ينفرد العراق بتعدد وتنوع اطياف شعبنا, عرقيا ودينيا ومذهبيا. فهناك مكونات كبيرة، وأخرى صغيرة كانت قد تعرضت منذ القدم الى جملة غزوات خارجية وحروب عدوانية داخلية، بل حتى إلى تصفيات جسدية من اجل الهيمنة وسلب ونهب الممتلكات وفرض ثقافات معينة بالإكراه.
وقد استمرت تلك المحن نتيجة غياب وضعف القيم والمبادئ الانسانية والديمقراطية آنذاك، حيث بات من المخزي ان تعود وتتكرر هذه الحالات المأساوية مجدداً، بعد ان قطعت المبادئ والقيم الانسانية اشواطاً رائدة الى الامام.
ومما يؤسف له هو ان العراق - مهد الحضارات والشرائع الانسانية - شهد ولا يزال يشهد حالات عدوانية كهذه، نتيجة لهيمنة العقول الرجعية والفاشية والظلامية على مجمل الاوضاع لفترات زمنية، علاوة على الحرب المستمرة التي شنت وتشن ضد القوى الوطنية والافكار التقدمية منذ الاطاحة بثورة الرابع عشر من تموز 1958 على أيدي انقلابي شباط الدموي عام 1963 حتى يومنا هذا.
فالمكونات الصغيرة من ابناء شعبنا، ما زالت الى اليوم تعتبر صيدا سهلا من قبل ثلاث مجاميع اجرامية: الاولى تشمل ايتام النظام الدكتاتوري المقبور الذين يسعون إلى تقويض الوضع الامني، والثانية تتألف من عناصر شوفينية فاشية معادية لجميع المكونات التي تنتهج ثقافات مغايرة لثقافة مكونها. فيما المجموعة الثالثة تضم اللصوص الذين يستغلون ضعف مكانة المكونات الصغيرة غير المرتبطة او غير المدعومة من قبل عشائر مسلحة وجهات متنفذة، وذلك لغرض الاجهاز عليها وسلب ممتلكاتها. وغيرها من التجاوزات التي تتحمل كامل مسؤوليتها حكومات المحاصصة الطائفية التي تناوبت على حكم العراق منذ التغيير عام 2003.
ان هذه الاوضاع التي يسودها الانفلات الامني والفساد الاداري والمالي وغيرها من السلبيات الاخرى، ستؤدي في حال بقيت مستمرة، الى خلو العراق من مكوناته الاصيلة، التي تضم نخبا تتمتع بعقول ادارية ومهنية، شعبنا العراقي اليوم في امس الحاجة إليها!