ليس الإنسان كائنا بايولوجيا فقط، يمكن النظر إليه عبر جسده وانفعالاته ومقارنة ما يحدث له  بأجساد الأحياء الأخرى، كالشعور بأهمية الامومة والطعام والبيئة والمناخ والحاجة الجنسية، ولا هو مجرد عقل يفكر دون علاقة مع الآخرين بحيث تقتصر حياته على معاشرة محددة بعلاقات إنتاجية مؤقتة، كما أنه ليس كائنًا مجردًا من الاحاسيس التي تربطه بالعالم الخارجي وتجد صداها قبولا أو رفضًا لديه بحيث يمكنه أن يتصرف كما يريد دون وعي بأهمية ما ينعكس على الآخرين. وليس الإنسان تكوينًا اقتصاديًا يمكن احتساب  قيمته بالوقت الذي يصرفه في الإنتاج ومن ثم قبض ثمة وليس الإنسان مجموعة من عوامل الهدم اللاشعوري الذي يشده إلى مراحل الطفولة وتعقيداتها بحيث يقرأ حاضرة من انتكاسات طفولته فيخضع لعلاجات نفسية. وليس الإنسان مجموعة من الأوهام الدينية التي خلقته كائنًا مجردًا من الإرادة تابعًا لقوى غيبية تتحكم به وبتاريخه ووجوده، ملغية زمنه وحياته، جاعلة منه كائنا دون إرادة  مربوطا إلى وهم الآخرة ،كما أنه ليس كونا فيزيقيا طبيعيا غفلا من المعنى، سينتقل إلى كون ثقافي لمجرد انه يرغب في ذلك، ولا هو مجموعة من التكوينات الاقتصادية، أو بضاعة تعرض في السوق ومادة تصلح للتبادل، وقيمة وقتية يجري تجاهلها بعد حين، فالمعطى الاقتصادي لحياة الإنسان جزء من التاريخ لأن الإنسان فاعل اجتماعي يكتسب وجوده من اجتماعه بالآخرين في إطار من علاقات التفاعل والتواصل والتفاهم والصراع والتعاون والمشاركة والأخطاء أي هو حصيلة ”علاقات منتجة للثقافة والحضارة فالإنسان هو البنية العقلية التفاعلية التي تميزه عن بقية الأحياء من أنه يبني مجتمعًا ثقافيًا  يمكنه أن يكون فيه فاعلًا مقتدرًا على إدارة شؤونه بالحوار والحرية والنظام والتكافل وتوزيع المسؤوليات، وأن هذا العقل الذي يميزه عن بقية الكائنات بمقدوره أن ينقله من "مجرد كائن موضوعي إلى كون ذاتي، ومن مجرد كون يوجد لذاته إلى كون يوجد للإنسان وبدلالة الإنسان نفسه”. فالقول أن الإنسان كائن ثقافي يعني انتقاله جسديًا وفكريًا من استقبال الحياة إلى السؤال عن الحياة، وبذلك يبدأ  بداية فلسفية قبل أن يبدأ بداية المباشرة مع الحياة، أي البداية الفيزيقية التماثلية مع كائنات حية أخرى". هل الإنسان مجموعة من المعلومات تضخها طرائق التعليم لترشد إلى الطرق المجربة وتخذله عندما يفكر بغير طرقها؟

لذلك يكون السؤال عن الإنسان هو السؤال عن  الثقافة. عن ماهية الثقافة التي ينتجها، هل الثقافة مجموعة المعلومات التي يكتسبها الإنسان من تعامله مع الآخرين؟ أم هي قراءاته وتجاربه الشخصية؟ أم  تشكيل إنساني كما يقول عبد السلام حيمر للواقع وصنع له "الإنسان هو الكائن الذي يعطي الأشياء اسماءها، ويحدد مواقعها ويفهم علاقتها مع الأشياء الأخرى ضمن منظومة العمل والوجود. ما الطريقة التي يجد الإنسان فيها نفسه وقد تبصّر بما يحيط به ليستنتج أسئلة عمّا يعيشه ويتفاعل معه؟ فالإنسان  من دون الثقافة لا يكون الواقع بالنسبة له إلا مجرد مادة خام، مادة سديمية، خالية من أي شكل ، وفارغة من أي قيمة ومعنى". لذلك ما يحدد وجود الإنسان ثقافيا، هو عندما يسأل عن معنى وجوده بين الأشياء الفاعلة، الإنسان شيء ولكنه الشيء الذي يملكه يمكنه أن يفسر ما يحيط به، وان يفهم ما هو الواقع، وبالتالي يقترح الطرق لعلاج مشكلاته وتغييرها، هذا هو الإنسان الثقافي الذي يمكنه ان ينتقل بنا من مراحل متخلفة الوعي الإيجابي المنسجم مع الطبيعة إلى الوعي السلبي المغير للطبيعة.

عرض مقالات: