تشكل الفرقة السيمفونية العراقية ظاهرة حضارية في مجمل حركتنا الفنية والمجتمعية. ومن هنا جاء الحرص بعد السقوط مباشرة على لملمة صفوفها وإعادة ترتيبها، وتم تخصيص رواتب متواضعة لمنتسبيها وفق عقد خاص، لان معظم منتسبي الفرقة هم أصلا موظفون. وبما أن قانون الخدمة المدنية لا يسمح بالجمع بين وظيفتين، فقد أصدر حاكم العراق ، انذاك، تخريجة العقد الخاص، ولنسمها مكافأة! وكفى المختلفين شر القتال!

واستمرت الفرقة السيمفونية الوطنية بإشراف الموسيقي المخضرم عبد الرزاق العزاوي  وقادتها الثلاثة: علي خصاف ومحمد أمين عزت وكريم وصفي، تقديم حفلات شهرية جميلة، ومتواصلة على مدار سنوات، على خشبة المسرح الوطني، الذي يتسع لألف متفرج! وبحضور بهي لعوائل بغدادية حريصة على أن تسمع وتشاهد أجمل ما تعرض الفرقة من موسيقى عالمية ومحلية. وساهمت كذلك بكل النشاطات الفنية التي ترافق المؤتمرات والمنتديات العربية او الدولية. كما تم استقبالها في أكثر من عاصمة، وبحفاوة كبيرة!

فعلت ما لم تستطع وزارة الثقافة فعله من إعادة ترميم للصرح الثقافي الوطني الكبير المتمثل في مسرح الرشيد، وفي إعادة الروح للصالات السينمائية ( الحكومية على اقل تقدير!)، ولا تقديم شييء ملموس للفنانين العراقيين الذين يسكنون المنافى منذ عقود، رغم السفرات الوزارية المكوكية بين العواصم الاوربية!

ورغم هذا كله ها هي الفرقة السيمفونية العراقية  تمر اليوم في احلك ظروفها، وتوشك على الانهيار بسبب عدم الوصول الى فهم مشترك بين وزارة المالية ووزارة الثقافة، حول أحقية الراتب الثاني للموظف! علما ان معظم اعضاء الفرقة هم معلمون ومدرسون صباحا، ويعملون في الفرقة كعازفين، اي أنهم يمارسون مهنة أخرى غير مهنهم الاصلية!

وكان بالإمكان، ومن أجل الحفاظ على هذا الصرح الحضاري، ان تصرف المبالغ لاعضاء الفرقة كمكافأة نقدية، كما عمل حاكم العراق بعد السقوط. وهم يستحقون ذلك بامتياز، لأنهم يشكلون نبراس الحركة الفنية العراقية اليوم، حالهم حال منتسبي السلطات الثلاث! الذين يتسلمون مخصصات ومكافئات المنفعة الاجتماعية بدون وجع قلب!

عرض مقالات: