداري والوظيفي عن المسار السياسي في عراق اليوم. ولعل من الضرورة بمكان الإشارة الى ان أمثال هذه النماذج لا تشمل جميع موظفي الخدمة العامة في الدولة العراقية، فهناك من يسعى للحفاظ على نزاهته وامانته ومهنيته في تأدية الواجب ومساعدة مواطنيه لإكمال معاملاتهم ، لكن احاديث العراقيين وحواراتهم تنطوي على قدر كبير من نماذج سلبية حتى أصبح من المستغرب جدا ان يقول احدهم انه انجز معاملته في احدى الدوائر بيوم واحد فقط!
فما زالت النظم الادارية في العراق خاضعة للأنظمة البيروقراطية المملة والمتعبة للمواطن، اما الابنية فحدث بلا حرج، قديمة بالية لا تصلح ان تكون دوائر للدولة ، مما جعلت المواطن يفقد ثقته وهذا ما لاحظته لدى نسبة كبيرة من الناس اثناء مراجعتها لهذه الدوائر والمؤسسات، على الرغم ان ميزانية العراق تعادل خمس او ست دول عربية الا أن الابنية قديمة لا تستوعب ما يحتاج اليها المواطن من خدمات.

قصة معاملة

ربما يقضي المواطن أيام عدة وربما أسابيع قبل أن تنجز معاملته لدى دوائر الدولة، إذ ان بعضها تجبر مراجعيها على الركض في رحلة مكوكية لطبع الاختام والتواقيع وارفاق صحة الصدور وانتظار الكشف وشهادة الخبير القانوني، وثمة مفاجآت أخرى مثل رئيس القسم مجاز وتعال الاسبوع القادم! مسيرة روتينية بطيئة تقنع المراجع بضرورة "دفع المقسوم" لمعقبي المعاملات او الدلالين لينهي معاملته وساعات الانتظار الطويل، وليحافظ على أعصابه وصحته.
وتروي المواطنة أم ثائر رحلتها في دوائر التسجيل العقاري والبلدية والضريبة لغرض الحصول على سند قانوني لمشتمل مساحته 75 م2، وتبين: "انها اشترت دارا صغيرة تأويها وابنها ثائر فدخلت في دائرة التسجيل العقاري وبعد الصعود والنزول والاختام والرسوم والكشف تم تحويلنا الى دائرة البلدية التي اجرت الكشف الموقعي وقررت دفع غرامة باعتبار المشتمل غير مفرز وفيه تجاوز، وقررت دفع الغرامة من خلال مصرف حكومي يتعامل مع الدائرة البلدية ثم عادت المعاملة مرة ثانية الى دائرة التسجيل العقاري لتحيلها الى لجنة الكشف والتقدير وحولتها الى دائرة الضريبة وضريبة العقار التي قامت بدورها بإجراء كشفين وتقدير قيمة الرسوم التي يجب ان تدفع من خلال مصرف حكومي لتعود المعاملة مرة ثالثة الى دائرة التسجيل العقاري الذي طلب منها دفع رسم الشراء لإصدار سند رسمي باسمي".
واضافت ان "المراجعات استغرقت اكثر من ثلاثة اشهر وكلفتني مليوني دينار كرسوم وضرائب عدا تكاليف النقل واجور موظفي الكشف والانتظار الطويل وتحمل مزاجيات الموظفين والمراجعين"، وتؤكد أم ثائر بانها "تمنت لو لم تشتر الدار لصعوبة المضي في اتمام المعاملة، الا انها ارادت ان تضمن مستقبل ابنها ثائر".
واكدت ان "معقبي المعاملات ينتشرون امام ابواب الدوائر الحكومية لتقديم خدماتهم التي تعني اكمال المعاملة ومتابعتها في الدوائر اعلاه بسرعة واصدار السند مقابل مبلغ يتجاوز المليون بقليل، الا انها فضلت ان تتحدى الصعاب وتنهي المعاملة بنفسها برغم علمها ان المعقبين لديهم طرقهم في اختصار المسافات والكشوفات والحصول على التواقيع والاختام بسرعة".

روتين متوارث

المدرس سعيد نصر لديه معاملة اصدار اجازة سوق من مديرية المرور العامة يقول: "عدد من الوسطاء يطالبون بمبالغ مالية من المراجعين مقابل الاسراع بإنجاز المعاملة واستلامها من كشك الفلافل او الاستنساخ"!
ويضيف: "الروتين في دوائر الدولة مفتعل من قبل بعض الموظفين الذين يضعون العراقيل لإجبار المراجع على دفع الرشوة او الاعتماد على المعقب الذي يخصص نسبة لهم، ورغــــم التنبـــيهــات والتحذيرات بمعاقبة ومحاسبة المرتشين والفاسدين في دوائر الدولة الا ان بعض موظفي دوائر الدولة من ذوي التعامل المباشر مع المواطن مازالوا يتعاملون بالرشى او يضيقون على المراجع من اجل ترك معاملته واللجوء الى المعقب".
ويبين "ان هذا السلوك امتهنه بعض الموظفين في دائرة معينة وتوارثه موظفون آخرون ومع ضعف المحاسبة انتشر في الدوائر الحديثة ،بالرغم من ارتفاع الرواتب والحالة المعيشية، ولا يمكنهم تركه الا بطردهم من الخدمة وتنظيف الدوائر منهم".
وعن رؤيته للحد من هذه الافة يؤكد على "ضرورة اتباع الطرق الحديثة في ادخال البيانات واستخدام الحاسوب واختصار المنعطفات غير اللازمة التي تجري فيها معاملة المواطن فهو يبدأ بورقة طلب واذ بها تتكاثر لتصبح عدة ملفات تحوي اوراقا وكتبا رسمية مختومة وملونة ومرفقة بأوليات لا حصر لها ناهيك عن مستمسكاته الاربع، وهذا يتطلب عدة مراجعات وانتظار وتأخير وصحة صدور ووو ..حتى تنتهي المعاملة".
ويضرب سعيد مثالا عن ما يدور في بعض الدول المجاورة قائلا: "الدول التي تحترم الوقت تستخدم الحاسوب وتنجز معاملة المواطن خلال دقائق عن طريق الحوكمة الالكترونية، فالمواطن الذي يرغب في شراء دار يذهب الى دائرة البلدية في منطقته تحتوي على ممثلين عن الدوائر المعنية بالتسجيل العقاري والضريبة والبلدية والمصرف ودوائر اخرى، يقوم الموظف بإنجاز ما عليه ليسلمها الى ممثل الدائرة الثانية وهكذا تنجز المعاملة بسرعة".
ويطالب المدرس سعيد الحكومة بأن" تواكب التطور وتدخل الحاسوب في انجاز المعاملات والتخلي عن الروتين والاختام والاوليات والكشوفات".

معايشة ورؤية ناضجة

يقول سعد حليم، طالب دراسات عليا: "عند مراجعة دائرة معينة لها شان أساسي ستعاني الكثير في انجاز العمل المطلوب الذي يدخل ضمن اختصاصها تجاه المواطن، حيث نرى سيلا من الاجراءات غير المألوفة في العمل الاداري وحلقات متشعبة لا جدوى منها الا التأخير والاضرار بمصالح الناس. اذ يلاحظ عدد من طلبات وتحويلات وافتعال اشياء ليس لها محل في الوظيفة العامة، انما مجرد اجتهاد وتفسير لمجريات العمل الاداري، تارة تتعلق بضوابط معقدة في بعض الاحيان تخالف مبادئ القانون المختص بذلك من خلال ابتداع ظواهر ووقائع خارج ما هو معهود في تطبيقه. وتارة اخرى تتعلق بمزاج ووضعية الموظف ومدى سعة صدره في انجاز المطلوب منه في اقرب وقت مناسب ومحاسبة المواطن عن ابسط الاشياء لخلق اعذار يستفيد منها في قضاء الوقت خارج نطاق العمل. وفي بعض الاحيان تتم مراجعة الدائرة المعنية لكن لا يوجد الموظف المختص او قلة الكادر الوظيفي مقابل زخم المراجعين او زيادة الكادر الوظيفي دون حاجة الدائرة لهذا العدد الاضافي مما سيؤدي الى خلق نوع من الترهل الوظيفي، وهذا كله يولد اعتقادا سيئا للمواطن تجاه ما يجري في دوائر الدولة ويضعف الثقة بالنهوض بواقع الخدمات التي يفترض بالدولة تقديمها للمواطنين ويقلل فرص المساواة بين الناس، ومسايرة بقية الدول المتقدمة في تسهيل اجراءات المراجعات واختصارها بوسائل الكترونية اقل تعقيدا مما هو متبع كالأرشيف الورقي والكتب الرسمية والمخاطبات والبريد باليد وغيرها من الوسائل التي اصبحت بدائية لا تواكب سرعة التطور في مجال الوظيفة والعمل الاداري".
ويضيف سعد: "لو تأملنا قليلا نجد ان العمل الاداري قائم على اساس التسهيلات اللازمة والخدمة المقدمة بأبسط اشكالها لا بأساليب معقدة تؤدي الى تذمر المواطن او التشبث بالأفكار التقليدية القديمة وبالأنماط الجامدة للإدارة وباللوائح والتعليمات الشكلية"

هذا يبدو حلاً.. ولكن!

هل تغير الروتين في دوائر الدولة أم ازداد سوءا؟ وهل الروتين كلمة صحيحة أم هي مصطلح أطلق على الإجراءات المملة التي تتبعها الدوائر؟ أم هو اجراءات قانونية لها فوائد ومضار؟ وإذا كانت هناك فوائد ألا يمكن التقليل من هذه الإجراءات لتخفيف العبء على المواطن وانجاز معاملته بأسرع وقت ممكن؟
يقول المحامي جاسم الخشاب: يفترض أن يوصف الروتين بالتحصين القانوني او اجراء قانوني الغرض منه عدم التلاعب او التزوير، وهو ايضا ضمان للحقوق، وقد جمعتني بعض الدورات في خارج البلاد مع شخصيات مختلفة، ومن دول عديدة تناولنا هذا الموضوع ووجدت في بعض الدول هذه الاجراءات والمراجعات نفسها ، وهذا ناتج عن اسباب عديدة. نعم يفترض أن يعني الروتين الاجراء السليم لضمان حق الدولة والمواطن من حالات عديدة قد تحصل، ولكن احد اهم أسباب استمرار الروتين "السلبي" في الدوائر وجود بعض من الموظفين الذين ما زالوا يعملون بتعليمات الماضي ويعتبروا أنفسهم أصحاب فضل على المراجع.
وحول الحلول المقترحة للتقليل من الروتين او القضاء عليه يقول الخشاب: "أعتقد أن الحل الامثل للقضاء على الروتين هو ادخال البرمجة الحديثة التي تسهم بشكل كبير في حل العديد من سلسلة المراجعات، وذلك لوجود كافة معلومات الموظف او المراجع، وبهذا لا نحتاج الى الذهاب والرجوع من موظف الى آخر، وبما ان الدوائر الحكومية "متخلفة جدا" في هذا المجال، فأقول من ضمن هذه الحلول الدورات المكثفة في ادارت الاعمال التي تسهم في التقليل من الروتين، بالاضافة الى الموظف نفسه ومتى ما يكون مخـلصا في عملـه ولا يتسرب منه، وهناك حلول اخرى منها وجود الإداري الناجح "رؤساء الاقسام" الذين تعطى لهم صلاحيات اكبر لتجنب او لتقلل من هذا الروتين".
ويرى الخشاب أن "تطبيق التقنيات الحديثة في تتبع معاملات المواطنين تحتاج الى قاعدة معلومات رصينة وعدد قليل من الموظفين لإكمالها في اقل من ساعة، وكما هو متبع في بعض الدول المجاورة والمتقدمة، حيث يجلس المراجع في الاستعلامات بعد تقديمه معاملته وينتظر لأقل من الساعة ليستلمها كاملة دون الحاجة الى اختام وتواقيع وكشوفات ومقابلة المدير وتقديم الرشى والمعارف".
ويعتقد الخشاب أن "الظروف المحلية التي تحيط بالبلاد وضغوط الطلب على الوظائف الحكومية اجبرت الوزارات على عدم اتباع الطرق التكنولوجية الحديثة في اكمال معاملات المواطنين، لان اتباع الطرق الحديثة سواء في الدوائر الخدمية او الصناعية يعني الاستغناء عن نسبة كبيرة من الموظفين وعدم تعيين موظفين جدد".
ويضـيف: "أن دوائـــر الضــرائب في اغلب الدول على سبيل المثال تديرها شركات تتبع الانظمة الحديثة من خلال ربطها بقاعدة المعلومات عن تحركات الافراد في مجال الاستثمار والبيع والشراء وتملّك العقارات والشركات، وتستقطع المبالغ المطلوبة من المطلوبين للضريبة من خلال حساب المعني الخاص بعد تبليغه عن طريق البريد الالكتروني او بواسطة موظف بشكل شخصي، وهذه الشركة او الدائرة تجبي اموالا ضخمة الى خزينة بلدانها وتتقاضى نسبة بسيطة مقابل عملها، ولديها موظفون لا يتجاوز عددهم 70 موظفا لاحتساب ضرائب لأكثر من عشرة ملايين نسمة ".
ويتابع: "أن الامر ينطبق على الدوائر البلدية والتقاعد والمدارس والجامعات والدوائر الصحية والبنوك والشرطة والعقارات والدوائر الزراعية والصناعية والتجارية. لذا على الدوائر الحكومية في العراق أن تنتهج التكنولوجيا الحديثة في اكمال معاملات المواطنين بيسر دون تدخل الوسطاء والمعقبين وتوزيع التواقيع والاختام على صفحات المعاملة المطولة التي يتخللها تقديم الرشى".