تمر هذه الايام الذكرى الستون لاندلاع ثورة الرابع عشر من تموز 1958، تلك الثورة التي وقفت ضد أخطر ما يمر به المواطن آنذاك وهو الجهل والمرض والفقر، فعممت  التعليم ليشمل كل أبناء الشعب، وليس حكرا على أبناء الأغنياء. وشهد قطاع التعليم تطورا كبيرا حتى وصلت سمعة الجامعة العراقية الحسنة إلى جهات العالم الأربع، خاصة وإن من كلف برئاسة جامعة بغداد، آنذاك، هو العالم عبد الجبار عبد الله. وارتباطا بالثقافة نشير إلى أن السنة الثانية من عمر الثورة شهدت ولادة صرح أدبي، ما زال مفخرة للعراق، وهو اتحاد الأدباء في العراق برئاسة شاعر العرب الكبير محمد مهدي الجواهري.

وجعلت الثورة من خدمة المواطن هدفا أساسيا لها، فانقذت آلاف العوائل ( معظمها هربت من جور الإقطاع في الريف) من الواقع المزري الذي تعيشه مع أطفالها حيث تسكن في احياء عشوائية لا تليق بالبشر. وانتقلت تلك العوائل إلى مدن أنجزت بفترة قياسية ( الثورة والشعلة والحرية نموذجا) وتعدت الأربعين مدينة، حيث تم انجازها في بفترة قياسية نسبة الى عمر الثورة.

أما على مستوى الواقع الصحي فإن هذا القطاع شهد تطورا ملحوظاً، وشهدت بعض القرى النائية، ولأول مرة تأسيس مراكز صحية ( مستوصفات).

كان للثورة وقادتها ونشطائها موقف متقدم من المرأة التي دخلت المعترك السياسي والنقابي، فتم تكليف المرأة بمناصب كان للثورة الريادة فيها حيث تم استيزارها، ولأول مرة، ليس في العراق فحسب بل في عموم منطقة الشرق الأوسط، وتم فعلا تسمية المناضلة الشيوعية الراحلة نزيهة الدليمي لتصبح أول وزيرة في عموم المنطقة. وانطلقت رابطة المرأة لتكافح الأمية والجهل بين النساء.

أما على المستوى السيادي فاستطاعت ثورة تموز الخروج من قيود المعاهدات التي تثلم استقلال البلاد السياسي والاقتصادي، واعادت الى الفلاح أرضه وحجمت دور الإقطاع، وهيأت الاسس لإنشاء صناعات محلية، وجعلت من الثقافة ملكا للجميع، وسمحت بتشكيل النقابات والجمعيات التي تدافع عن شرائح مختلفة.

واقع الثورة وشعبيتها لم يعجب القوى الرجعية والدوائر الاستعمارية فدبرت لها مؤامرة أوكل تنفيذها لحزب البعث الفاشي اساساً ليقوم بارتكاب مجزرة بحق اشرف من عرفتهم الساحة الوطنية نزاهة وكفاءة وحبا للشعب والوطن.

اليوم يستعيد احفاد 14 تموز هذه الذكرى لا للبكاء على أطفالها، بل لاستخلاص الدروس منها، ونحن مقبلون على تشكيل حكومة جديدة، بعد تجربة مريرة منذ التغيير في 2003 حتى هذا اليوم!

النزاهة والكفاءة والإخلاص، ورفض المحاصصة الحزبوية والاثنية، واعتبار العراق، مستقبلا، دائرة واحدة يتمتع فيه بنفس الحقوق والواجبات كل المواطنين دون تمييز، شن حرب على  الفساد وإحالة الفاسدين على القضاء فورا، حياة المواطن وراحته هي الغاية المثلى التي يؤمنها برنامج الحكومة القادمة.

هذا ما نتمنى أن تتبناه الحكومة المقبلة نحن احفاد 14 تموز.

عرض مقالات: