منذ الخليقة الأولى والمرأة تشكل جوهر هذا الكون اختا وزوجة وحبيبة وصديقة، وقلبه الرئيس، ومنذ الخليقة الأولى وهي تتحمل تقلبات مزاج وسلوكيات الرجل (ابو النفس الدنيئة)، الذي أكل التفاحة وابتليت جدتنا حواء، لتطرد من الجنة بسبب فعلته، هكذا تقول الأساطير!
الأعمال الإبداعية لم تتوقف يوما عن تناول قضية المرأة، سواء في القصة او الرواية او السينما او المسرح، وكان أبرز تلك الأعمال في المسرح المعاصر ما قدمه المسرحي الالماني برتولد بريشت في مسرحيته الشهيرة كتابة وإخراجا " الأم شجاعة".
كان المسرح العراقي، ضمن خارطة المسرح العربي، سباقا بتبني قضية المرأة، فقدم العديد من الأعمال التي تشيد وتنتصر لقضية المرأة.
وشهد منتدى المسرح هذه الايام تقديم مسرحية " فلانة" من تأليف الكاتب العراقي هوشنك وزيري وإخراج الفنان حاتم عودة وقام بتجسيد الشخصيات كل من: بشرى إسماعيل والاء نجم ونريمان القيسي وباسل شبيب وعمر ضياء الدين بينما قام الفنان علي السوداني بتصميم الإضاءة.
امرأة تعيش عذاباتها لوحدها لا تستطيع، ولا تسمح لنفسها، ان تبوح بها حتى لأقرب الناس لها، فتبقى كشجرة ذابلة وقد اخذتها سنان النار رويدا رويدا، تحترق ولا تشتعل، فتضطر ضمن التقاليد ان تكتم صوتها، لأنها اقتنعت بتوارث الفكرة الشائعة بأن "صوتها عورة!". ولم تجد امامها حلولا كثيرة، فأما الانتحار او الانتقام او اللجوء الى منقذ روحي، تناجيه وتناديه عسى يوما يزيح عنها الظلم المزدوج الذي تعانيه من قبل الرجل والمجتمع، اللذين حذفا من قاموسهما حتى اسمها فأطلق عليها تسمية "فلانة" تفاديا لمناداتها باسمها حتى في مماتها، وهو ما نلاحظه على طول وعرض الوطن: انتقلت الى رحمة الله عقيلة او كريمة الأستاذ..
الممثلون جميعا اجادوا تجسيد شخصياتهم، واثبتت الفنانة آلاء نجم بأن الأرض العراقية ولادة مثمرة، إذ اعادت "الاء" لذاكرتنا أداء الفنانات الكبيرات في المسرح العراقي.
المخرج حاتم عودة حاول أن يقدم عملا مخالفا بمعناه الإبداعي، فخرج عن مألوف تقديم هكذا أعمال مسرحية، ومنذ اللحظات الأولى وضعنا في جو كابوسي، متعمدا استخدام إيقاع ثقيل، جعل المشاهد يبحث عن نسمة هواء، فجاءته تلك النسمة بالأداء المتقن والموقف المتقدم من قضية المرأة.
وما أحوجنا لموقف كهذا هذه الايام، ونحن نشهد محاولة العراق طي صفحة ماضية من صفحاته، ليفتح النافذة على عراق مدني جديد، نتمنى ان تحتل فيه الثقافة والفن و"فلانة" موقع الصدارة!

عرض مقالات: