بغض النظر عن التعريفات المتعددة للبطالة التي يسهب الاقتصاديون في شرح تفاصيلها وتبيان مخاطرها وآثارها الفتاكة في المجتمع، فإنها في بلادنا تحولت الى مرض ازدواجي الاثر، فهي في الوقت الذي تؤدي الى تبديد الطاقات البشرية وما تعكسه من آثار سلبية على الاقتصاد فانها يمكن ان تحول مجموعات شبابية ليست بالقليلة الى الاندماج في الاعمال الارهابية او التحول الى العالم السفلي وفضاءات الجريمة.
ففي تقرير لصندوق النقد الدولي يشير الى ان نسبة البطالة لدى شريحة الشباب بلغت 40 في المائة وان معدل النساء اللواتي يقعن خارج القوى العاملة يبلغ نحو 85 في المائة بسبب التدهور الاقتصادي الناتج عن التوترات الامنية من بين اسباب عديدة. ولم ينفرد صندوق النقد الدولي بهذا الاستنتاج فان شقيقه البنك الدولي يقر في احصاءاته بان نسبة البطالة في العراق تصل الى 50 في المائة، وعلى العكس من ذلك فان وزارة التخطيط ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية تحاولان التهوين من هذه الارقام بالزعم انها تصل الى 28 في المائة ومع ذلك فان هذا الرقم في حد ذاته ليس هينا اذا ما علمنا ان النظريات الاقتصادية تشير الى ان وصول النسبة الى 15 في المائة هو نذير بوجود ازمة حقيقية تلزم الحكومات باتخاذ الاجراءات الضرورية لمعالجة هذا الخلل بالتنسيق مع القطاع الخاص .
ومع ان اسباب هذه الظاهرة تختلف من بلد الى آخر بسبب التفاوت في مستويات التطور الاقتصادي والمهارات الفنية لدى القوة العاملة، الا ان في العراق عوامل خاصة قادت الى تعظيم هذه الظاهرة الخطرة على مدى العقود السابقة، لعل في مقدمتها الحروب المجنونة التي استوجبت التركيز على الانفاق العسكري على حساب قطاعات الانتاج المدنية، بالإضافة الى الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العراقي والتركيز على قطاع البترول مع ما يصاحبه من تذبذبات في اسعاره وعدم توظيف مدخولاته في ايجاد مصادر مالية اكثر ثباتا. ولا ينسى الباحثون في الاقتصاد ما تسببه عمليات تدمير البنى التحتية الاساسية وما ترتبه على تفاقم ازمة البطالة كتمديد الجسور والمنشئات الصناعية ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والعجز في ايجاد الحلول الناجعة لها. وبعد عام 2003 اضاف الحاكم المحتل الى هذه الاسباب اسبابا اخرى تتمثل في الاقدام على اتخاذ قرارات كانت مخزونة في حقيبته الدبلوماسية تتمثل في تحرير التجارة الخارجية وتحرير حركة وانتقال رؤوس الاموال مما ترتب عليها الاعتماد على توسيع نطاق استيراد السلع الاستهلاكية لمواجهة الطلب الداخلي، وتسبب هذا في هروب العملة الصعبة الى الخارج وتحويل المجتمع الى مجتمع استهلاكي ومزاحمة قاتلة للمنتج المحلي في ظل تقلص المشاريع الصغيرة من 17929 مشروعا عام 2003 الى 11620 مشروعا عام 2006 وانخفاض عدد العاملين من 164579 الى 50207 والى 34379 فردا لنفس الفترة. ويضاف الى تلك الاسباب تدفق عدد الخريجين من الجامعات الحكومية والاهلية الى عشرات الالوف سنويا.
من هنا تنبثق الحاجة الى قيام الحكومة في اعادة رسم استراتيجياتها على اسس جديدة في عملية ربط بين التنمية الاقتصادية وتوسيع طاقات الانتاج وبين العملية التعليمية بمختلف مستوياتها، آخذة في الاعتبار الامور التالية:
وضع الخطط الكفيلة بتوظيف الموارد البترولية في قطاعات الانتاج السلعي عبر تحويل هذه الايرادات واستثمارها في المشاريع التنموية في تلك القطاعات.
دعم القطاع الخاص وتمكينه من المساهمة الفاعلة في الاقتصاد عبر تقديم التسهيلات الائتمانية وتنشيط الجهاز المصرفي في هذه العملية الرشيدة والتخفيف من القيود القانونية والضريبية على عملية الاستثمار الداخلي والاجنبي في القطاعات المناسبة وفي المقدمة منها دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومراقبة نموها باستمرار.
اعادة النظر بالمناهج التعليمية من خلال ربطها بعملية التنمية المستدامة وايلاء اهتمام خاص بالتعليم المهني الذي يعد مصنعا للمهارات التشغيلية التي تغذي القطاعات الاقتصادية المختلفة.
العمل على ضبط العملية الاحصائية لكل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على طريق الحوكمة الرشيدة في بناء الخطط التنموية الفاعلة وتحريك عجلتها.

عرض مقالات: