محكمة الجنايات في محافظة المثنى، حكمت بالسجن 6 سنوات على الناشط المدني باسم خزعل خشان بناء على دعويين رفعهما مجلس محافظة المثنى وهيئة النزاهة الوطنية، لانه اتهمهما بالفساد، وعدم تأدية واجبهما بشكل صحيح، وهما من اصل ثماني دعاوى اقيمت عليه!
والناشط باسم يعمل منذ عدة سنوات على متابعة ملفات فساد مالية وادارية في محافظة المثنى، وقد رفع عشرات الدعاوى القضائية على مسؤولين محليين في المحافظة، يتهمهم فيها بالفساد واستغلال الموقع الوظيفي، فكان نصيبه السجن. وهذا رغم الاعلان المتكرر حد الملل، بأن الحرب على الفساد ستكون الاولى بعد القضاء على داعش.
في بلدان العالم الديمقراطية يثمنون مثل هذا الشخص ويدعمونه رسمياً وشعبياً ويقدمون له المكافآت والجوائز، لانه ينهض بمهمة الرقابة والمتابعة، متطوعاً، لا بتكليف من احد او جهة معينة. فالعلاقة هناك بين الدولة والمواطن يسودها التعاون والشعور بالمسؤولية، والرغبة في الارتقاء بالمجتمع الى ذرى ومديات جديدة.
وفي العراق يفترض بالمسؤولين والمنادين بالحرب على الفساد تشجيع هذه الممارسة الديمقراطية المترعة بحب الوطن والسعي الى انقاذه من هذا الغول اضعافا مضاعفة عن ما يجري في البلدان الاخرى، لأن الفساد المالي والاداري والسياسي اصبح اقوى من مؤسسات الدولة كلها، وتمترس في اروقة وثنايا دوائرنا الرسمية وغير الرسمية على السواء، بل نشر عباءته المهلهلة فوق قطاعات واسعة من المجتمع، وصار ثقافة للكثيرين ممن تآكلت منظوماتهم الاخلاقية والاجتماعية بفعل الحروب والحصارات والقمع المتوارث من حاكم سيئ الى أسوأ منه وصولا الى الامريكان وحلفائهم ومريديهم الذين اداروا ظهورهم للشعب والوطن، واستبدلوهما بالطائفية السياسية والمحاصصة، فكانتا خير حاضنة للفساد والفاسدين.
المشكلة التي لم تجد حلاً مثل غيرها من المشاكل، هي ان الجميع يذم الفساد ويلعن الفاسدين، وفي مقدمتهم الفاسدون انفسهم والممتنعون عن كشف ذممهم المالية، إيغالاً منهم في التمويه وخداع الناس دون ان يردعهم دين او ضمير او اخلاق.
وتتعالى اصواتهم النكراء في مواسم الانتخابات بشكل خاص، متوهمين ان الذاكرة الجمعية معطوبة، وستنسى فسادهم وسرقاتهم.
وكانت الجماهير العراقية على اختلاف فئاتها وطبقاتها الاجتماعية، قد استبشرت خيرا باعلان السيد العبادي الحرب على الفاسدين، وفي المقدمة منهم حيتان الفساد وكبار المفسدين، وظلوا ينتظرون ويحلمون احلاماً وردية بنظافة العراق منهم ومن الوباء الذي اشاعوه في المجتمع العراقي.
ورغم معرفة الجميع بأن المهمة صعبة الى حدود كبيرة، لكنهم يعرفون ايضا انها ليست مستحيلة، ويتطلب انجازها بصورة تلبي طموح العراقيين، ارادة سياسية صلبة في المقام الاول، وتشريعات تعاقب أولئك اللصوص فضلا عن اشاعة ثقافة مجتمعية ديمقراطية اصيلة، تمجد النزاهة ونظافة اليد والكسب الشريف، وتحتقر رجال الصدفة واساليبهم الدنيئة في الاستحواذ على المال العام والسحت الحرام.
كما لا بد من فسح المجال واسعاً، ودون معوقات او عراقيل، امام وسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني، والناشطين المدنيين من زملاء باسم خزعل خشان، لمراقبة الفاسدين ومتابعتهم وتوفير المعلومة لهم، بدلا من تكميم افواههم وسجنهم. فالعدل والظلم لا يجتمعان تحت سقف واحد.

عرض مقالات: