قبل أيام وأنا أفتّش في مكتبتي عن كتاب كنت قد استعرته قبل سنوات من صديق وقرأته، ثم طالبني به بعد أن نسيت إعادته في حينها ، وقع بين يدي دفتر قديم كنت أدوّن فيه بعض الملاحظات وما اسمعه من حكايات. تصفّحته فتوقفت عند عنوان لحكاية حقيقية حصلت عند جيراننا أيام الطفولة!
في تلك القرية الجنوبية كان جارنا أبو أحمد رغم بساطة معلوماته ومعارفه الفكرية يتعامل مع أبنائه الثلاثة بطريقة حضارية جداً ، تكاد تكون مقاربة لحرية التفكير والعمل والدراسة، لكن تحت مراقبته وفي نهاية كل شهر يجمعهم ويعطيهم بعض الملاحظات التي لابدّ منها، ثم يتلو عليهم الدرجات التي حصلوا عليها من قبله على تصرفاتهم الحياتية والدراسية ، وعلى ضوئها يمنحهم مصروفهم الشهري.
كان من يتلكأ منهم بالعمل والدراسة وتكون المؤشرات عليه أكثر من أخويه، يحرمه من المصروف لمدة شهر كامل، كي يعيد التفكير بأخطائه ويبدأ بتصحيحها. إضافة إلى انه يقول للآخرين بأنها رسالة لكم و ( كرصة إذن ) حتى تميزوا الخطأ من الصواب وتمشوا في الطريق القويم.
وهكذا ظل أبو احمد يتعامل مع أبنائه بقرص آذانهم كل شهر، وما برحوا يصححون ويصححون حتى صاروا مثالاً في العمل الصالح والنجاح المستمر في قريتنا والقرى الأخرى. وكنت كلما التقي احدهم أقول له ممازحا : لقد أثمرت قرصات آذانكم وبوركت يد أبيكم !! فيجيبني بابتسامة : إنها رسائل صنعت منّا رجالاً صالحين مخلصين أوفياء للناس والوطن!
تذكرت هذه الحكاية وأنا استمع إلى النتائج النهائية للانتخابات ، واقرأ أسماء تهاوت ولم تحصل على ما يؤهلها للفوز حتى بمسند مقعد في البرلمان ، وأخرى أُهملت ، وثالثة جاءت أصواتها غير ما كانت تمنّي النفس ، حيث تناقصت بشكل كبير.
أسماء كانت تلعلع ووجوه تصول وتجول اختفت ولم يعد لها مكان في البرلمان!
قلت في نفسي : أتمنى للفائزين ــ مَن جاء حديثا ومَن كان مخضرما وجاء بأصوات لم يتوقعها ــ أن يعوا القصة وقرصة الإذن هذه التي قام بها الشعب. فقد أرسل لهم رسالة مفادها ان مصيركم سيكون مثل هؤلاء الذين سقطوا من القوائم ، إذا لم تلتفتوا للشعب والوطن وتعملوا بضمير حي لإصدار قرارات تحد من الفساد المشرعن والسرقة العلنية وتعيدوا حساباتكم في كل القرارات التي خربّت ونهبت ميزانية البلاد ، وتصدروا قرارات جديدة في الأعمار والبناء وإعادة الحياة للصناعة والزراعة والتجارة والخدمات الصحية والعلاجية والكهرباء والماء والمجاري وكل ما يمنح المواطن الشعور بالعيش الكريم!
وإذا لم تعملوا بما يخدم الناس والوطن فسيكون مآلكم مآل زملائكم وأقرانكم السابقين!
ان العمل وخدمة الناس والنزاهة ومحاربة الفساد بكل أشكاله وبناء الإنسان والوطن على المحبة والخير والعدل تبقيكم في قلوب الناس ، ودونها لن تحصلوا على نبضة منه أبدا ، واللبيب من الإشارة يفهم وهذا أول الغيث!