الأخبار السياسية المُملة تطغى دائماً على باقي الأخبار، باستثناء الأخبار الرياضية التي يمكنها بين الحين والآخر أن تسحب البساط من تحت أرجل السياسة. أخبار العلوم تقول لنا أن جمعاً من العلماء أعلنوا عن تأكيدٍ جديدٍ لسلوك الضوء حين يمرّ بالقرب من ثقب أسود. وفي هذا السياق يأتي تأكيدهم متناغماً تماماً مع ما افترضه آينشتاين قبل عقود عن(انحناء)مسار الضوء بفعل الجاذبية الشديدة التي يفرضها الثقب الأسود على محيطه.
ولأن فرضيات آينشتاين، ليس لها ناقة أو جمل في الحرب الباردة، أو الصراع الدولي، أو النزاع طويل الأمد بين المعسكرين الشرقي والغربي، فقد انحصرت المعارضة لها في إطار المؤتمرات العلمية وأروقة الجامعات والمعاهد المختصّة بالفلك وعلوم الفضاء.
لكن عالماً ألمانياً من معهد ومؤسسة ماكس بلانك في ميونخ همس لأحد الصحفيين بقضية منسية، إذ قال له: لو أن المجامع العلمية كانت قد أخذت بآراء آينشتاين في وقتها، دون أن تتدخل السياسة في الحث بالضد من نظرياته، لكانت البشرية قد وفّرت اليوم موارد طائلة هُدرت في محاولات إثبات خطأ آينشتاين، والتنكيل بنظرياته. هذا يعني أن وقتاً قد ضاع أمام سير البحث العلمي كان من الممكن استثماره لتعزيز(لا لتفنيد)آينشتاين ونظرياته. وكان من الممكن أن نشهد في هذا العام(2018)مثلاً، منجزات علمية تأجل ظهورها ربما لعشر سنين أو عشرين سنة قادمة.
الفرصة ضاعت، وليس بالإمكان سوى استلهام الدرس العلمي في التعامل مع النظريات الجديدة والتي تبدو مجنونة لحظة ظهورها. المفيد في الأمر، أن البحث العلمي لو أنه قد(هدر)بالفعل وقته وجهده على شيء سيثبت لاحقاً خطأه، فإن كلمة(هدر)ليست هي الكلمة المناسبة. لان البحث العلمي(غير المُسيس) دائماً ما يصادف اكتشافات وحلول جانبية أثناء سعيه الى هدفه. وفي بعض الأحيان تكون هذه الاكتشافات الجانبية أكثر أهمّية من هدف البحث نفسه. على سبيل المثال، فإن البحوث على الخلايا الجذعية تسببت بإيجاد فرص كبيرة لعلاج الأمراض الوراثية التي كان يعتقد أن علاجها صعب إن لم يكن مستحيلاً.
باختصار، حين تضيع الفرصة على العلماء، أو أنهم يدركون متأخرين خطأ توجههم فهذا لا يعني نهاية المطاف، أو أن الطريق صار مسدوداً إنما العكس تماماً. فهو يعني أن الباب صار مفتوحاً أمام المزيد من التأكيدات والموثوقية في نظريات بعينها، وعليه يمكن أن يتطوّر البحث العلمي بشأنها. يعني، في العِلم فإن مجرد الخطأ لا يعني إلّا مزيداً من العلم والفرص العلمية. كم أتمنى لو أن السياسة تتعلم من العِلم!. لو أنها تعلّمت فقط من العلم ..

عرض مقالات: