الحق أن هناك فرقاً جلياً بين حكومة العبادي وحكومتي المالكي اللتين سبقتاها.
حكومة العبادي وعلى مدى أربع سنوات من عُمرها، كانت أكثر استجابة لرؤية الإصلاح المالي التي قدّمها البنك الدولي للعراق. لكن"الإصلاح"المالي - من وجهة نظر البنك الدولي- يختلف عن مفهوم الإصلاح العام الذي يعاني العراق من الحاجة إليه في شتى مجالات الحياة السياسية والإقتصادية.
"
إصلاح"البنك الدولي لا يناقش مثلاً شرعية الامتيازات التي أقرّتها السلطة لنفسها، بينما يناقش مدفوعات الرواتب للقطاع العام وسُبل الحد من تضخّم الجسد الحكومي.
وهناك تفصيلة مهمة وأساسية؛ هي أن حكومة العبادي لم تختر السير مع إصلاحات البنك الدولي لولا أنها ارتبطت بشكل أو بآخر بفاعلية التحالف الدولي ضد داعش. يعني، لو لم يكن الوجود العراقي مهدداً من قبل داعش، ولو لم تكن هناك أراضي هائلة المساحة قد وقعت أسيرة بسكّانها تحت هيمنة التنظيم الإرهابي، فإني أشك بحكومة العبادي أن تستجيب لرؤية البنك الدولي للإصلاح.
رؤية البنك الدولي ليست كلّها شرور رأسمالية، ولا كلها خير مطلق. إلّا أن النقاط الأساسية التي وضعها البنك الدولي برسم حكومة العبادي كانت ملاحظات حقيقية، ووسائل سبق ان نفعت أمماً أخرى كي تتجاوز أزماتها المالية.
حين يقول البنك الدولي إن الحد من الانفاق العام هو وسيلة من وسائل الإصلاح فالأمر ليس خطأً. والأمر لا يتعلّق بأن تكون توجهات الحكومة العراقية متبنية نظاماً مكلفاً للرعاية الاجتماعية، رواتب تقاعدية متضخمة، وتعويضات مرتفعة للموظفين، في مقابل مساهمة ضئيلة للغاية في الناتج القومي.
وان سياجاً ضريبياً يرتفع مع ارتفاع نزعة الإستهلاك، سيقلل من الهدر الإستهلاكي، ويفتح الباب أمام نشوء صناعة عراقية تفي بعض الشيء باحتياجات الداخل المستهلك.
هذه ليست إملاءآت، إنما نصائح عامة أوردها البنك الدولي من أجل أن"تفهم"الحكومة ان طريق الإصلاح يبدأ من هنا.
لكن ما فهمته حكومة العبادي هو أن الإستجابة للبنك الدولي، إنما تأتي متشارطة للحصول على الدعم من القوى الدولية للعراق في حربه ضد داعش. هذا يعني-بناء على هذا الفهم- أن الإصلاحات البنيوية في الإقتصاد العراقي لن تعود مهمة، طالما تمكّنا من هزيمة داعش، وطالما عادت اسعار النفط الخام الى الارتفاع.
الحال هنا يشبه تلميذاً يستعد لمذاكرة دروسه بجد بعد أن كان مهملاً طوال السنة، وحالما عرف أن الإستاذ(أجّل)الإمتحان، عاد الى إهماله الأول تحت شعار(من اليوم الى باچر ألف عمامة تنكلب!...الله كريم).

عرض مقالات: