يتيح القانون العراقي الساري انشاء مشاريع المدارس الخاصة(الأهلية)، لكنّه يعمل وفق دستور يوجب على الدولة رعاية التعليم وتوفيره مجاناً للمواطنين.

كل شيء بالمجان صار مقترناً بسوء النوعية، هذا في التطبيق. أما في الواقع فلا تلازم منطقياً يفرض أن تكون المؤسسات المجانية(الحكومية) أقل دقّة وكفاءة من نظيرتها التي يديرها القطاع الخاص، أو من تلك التي يتوجب على المواطن أن يدفع مالاً لقاء أن يحظى بخدماتها.  لكن واقع التنافس، وتهاون المؤسسة الحكومية الرقابية في رقابتها على مؤسسات الخدمات العامة هي التي فرضت ذلك. صارت لدينا مدرسة بلا تدريس حقيقي، ومستشفى بلا علاج متوفر، وبلدية لا تتمكن من صبّ (منهول)بشكل هندسي منتظم. وأيضاً، سنجد جامعة تخرّج خريجين لا يفقهون شيئاً من تخصصاتهم. باختصار، صار التهافت النوعي لمنتجات المؤسسات ذات الخدمات المجانية بلا حصر، مدفوعاً بالأساس من كونه"مجاني"، وبالتالي فلا حساب على نوعية منتجاته. وسيجري قبولها من الناس كيفما كانت فقط لأن نظيرتها في القطاع الخاص تتطلب دفع أموال حتى تستكمل تقديم نفس الخدمة.

هذا المطب الإقتصادي لا علاقة له بالجدل القديم أيهما أفضل في تقديم الخدمات، القطاع الخاص أم العام!. وسينبري أنصار الرأسمالية الى نُصرة القطاع الخاص بينما سيقف أنصار الإشتراكية مع القطاع العام.

في الحقيقة، هناك قطاع ثالث يبدو انه صار واقعاً في العراق، إنه قطّاع(الإهمال). القطاع الذي يتحرر من كل قيود الرقابة والنوعية. قطاع يتولّى إدارة المؤسسات فيه فَسَدة وجهلاء جلبتهم المُحاصصة الحزبية والسياسية. وتكرر ترسيخهم لأنها بالأصل نظام فاسد لا ينتج المُخرجات الجيدة، لا بالصدفة ولا بالتخطيط.

المسؤول الفاسد القادم الى منصبه عبر المحاصصة، سيزداد فساداّ. وحتى ذلك النقي الخبير، فإن المحاصصة ستوغل عقله وقلبه بالفساد مرّة أخرى.

صلاح المدارس الخاصة لا يعني أن تجربة المدارس الحكومية قد فشلت. فإن أكثر البلدان الراسمالية تشدداً تجاه رأسماليتها لم تتخل عن المدارس العامة المملوكة والمدارة من قبل الدولة. لكن الأصل في وجود المسؤول الفاسد الذي انساب يقطُر فساداً مُتحاصصاً من أعلى منصب وصولاً الى مدراء المدارس المدعومين حزبياً....

العلّة هنا، وكل العلل سنجدها بالقرب منها. أما المدارس الخاصة فهي ليست اختراع القرن أبداً.

عرض مقالات: