قبل عام 2003 كنّا نمنّي النفس بآمالٍ وأحلامٍ كثيرة ستتحقق عندما تسقط الدكتاتورية وتنقشع الغيمة السوداء التي جثمت على صدر الوطن لأكثر من ربع قرن. وعند سقوط الصنم راودتنا فرحةٌ كبيرة بقرب تحقق أحلامنا هذه !
كنّا نحلم بوطنٍ حرٍ خالٍ من كل شوائب الظلم والقهر والتهميش ، وبحياةٍ سعيدة ملؤها الفرح والسعادة وازدهار الآمال التي كانت بسيطة جداً ، هي أقل ما ترغبه النفس البشرية من حياة كريمة وعيش رغيد ببيت نمتلكه ومدنٍ يعلوها العمران الحديث وتزدان بالعمل والجمال والفن والابتسامة. كما كنّا نفترش آمالنا لنقول لبعضنا:ها ..قد بانت تباشير الفرح والخير على ربوع الوطن !
لكن ..وآه من هذه الــ ( لكن ) كل أحلامنا تبخرت وصارت سراباً وانفرطت آمالنا كحبّات المسبحة أمام عيوننا ، ونحن نشاهد الخراب والفساد وسوء الخدمات والموت المجاني والإرهاب الذي عاث في طول البلاد وعرضها، لتكبر تلال النفايات وتصير شوارعنا وأسواقنا عبارة عن أوساخ وروائح عفنة بسبب القمامة وطفح المجاري وسوء أعمال التبليط وبناء الأرصفة المتكرر كلما اكتمل رصيف تهدم آخر بحجة إعادة الترميم، والمشاريع غير المكتملة التي أصبحت عبئاً على المواطنين. إضافة إلى تحطّم أحلام الشباب في مستقبل آمن بسبب انعدام فرص العمل والتعيين وارتفاع نسبة العاطلين عن العمل مع ازدياد أعداد الخريجين من المعاهد والكليات كل عام ، بالإضافة إلى توقّف الصناعة والزراعة والتجارة ونقصان مياه دجلة والفرات وما إلى ذلك !
الملوحة تزداد في شط العرب ، والزرع والضرع آيلٍ إلى الموت ، والخدمات الصحية والتعليمية تسوء يوما بعد آخر ، ومعها انقطاع التيار الكهربائي المستمر مع موجات الحر والرطوبة العالية !!
بلدٌ يمتلك نهرين عظيمين لكن أبناءه يشكون الظمأ ، وزراعته في انعدام تام حتى بتنا نستورد الماء العذب والملح والتمر والخضروات من دول الجوار !
بلد لم يفكّر المسؤولون لحظة واحدة بكيفية إنقاذه من الخراب والفساد واصلاح الأمور التي أخذت تزداد سوءاً ولم يفكروا بآليةٍ للبناء والعمران وتشغيل الشباب وإخراج البلد من مأزق الأزمات المتفاقمة يوما بعد يوم.، كما لم يباشروا بمشاريع حقيقية تخدم المواطن بشكل خاص ، فبدلاً من بناء المولات والأسواق بالإمكان إنشاء محطات تحلية للمياه ، ومحطات توليد الكهرباء ، وتشغيل المعامل والمصانع العملاقة المتوقفة منذ سنوات ، والعمل على توفير مياه السقي للمزارعين وإعادة الحياة إلى أراضيهم التي أكلها البوار وغيرها !
كل شيء في وطننا يدعوك إلى التظاهر وإطلاق صيحات الحق بوجه المسؤولين ومطالبتهم أن يعوا حجم الخراب وما آلت إليه الأمور من سوء. وسنظل نصرخ بوجوههم لأنهم حطموا أحلامنا على صخرة الفساد بكل أشكاله وألوانه واللامبالاة حيال ما يجري في كل بقعة من بقاع الوطن !
وطننا بحاجة إلى وقفة انتماءٍ حقيقيةٍ كي نبدأ العمل على ضمان حرية وسعادة وازدهار ومستقبل الناس فيه، لهذا نتظاهر وسنبقى نتظاهر لحين الشروع بتصحيح كل هذا الخراب وتحقيق ما حلمنا به ذات يوم !