يزداد المواطن العراقي قلقا وخوفا من تزايد اسعار الادوية وضعف الخدمات الطبية والصحية المقدمة في المؤسسات الطبية الحكومية والاهلية. ومبعث هذه القلق نابع من تزايد الامراض التي تفتك بحياته في ظل عدم قدرته المالية على مواجهة هذه الاسعار المنفلته والخدمات الشحيحة .
فعلى صعيد الخدمات الطبية فانها اخذت تتضاءل بشكل حاد في المستشفيات الحكومية التي اعتاد المواطن العراقي ولعقود من الزمن وفي مختلف المراحل، على نيل هذه الخدمات بالمجان لكنه صدم منذ سنوات ما بعد عام 2003 بضالة هذه الخدمات وتحولها من خدمة الى سلعة ولكنها رديئة اما لعدم توفر الادوية اوغياب الاجهزة او عطلها وعدم القدرة على تصليحها ما اضطر وهو يكابد اوجاعه لمراجعة المستشفيات الخاصة التي على الرغم من توفر الاجهزة فيها الا ان اجور خدماتها تضطره الى بيع ممتلكاته رضوخا لسلطانها .
لقد عرف العراق ولعشرات السنين بانتاج الادوية التي تتميز بجودتها وفعاليتها العالية مقارنة بالادوية المستوردة، وكانت تسد نسبة عالية من حاجة الطلب المحلي خاصة بعد تاسيس الشركة العامة لصناعة الادوية والمستلزمات الطبية في عام 1965 وفق معاهدة الصداقة والتعاون الاقتصادي والفني بين العراق الاتحاد السوفييتي السابق التي ابرمت عام 1959 . ان معمل سامراء لانتاج الادوية يعد من الصروح الكبيرة التي تعود الى بدايات العهد الجمهوري، الذي يضاهي في جودة انتاجه ارقى المناشيء العالمية ولا يقل معمل انتاج الادوية والمستلزمات الطبية في نينوى اهمية من حيث جودة الانتاج وكفائته العلاجية فقد حصل على شهادة الجودة الدولية iso 9001 وشهادة جودة ثانية من هيئة الاعتماد الاسترالية تعزز الشهادة الاولى في انتاج العديد من المستحضرات الطبية بما فيها مضادات السرطان فضلا عن ملايين القناني من المحاليل الوريدية المنقذة للحياة بالاضافة الى الشركة العربية لانتاج المضادات الحيوية والتي ساهمت بنسبة 58 في المائة من انتاج الادوية .
وكان من الممكن توسيع طاقات انتاج هذه المعامل لو اعطت الحكومات المتعاقبة الاهتمام الكافي، لكنها وبدلا من ذلك اطلقت العنان لاستيراد الادوية من الخارج انطلاقا من فهم مرتبك في ان الحرية الاقتصادية وخاصة في التجارة الخارجية واقتصاد السوق هو الحل في سد احتياجات الطلب المحلي. وقادت هذه السياسة الخاطئة الى دخول كميات كبيرة من الادوية المزورة او منتهية الصلاحية لمجهولية منشاها او وهميته فضلا عن اطلاق العنان الى المكاتب العلمية المرخصة للاستيراد من الشركات العالمية وتحميل اسعارها بنسب تقرب من 60 في المائة من اسعار شرائها من المنشا في ظل غياب تدخل ووزارة الصحة وتشديد رقابتها .
وزارة الصحة من جانبها ، وبعد ان ضاق الناس ذرعا بهذه الاسعار المهولة و بعد مرور 14 عاما اقدمت على اعلان مشروع التسعيرة الموحدة وان جاءت متاخرة جدا ولكنها افضل من عدم وجودها الا ان هذه الخطوة ما زات في بداياتها .
ونعتقد ان الوزارة مدعوة ليس فقط في تفعيل هذا المشروع وانما توسيعه بالتنسيق مع نقابة الصيادلة ونقابة الاطباء والاجهزة الامنية في اتخاذ سلسلة من الاجراءات نذكرها بما يلي :
1. حصر استيراد الادوية باشراف الجهات الحكومية المختصة ومن مناشيء عالمية معروفة دون ان يؤثر ذلك في التضييق على مستوى ونوع الانتاج الوطني سواء بالنسبة للادوية او المستلزمات الطبية .
2. العمل على اعادة تاهيل المعامل الحكومية في سامراء ونينوى وتوسيع خطوط انتاجها وانشاء خطوط انتاج جديدة وادخال التكنولوجيا في عملها والاستفادة الكاملة من خبرات العاملين فيها والتوقف عن فكرة بيع هذه المعامل الى شركات اردنية وسورية في خطوة تبدو مستغربة في ظل توفر المواد الاولية والمهارات لدى العراقيين بالاضافة الى الاموال التي تركت لحيتان الفساد .
3. اتخاذ الاجراءات الحمائية للمنتج الوطني سواء في القطاع الحكومي او الخاص والتاكيد على منع استيراد الادوية والاجهزة الطبية دون منحها الاجازات القانونية واستكمال مشروع تحديد الاسعار والاجور بالنسبة للادوية وكشفية الاطباء الذي بداته وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات الحكومية المختصة .

عرض مقالات: